تحدثت مصادر إعلامية معارضة عن نية النظام السوري دمج فرعي “الاستخبارات العسكرية” و”المخابرات الجوية” في جهاز أمني واحد تحت مسمى “مخابرات الجيش والقوات المسلحة”.
موقع “صوت العاصمة” المحلي، قال إن رئيس مكتب “الأمن الوطني” كفاح ملحم، أصدر قرارًا، في 20 من آذار، يقضي بدمج شعبتي الاستخبارات في جهاز أمني واحد بناء على توجيهات من رئيس النظام السوري، بشار الأسد، باعتباره القائد العام للجيش والقوات المسلحة.
مصدران أمنيان متقاطعان في “الأمن العسكري” جنوبي سوريا، وآخر يقود ميليشيا رديفة بها، قالوا لعنب بلدي إن قيادة الفرع الأمني لم تصدر أي تعميم بهذا الخصوص، لكن الحديث عن دمج الأفرع الأمنية شائع بكثرة في أروقة الرتب المتدنية في “الأمن العسكري”.
ولم تنفِ المصادر الثلاثة أو تؤكد معلومات، بينما لم يعلن النظام السوري عن تغييرات على هذا المستوى، كما لم تتحدث وسائل الإعلام المقربة منه عن إنشاء فرع أمني جديد.
تغييرات متوقعة
منذ أشهر، خطى النظام نحو تغييرات على أصعد مختلفة، منها أمني وعسكري وحزبي، وتلت هذه التغييرات دخوله بمفاوضات مع دول عربية في مسار التطبيع الذي اتخذه ليعود إلى محيطه، متجاوزًا 13 عامًا من عزلته عن العالم.
أحدث التغييرات الأمنية وأبرزها، كانت مطلع العام الحالي، عندما ظهرت تسريبات مشابهة تتحدث عن تعيين اللواء كفاح الملحم رئيسًا لـ”الأمن الوطني” بدلًا عن علي مملوك الذي عيّن مستشارًا لبشار الأسد لشؤون الأمن القومي.
حينها لم يظهر أي إعلان رسمي، واقتصرت التغييرات على تداولات نقلتها جهات مقربة من النظام، أبرزها وكالة “سبوتنيك” الروسية.
الباحث المتخصص في العلاقات العسكرية- المدنية بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محسن المصطفى، قال لعنب بلدي إنه من غير الواضح تمامًا ما هو شكل التغييرات التي أجريت على الأجهزة الأمنية، مشيرًا إلى أن التغييرات نفسها لا تزال غير مؤكدة (بحسب ما أفادت به مصادر للمصطفى أيضًا)، كما لم يظهر حتى الآن من هو الشخص الذي سيتولى قيادة الجهاز الأمني الجديد.
وأضاف أنه لم يتضح بعد فيما إذا كان مدير إدارة “المخابرات الجوية”، اللواء قحطان خليل، أو رئيس شعبة “المخابرات العسكرية”، اللواء كمال حسن، مع ترجيح اللواء كمال حسن لهذا المنصب، في حال كانت عملية الدمج صحيحة.
وأضاف أن التغييرات الأمنية خطوة متوقعة في مسار التغييرات التي طرأت على مؤسسات النظام السوري مؤخرًا، أسوة بما خرجت به ببعض التغييرات التي يجريها النظام على المؤسسة العسكرية ككل، علمًا أن الجهازين المذكورين أعلاه يتبعان لوزارة الدفاع بحكومة النظام السوري.
المصطفى أوضح أن النظام سيتوجه لضبط الأفرع الأمنية المتشابهة داخل هذين الجهازين، كفروع التحقيق أو فروع المحافظات والمناطق (للجوية خمسة أفرع كل منها مسؤول عن عدة محافظات)، ويبقي على الأفرع غير المتشابهة.
وأشار إلى أن خطوة من هذا النوع ليست بالأمر السهل من حيث التطبيق، إذ سبق وحاول النظام السوري تنفيذ إعادة هيكلة لبعض الوحدات والإدارات إلا أن بعض هذه المحاولات فشلت نظرًا لتعقيداتها المتشعبة، إذ تتطلب وقتًا طويلًا قبل الوصول لصيغة نهائية.
اقرأ أيضًا: ما وراء تغييرات النظام السوري
صلاحيات روسية
في 16 من كانون الأول 2023، نقل موقع “صوت العاصمة“، عن مصدر في “المخابرات العسكرية” أن إجراءات بدأت الشعبة بتنفيذها، تتمثل بحل وإنهاء بعض الفروع التابعة لها ودمجها مع فروع أخرى أو ضمها للإدارة الرئيسية.
وأضاف أن البداية كانت من حل الفرع “216” الواقع في منطقة القزاز بدمشق والمجاور للفرع “235” المعروف باسم “فرع فلسطين”، ونقل عناصره ومكاتب الفرع إلى إدارة الشعبة الرئيسية.
التغييرات قال إنها إحدى مراحل خطة روسية بدأ العمل عليها عام 2019 لتغيير بنية الأفرع الأمنية في سوريا وتنظيم عملها الاستخباراتي بعد أن صارت خلال السنوات الماضية “مجرد تشكيلات منفصلة عن بعضها، وموالية لتيارات وجهات داخلية أو خارجية”.
وبينما يُنظر إلى التغييرات في المنظومة الأمنية والعسكرية على أنها تحجيم للنفوذ الإيراني، بموجب تفاهمات مع دول عربية، يرى الباحث محسن المصطفى أن لروسيا سطوة على الأجهزة الأمنية أكثر من إيران في سوريا.
ولم يستبعد الباحث أن تسهم روسيا بتغييرات من هذا النوع على الأجهزة الأمنية على اعتبار أن النظام يملك أربعة أجهزة أمنية أحيانًا يتشابه ويتداخل عملها، بالإضافة لوجود تنافس فيما بينهما، وهذه الأجهزة هي: “شعبة المخابرات العسكرية” و”إدارة المخابرات الجوية”، و”إدارة المخابرات العامة” المعروفة باسم “أمن الدولة”، وأخيرًا “شعبة الأمن السياسي”.
وبحسب ورقة بحثية صادرة عن مركز “عمران للدراسات” فإن شعبة “المخابرات العسكرية” تتبع لهيئة الأركان العامة بشكل مباشر، في حين تتبع إدارة “المخابرات الجوية” إداريًا لقيادة القوى الجوية والدفاع الجوي، ويعتبر هذان الجهازان أقوى أجهزة المخابرات وأكثرها عددًا، ويتبعان في نهاية الأمر “بشكل رسمي” لوزارة الدفاع.
وتتبع إدارة “المخابرات العامة” (أمن الدولة) لرئاسة الجمهورية مباشرة، وهي في حالة تنسيق دائم مع مكتب “الأمن الوطني”، في حين أن شعبة “الأمن السياسي” تتبع إداريًا لوزارة الداخلية، ولكن ليس لوزير الداخلية أي صلاحيات فعلية في عملها، إلّا من النواحي الإدارية واللوجستية.
هل يحدث تغييرًا
من التغييرات التي طرأت على مؤسسات النظام السوري، وكانت ذات صدى في الأوساط الحقوقية، المرسوم الذي يقضي بإنهاء العمل بـ”محاكم الميدان العسكرية”، وإحالة القضايا الحالية إلى القضاء العسكري.
وفي أيلول 2023، أنهى رئيس النظام بشار الأسد، العمل بالمرسوم التشريعي رقم “109” لعام 1968 وتعديلاته، المتضمن إحداث محاكم الميدان العسكرية، وفقًا لما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا).
وبموجبه، تحال جميع القضايا في محاكم الميدان العسكرية بحالتها الحاضرة إلى القضاء العسكري لإجراء الملاحقة فيها، وفق أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم “61” لعام 1950 وتعديلاته.
وفي ملف سابق نشرته عنب بلدي، خلص باحثون ومتخصصون في الشأن الحقوقي السوري، إلى أن القرار جاء لطمس أثار الجرائم التي ارتكبت عبر هذه المحاكم.
الباحث المتخصص في العلاقات العسكرية- المدنية محسن المصطفى، قال لعنب بلدي إن التغييرات المطروحة قد تكون بدافع محاولة طمس الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها هذه الأفرع الأمنية، لكن بطبيعة الحال لن تكون قادرة على خداع الجهات الحقوقية الدولية.
وأضاف أن التغييرات قد تصعب عمل الهيئات الدولية، خلال محاولة معرفة الفرع الجديد الناتج عن إعادة الهيكلة، والذي سيرث تركة الأفرع التي نتج عنها سابقًا.
تغييرات متتالية
في 25 من كانون الثاني الماضي، أجرى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، اجتماعًا مع قادة الأجهزة الأمنية في الجيش، بحضور رئيس مكتب الأمن الوطني، ومستشار الشؤون الأمنية في الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية.
وذكرت “رئاسة الجمهورية” عبر “تلجرام” حينها، ونقلت عنها وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، أن الاجتماع تركز حول الأثر المرتقب لإعادة الهيكلة التي تجري في المجال الأمني، وتطوير التنسيق بين الأجهزة، بما يعزز أداء القوات الأمنية في المرحلة المقبلة.
وفي اليوم نفسه، أعلنت وزارة الدفاع في حكومة النظام عن دورة تطويع بعقود لخمس سنوات وعشر سنوات، حملت سلة المغريات ذاتها التي قدمتها عقود التطويع الصادرة عن النظام مؤخرًا، خلافًا لما كانت عليه الحال.
وعرض عقد التطوع الذي سمي “عقد مقاتل” فترتي خدمة مع راتب 1.3 مليون ليرة سورية مع التعويضات، بالإضافة إلى مكافآت، منها مكافأة بدء الخدمة ومكافأة سنوية ومنحة للزواج غير مستردة قيمتها مليونا ليرة.
وفي 13 من كانون الأول 2023، أصدر الأسد مرسومًا تشريعيًا يقضي بإحداث “الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية”، وتتبع لرئيس الجمهورية، وتحل محل وزارة شؤون رئاسة الجمهورية، وتهدف إلى تقديم الأعمال التي تساعد في أداء رئيس الجمهورية لمهامه واختصاصاته، وتتولى تيسير الأمور الإدارية والمالية والقانونية في الرئاسة والإشراف عليها، ويرأسها أمين عام يشرف على أعمالها.
أيضًا أصدر النظام السوري سلسلة من القرارات تتعلق بالمؤسسة العسكرية في إطار خطة لإعادة الهيكلة، إذ سبق وقال مدير الإدارة العامة في وزارة الدفاع، اللواء أحمد سليمان، خلال لقاء مع قناة “الإخبارية السورية“، إنها تستهدف إنشاء “جيش محترف حديث ومتطور”.