اقتراح لـ”دور سعودي” في سوريا من بوابة اللجنة الدستورية

  • 2024/03/24
  • 10:18 ص
وزير الخارجية السوري فيصل المقداد خلال لقائه بالمبعوث الأممي غير بيدرسون- آذار 2024 (وزارة الخارجية/ فيس بوك)

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد خلال لقائه بالمبعوث الأممي غير بيدرسون- آذار 2024 (وزارة الخارجية/ فيس بوك)

عنب بلدي – يامن المغربي

تستمر مماطلة روسيا والنظام السوري ورفضهما عقد جلسات اللجنة الدستورية المعنية بإنشاء دستور جديد لسوريا، طالما أن مدينة جنيف السويسرية هي مقر انعقاد الجلسات.

ويبدو أن الزيارة التي أجراها المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، الأسبوع الماضي إلى دمشق، ولقاءه خلالها بوزير الخارجية السوري، لم تكن مجدية، على الأقل من خلال الإحاطة التي قدمها بيدرسون لاحقًا أمام مجلس الأمن عقب الزيارة، التي تحمل جديدًا في ظاهرها، خاصة مع تصريحه بأن كل التطورات تسير باتجاه خاطئ في سوريا، على الصعيد الأمني والإنساني وحقوق الإنسان والاقتصاد والسياسة.

إلا أن مقترحًا تم تسريبه قد يعني تطورًا في عمل اللجنة، إذ نقلت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام السوري عن مصادر قولها، إن بيدرسون قدم مدينة الرياض، عاصمة السعودية، كمكان مقترح لعقد الاجتماعات.

الصحيفة التي وصفت مصدرها بـ“الدبلوماسي في دمشق” وفضل عدم الكشف عن اسمه، قالت إن الرياض تأتي كخيار بعد رفض موسكو عقد لقاءات اللجنة في نيروبي، عاصمة كينيا، واقترحت العاصمة العراقية بغداد، وهو ما رفضته واشنطن.

اختيار الرياض، ولو كمكان مؤقت، يأتي بعد رفض عقد الجلسات في بغداد وطهران ونيروبي، عاصمة كينيا، وهو ما يعكس دورًا مختلفًا قد تلعبه السعودية في الملف السوري، بعد سنوات من انحيازها للمعارضة السورية، قبل أن تقرر في 2023 تغيير المسار والانفتاح على النظام والسير لعودة العلاقات الدبلوماسية معه.

ما رأي المعارضة؟

تصريحات المعارضة في “هيئة التفاوض السورية” شددت على أن الأهم من مكان انعقاد الجلسات هو مضمون النقاشات ومدى إحراز تقدم في عمل اللجنة الدستورية، لكن ذلك لا يعني أيضًا اختيار مدن تمثل النظام أو تُحسب عليه، كبغداد أو طهران، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن جنيف هي المكان الأساس لانعقاد الجلسات، والظروف الحالية تدفع لاختيار مكان بديل، لكنه يبقى مكانًا مؤقتًا.

وترفض موسكو عقد الجلسات في جنيف السويسرية، على اعتبار أن سويسرا لديها موقف غير محايد من حربها على أوكرانيا.

ورغم انفتاح السعودية على النظام السوري منذ ما يقارب العام، وعقد لقاءات علنية معه ودعوته لزيارة الرياض، وعودة العلاقات الدبلوماسية، فإن المعارضة السورية لم تتخذ موقفًا متشددًا من ذلك بطبيعة الحال.

عضو الهيئة المصغرة (لجنة إعداد الدستور) المحامي طارق الكردي، قال لعنب بلدي، إن طرح الرياض كمكان لعقد اللجنة الدستورية ليس جديدًا، خاصة أن الرياض كان لها دور مباشر بتشكيل هيئة التفاوض، ولا يزال مقر الأخيرة في العاصمة السعودية.

وفق الكردي، فإنه يمكن للسعودية أن تلعب دورًا “إيجابيًا” خلال المرحلة المقبلة، لامتلاكها علاقات جيدة مع مختلف الأطراف السياسية المعنية بالشأن السوري، من واشنطن لموسكو وطهران وكذلك النظام السوري، بالإضافة إلى المعارضة.

الكردي أشار، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أن نقل أعمال اللجنة الدستورية خارج جنيف هو نقل مؤقت لحين انتفاء الأسباب التي دعت إلى هذا النقل.

ومن جهة أخرى، تهتم المعارضة بمضمون عمل اللجنة أكثر من مكان الانعقاد من حيث ضرورة أن يقوم المبعوث الأممي الخاص باستكمال منهجية العمل داخل اللجنة التي تمنع أي طرف من تعطيل أعمالها وعرقلة وصولها إلى تحقيق ولايتها في كتابة دستور جديد لسوريا، وفق رأيه.

اللواء السعودي المتقاعد والباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية عبد الله بن غانم القحطاني، يرى أن اجتماع اللجنة الدستورية في الرياض “أمر إيجابي” لنقطتين، الأولى تعود لانفتاح السعودية وبنائها لعلاقات مع حكومة دمشق، ولديها علاقاتها مع المعارضة كذلك.

الأمر الثاني أن لديها بالفعل تاريخًا من التعامل مع الطرفين وجمعهما، وسيكون مثمرًا في حال نجح الأمر.

وفي ظل العلاقات الجديدة مع إيران، الموجودة في سوريا أصلًا، يعني أن مكان انعقاد اللجنة في الرياض هو أمر جيد، لكن حتى اللحظة لم تصدر موافقة رسمية أيضًا من قبل السعودية بهذا الصدد أو اختيارها رسميًا.

ولم يصدر أي موقف رسمي من قبل الحكومة السعودية أو إعلان بالموافقة على استضافة أعمال اللجنة الدستورية واجتماعاتها، ومن المفترض أنها بلّغت بموافقة ورغبة المعارضة السورية بهذا الأمر، وفق تصريحات لرئيس “هيئة التفاوض”، بدر جاموس.

وقال جاموس في تصريحات لصحيفة “الشرق الأوسط السعودية، في 19 من آذار الحالي، إنه أبلغ الجانب السعودي برغبة المعارضة، لكنه لم يكشف عن الموافقة من عدمها.

ووفق القحطاني، فإن للسعودية قدرة على إدارة هذا الملف، خاصة مع علاقاتها الجيدة دوليًا، ولعبها سابقًا أدوارًا مشابهة في ملفات أخرى.

لماذا قد توافق الرياض؟

عمليًا، ليست المرة الأولى التي قد تستضيف فيها الرياض مفاوضات سياسية بين فرقاء داخليين في المنطقة، إذ سبق أن أعلن عن اتفاق الطائف برعايتها في عام 1990، وهو الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت في 1975، وكذلك اتفاق مكة في 2008، بين حركتي “فتح” و”حماس” الفلسطينيتين.

لكن الفارق ما بين تلك الاجتماعات وظروفها وأطرافها، والحالة السورية، أن الرياض كان لها بالفعل موقف واضح ومتشدد من النظام السوري خلال سنوات طويلة، منذ 2011، قبل أن تتغير الاتجاهات وتعلن السعودية عن عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، الحليف الأبرز للنظام السوري، في آذار 2023.

ورغم ابتعاد السعودية قليلًا خلال السنوات الماضية عن عمل “الائتلاف السوري”، أكبر أجسام المعارضة السورية، وتسليم الملف بشكل شبه كامل للجانب التركي، فإن علاقاتها مع “هيئة التفاوض” المعارضة لم تنتهِ، خاصة أنها تشكلت في الرياض.

وفق القحطاني، فإن السعودية حال موافقتها على استضافة أعمال اللجنة ستكون في حالة مراعاة لمصالحها أيضًا، سواء بما يخص رؤيتها الداخلية (رؤية 2030) أو الخارجية بما يخص المنطقة.

ويرى أن للسعودية مصلحة بأن تكون سوريا دولة مستقرة تقوم بدورها، وأن تعود سوريا دولة ذات سيادة على أرضها من خلال توافق وطني شامل، هذا الأمر لا يصب بمصلحة السوريين فقط، بل بمصلحة الشرق الأوسط كله بما في ذلك السعودية، وستستفيد سوريا من رؤية 2030 السعودية أيضًا، خاصة أن الأخيرة لديها مصلحة باستقرار كامل المنطقة، بما في ذلك العراق أيضًا.

وأضاف القحطاني في حديثه لعنب بلدي، أنه في حالة لم يكن هناك إدراك من قبل كل الأطراف لهذا الأمر فهذه مشكلة، وألا يدركوا أن كل الأطراف السورية ستكون خاسرة، فسوريا بحاجة لعودة العرب إليها لمساعدتها على النهوض، وتحتاج إلى مشروع ضخم لإعادة الإعمار وهذا لن يحصل دون توافق داخلي.

وكان المبعوث الأممي، غير بيدرسون، دعا أطراف اللجنة الدستورية لجولة تاسعة في جنيف، وافقت علها “هيئة التفاوض”، لكن النظام السوري لم يفعل، مع الإشارة إلى اتصالات متواصلة بهذا الشأن، والانفتاح على أي مكان بديل يحظى بإجماع الطرفين والجهة المضيفة، بحسب ما قاله المبعوث في إحاطته أمام مجلس الأمن.

وفي حال عدم التوافق على مكان بديل سيواصل بيدرسون العمل لعقد الجلسة في جنيف، ضمن عملية يقودها ويملكها السوريون، موضحًا أنه ناشد الأطراف الاستعداد لتقديم المقترحات الدستورية.

وبالنسبة لخطوات بناء الثقة (خطوة مقابل خطوة)، فهناك أفكار ملموسة مطروحة على الطاولة، بحسب بيدرسون، الذي دعا النظام السوري للانخراط في عملية متعمقة وملموسة، وفي الحوار الذي سيكون ضروريًا لتطوير خطوات مشتركة متبادلة ومتوازية.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا