أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا الأربعاء، 20 من آذار، تقريرًا حول أوضاع الأطفال المحتجزين في مخيمات وسجون “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بسبب “مزاعم” انتسابهم لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وقال التقرير الذي حمل عنوان “معاقبة الأبرياء.. إنهاء الانتهاكات ضد الأطفال في شمال شرقي سوريا“، إن نحو 30 ألف طفل سوري وأجنبي لا يزالون محرومين بشكل غير قانوني من حريتهم بسبب ادعاءات بارتباط عائلاتهم بتنظيم “الدولة”.
ومنذ انتهاء معركة الباغوز في آذار 2019، نقلت “قسد” ما يقارب 73 ألف شخص، 65% منهم أطفال، إلى مخيم “الهول” في محافظة الحسكة شمالي سوريا، ولا يزال حوالي 29 ألف طفل محتجز في مخيمي “الهول” و”الروج”، 73 منهم تقل أعمارهم عن 12 عامًا، و20 بالمئة أقل من خمس سنوات، وحوالي ثلثيهم من الأجانب.
وبحسب التقرير، يعيش الأطفال “ظروفًا مزرية ومميتة في بعض الأحيان”، إذ سجل بحلول أيلول 2019، ما لا يقل عن 390 حالة وفاة، يمكن الوقاية منها، في مخيم الهول، مرجعًا الأسباب إلى الالتهاب الرئوي أو الجفاف أو سوء التغذية.
وأفادت تقارير اعتمدت عليها لجنة التحقيق، بوفاة ما لا يقل عن ثمانية أطفال في مخيم “الهول”، في آب 2020 وحده، وشملت أسباب الوفاة مضاعفات صحية ناجمة عن سوء التغذية وسكتة قلبية ونزيف داخلي، إضافة لوجود أطفال غرقوا في حفر الصرف الصحي المفتوحة واحترقوا عندما اشتعلت النيران في خيامهم بسبب سخانات الغاز المستخدمة في الشتاء.
وفي حين تقدم العديد من المنظمات الإنسانية الخدمات الطبية والتعليمية وغيرها من الخدمات في المخيمات، لا تزال هذه الخدمات غير كافية ويعوقها انعدام الأمن ومخاوف الوصول والتمويل، حسب التقرير.
وفي عام 2021، قتل حوالي 60 شخصًا من سكان المخيم، من بينهم أطفال، نتيجة اشتباكات “مميتة”، نفذت عقبها “قسد” بالتعاون مع التحالف الدولي، عمليات أمنية للقضاء على نفوذ التنظيم داخل المخيم، أدى ذلك إلى انخفاض في جرائم القتل، إلا أنه لم يعالج أشكال العنف المتعددة التي يعاني منها الأطفال.
ويرى التقرير أنه من “المثير للقلق” وجود عدد من النساء والفتيات والفتيان الإيزيديين ضحايا الإبادة الجماعية التي ارتكبها التنظيم ضدهم، وجرى اعتقالهم من قبل “قسد” في المخيمات، إلى جانب معذبيهم، وقد أخفى العديد منهم هوياتهم العرقية والدينية خوفًا من انفصالهم عن أطفالهم من قبل المجتمع اليزيدي الذي يريد إخراج الأمهات فقط من المخيم، دون أطفالهم الذين ولدوا لمقاتلي التنظيم.
ويفتقر عدد من الأطفال المحتجزين إلى الوثائق المدنية، لا سيما وثائق تسجيل الميلاد، وتم التعرف في مخيم “الهول” وحده، على حوالي 520 طفلًا منفصلين عن ذويهم، بحلول عام 2019، ولا يزال ما يقرب من 100 طفل من رعايا البلدان الثالثة غير المصحوبين، يقيمون في مراكز الرعاية المؤقتة المتخصصة، وفقًا للتقرير.
احتجاز الأطفال
تحتجز “قسد” و”الإدارة الذاتية” ما يصل إلى ألف طفل سوري وأجنبي، معظمهم من الصبية، في السجون العسكرية و”مراكز إعادة التأهيل”، وقدر التقرير أن أطفالًا أكثر من العدد المذكور، ألقي القبض عليهم قبل آذار 2019، واحتجزوا مع المقاتلين الذكور البالغين، بلغوا اليوم الـ18 عامًا.
وتحتجز “قسد” الأطفال في عشرة مراكز احتجاز على الأقل، تشمل سجنين عسكريين، هما الصناعة والسجن العسكري في مدينة الحسكة، ومركز البانوراما “الجديد” التابع لها، والذي يضم أكبر عدد من الأطفال، في ظروف احتجاز “مروعة”، إذ لا يعرف الكثيرون مصير ومكان وجود أفراد أسرهم، ودون الحصول على ضمانات قضائية.
وبحسب ما أفاد شهود “نادرون” للجنة التحقيق، فإن المحتجزين يفتقرون إلى الرعاية الطبية، ويعانون من الهزال وفقر الدم وأمراض عقلية وسوء التغذية، إضافة إلى وفاة عشرات المراهقين وحراس السجن بسبب مرض السل، في سجن الصناعة بحلول عام 2023.
وبينما تقيد “قسد” وصول المساعدات الإنسانية إلى الأطفال في سجون ومرافق الاحتجاز، تشهد سجون “الإدارة الذاتية” مثل سجن “الحوري”، “ظروف احتجاز أفضل”، حسب التقرير.
ووضع فتيان سوريين من مخيم “الهول” في سجن “الحوري”، منذ عام 2019، بناء على قرارات عن هيئات قضائية مؤقتة تابعة لـ”قسد”، ولا سيما محكمة الدفاع الشعبي.
وذكر من أجريت معهم المقابلات، أنه لم يُسمح للممثلين بالوصول إلى الأطفال أثناء الاستجوابات، التي تم فيها انتزاع الاعترافات، ولم يتم تعيين المحامين إلا بعد توجيه الاتهامات من قبل النيابة العامة.
وذكر التقرير أن قرارات نقل الأطفال الذكور من الاعتقال في مخيم الهول إلى الاحتجاز العسكري وغيره من المرافق، دون النظر إلى وضعهم كأطفال، تعد مخالفة للقانون الإنساني الدولي، وترقى إلى مستوى التمييز على أساس الجنس.
عودة الأجانب
قال التقرير، إن 38 دولة أعادت البعض من مواطنيها، إذ بلغ إجمالي الأطفال العائدين حوالي 6000 طفل أجنبي، بما في ذلك 4000 طفل من العراق، بينما لم تتخذ 35 دولة أي إجراءات علنية لإرجاع مواطنيها.
ورغم مطالبة عدد من المحتجزين الأجانب بلادهم بإعادتهم، غير أن بعض النساء والأطفال يتخوفون من الاضطهاد لدى العودة، حسب التقرير.
وتشير التقديرات إلى الإفراج عن 10500 مواطن سوري من مخيم “الهول”، غالبيتهم من النساء والأطفال، من خلال إجراءات رسمية “مطولة وغامضة”، تشمل وجود ضامن، يكون عادة مرتبطًا بالعشائر، واقتصرت هذه العملية على سكان مناطق سيطرة “قسد”، وذلك لغياب اتفاق مع النظام السوري وباقي سلطات الأمر الواقع.
وواجه الأطفال الخارجين من المخيم، سلسلة من الصعوبات، مثل الوصم بالعار، وغياب سجلات الولادة، ومشاكل الصحة الجسدية والعقلية، والإقصاء من النظام التعليمي لغياب الوثائق المدنية أو بسبب الوصم، ما أدى لعودة بعض الأسر إلى مخيمات أخرى، يعتقد التقرير أنه قد يعرضهم مجددًا إلى مخاطر التطرف.
اقرأ أيضًا: العائدون من مخيم “الهول” إلى دير الزور يعانون رفض المجتمع