تستمر مبادرة صندوق “التكافل الاجتماعي” للعام الخامس على التوالي، رغم توقفها خلال النزوح، وهي تقوم على مساعدة الأسر الأشد حاجة من أبناء بلدة العيس جنوبي حلب المهجرين إلى منطقة مشهد روحين شمالي إدلب.
جاءت فكرة الصندوق بجهود ذاتية من شباب من أبناء البلدة (مهجرون إلى شمالي إدلب) نتيجة الغلاء في الأسعار وانتشار الفقر والبطالة بين الناس، الذي تزامن مع شح المساعدات الإنسانية.
وتنتشر شمال غربي سوريا مبادرات فردية وجماعية قائمة على مساعدة العائلات أو الأفراد الأشد حاجة، يضاف إليها جهود عشرات المنظمات والفرق التطوعية التي تعمل ضمن قطاعات مختلفة، لكن تعترضها عقبات كما أن حجم الحاجة أكبر.
وتنشط في شهر رمضان المبادرات المجتمعية لمساعدة الناس المحتاجين، إذ لا تتجاوز يومية العامل 100 ليرة تركية (قرابة ثلاثة دولارات أمريكية) بينما وصل حد الفقر المعترف به إلى 10843 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع إلى 8933 ليرة.
ويسكن شمال غربي سوريا 4.5 مليون شخص، 4.1 مليون منهم بحاجة إلى مساعدة، و3.3 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 2.9 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.
فكرة الصندوق
بدأت فكرة الصندوق وفق أحد مؤسسيه، الممرض عبد الرزاق الجاسم، في 2019 بعد عودة أهالي بلدة العيس من النزوح الذي دام قرابة ثلاث سنوات (من 2015 حتى 2018)، حيث كانت أوضاع أغلب الناس سيئة، بسبب الدمار في البلدة، وغياب دعم المنظمات الإنسانية وقرب الأراضي الزراعية من خطوط التماس مع قوات النظام.
وقال الجاسم لعنب بلدي، إن الهدف من الصندوق تنسيق الجهود بين أبناء البلدة من ميسوري الحال أو المهتمين بالجانب الإنساني، لكفالة العائلات الأشد فقرًا وخاصة من ليس لديها معيل، وإيصال معاناة الفقراء والحالات الإنسانية من أجل تأمين احتياجها، وتنسيق توزيع التبرعات بين المانح أو المتبرع وصاحب الحاجة.
وأضاف أن القائمين على الصندوق يخططون لمحاولة تأمين فرص عمل لأبناء البلدة المحتاجين، وإطلاق دورات تعليمية وحرفية للشباب المعيلين للعائلات الفقيرة، مشيرًا إلى أن القائمين على المبادرة هم من الناشطين والجامعيين في بلدة العيس، ويعملون بشكل تطوعي.
آلية العمل
يتبع الصندوق آلية محددة في العمل وفق أحد مؤسسيه علاء محيسن، وقال لعنب بلدي، إن الصندوق يعتمد بالدرجة الأولى على “مبلغ شهري ثابت” من الأعضاء، من خلال أسهم نقدية يشاركون بها، وتبلغ قيمة السهم خمسة دولارات أمريكية، والأمر متاح لمن يريد أن يزيد على السهم بأن يشترك بأكثر من سهم في الصندوق.
وأوضح محيسن أن المبلغ المخصص للسهم ليس كبيرًا، وبإمكان الكثيرين المساهمة، والصندوق مفتوح للمتبرعين من خارجه وليست لهم أسهم ثابتة، فمنهم من يتبرع لمرة واحدة أو أكثر وليس كأسهم شهرية ثابتة.
وتأخذ المساعدة المقدمة من الصندوق عدة أشكال، وبعد قيام لجنة بتقييم واختيار الأشخاص الأشد حاجة، تُقدم المساعدة المناسبة لهم، سواء على شكل سلال غذائية أو مبالغ نقدية أو توزيع مادة الخبز والمياه والأدوية والمتابعات الطبية.
وذكر أن القائمين على الصندوق يجرون بشكل دوري إحصاء للعائلات الفقيرة، وينظمون سجلات خاصة بها لمساعدتها مستقبلًا وفق أولويات ومعايير، بحسب ما قاله محيسن.
بدوره قال أحمد ناصر وهو أمين الصندوق، إن الخطوة الأولى بعد جمع التبرعات هي تأمين مادة الخبز للعائلات الأشد فقرًا، وهي أبسط أساسيات المعيشة، وتسد جزءًا من الاحتياج.
ويأمل القائمون على الصندوق أن يسهموا بسد جزء من الحاجة التي يعانيها سكان البلدة المهجرون منذ خمس سنوات، ويدعون بشكل دوري ميسوري الحال من أبناء البلدة في الداخل أو المغتربين للوقوف إلى جانب أبناء بلدتهم.
مبادرات بجهود فردية
من المبادرات التي لا تزال مستمرة في مدينة إدلب شمال غربي سوريا مبادرة “الليرة الواحدة”، وذلك بعد مرور عامين ونصف على إطلاقها، وهي قائمة على وضع صندوق زجاجي في المحال التجارية لجمع تبرعات لمساعدة الأسر الفقيرة.
المبادرة عبارة عن فكرة أطلقها شادي سنان (45 عامًا) وهو من سلقين شمال غربي إدلب، وقال عنها إنها عمل طوعي شعبي، بدأ به مع شقيقه بعد شرائهما جهاز رذاذ للأمراض التنفسية وتقديمه للمحتاجين على سبيل الإعارة، ما شجعهما على الاهتمام بالعمل الخيري، وإطلاق المبادرة.
بدأ شادي بوضع صندوق في محله التجاري للعطورات، ولقي الأمر إقبالًا من الزبائن وغيرهم للتبرع بالليرة التركية (العملة المتداولة)، ما دفعه إلى التواصل مع عدد من التجار “من ذوي السمعة الحسنة” لتشكيل لجنة لإدارة المبادرة وتوسيعها، حسب قوله.
وخلال فترة وجيزة وصل عدد صناديق المبادرة إلى 73 صندوقًا، وتركزت أغلبيتها في الأفران والصيدليات، واستطاعت أموال المبادرة مساعدة أكثر من 1500 عائلة، كما عملت اللجنة المسؤولة عنها على نقل معاناة المرضى لبعض التجار الذين تبنوا علاجهم.
تماسك مجتمعي
يأمل القائمون على الصندوق أن يسهموا بسد جزء من الحاجة التي يعانيها سكان البلدة المهجرون منذ خمس سنوات، ويدعون بشكل دوري ميسوري الحال من أبناء البلدة في الداخل أو المغتربين للوقوف إلى جانب أبناء بلدتهم.
يرى محيسن أن هذا العمل يحمل آثارًا اجتماعية إيجابية، فأبناء البلدة يصبحون أكثر تماسكًا واستقرارًا وتزيد أواصر الألفة والمحبة بين أفرادها.
من جانبه قال الدكتور الجامعي عقبة العيسى، وهو أحد مؤسسي الصندوق، إن السمة الأساسية للصندوق هو “توحيد الجهود الخيرية” لأبناء البلدة، وتوجيهها نحو الحالات الأكثر حاجة.
وأضاف أن القائمين على الصندوق سيجمعون مبالغ مالية ويوزعونها على شكل مساعدات مختلفة في شهر رمضان الحالي.
تقييم التجربة
يرى الخبير في المجال الحوكمة وعمل منظمات المجتمع المدني الدكتور باسم حتاحت، أن نوعية الفرق العاملة في حقل التطوع العام سواء فرق تطوعية أو منظمات مجتمع مدني (التي تعمل ضمن استراتيجية مالية وميزانية محددة)، أثبتت نجاحها على مستوى العالم، وكان لهذه الفرق في كثير من الدول التي حصلت فيها نكبات أو صراعات دموية أو كوارث طبيعية أثر إيجابي كبير جدًا.
وقال حتاحت لعنب بلدي، إن هذا الأمر يتوقف على كون هذه الفرق التطوعية تخرج من إطار واحد أو تنتمي إليه، وهو يقوم على عملية التنظيم المباشر للمنطقة بشكل كامل، مع وجود هيئة مدنية للتطوع تقوم على عملية دراسة الاحتياجات، وتوزيع المناطق والفرق والإمكانيات الموجودة.
وأضاف حتاحت أن العمل التطوعي شمال غربي سوريا يعتبر رائدًا بما يخص الفرق التطوعية، لأن الكثير من المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية بدأت تخف وتتضاءل بشكل كبير، فأصبح وجود الفرق التطوعية أمرًا طبيعيًا ومهمًا وواجبًا.
فرق متفرقة
أشار حتاحت إلى أن المشكلة في الفرق التطوعية بالشمال السوري أنها “متفرقة” لا تنتمي إلى مرجعية وقاعدة واحدة، ولذلك من الأهمية بناء منصة الفرق التطوعية المشتركة، التي تقوم على إدارة الفرق التطوعية بشكل تنظيمي على مستوى المناطق، وإدارتها حسب الاحتياجات، ودراسة الاحتياجات المالية ومن أين تأتي، ولذلك فاليوم أغلب عمليات التبرع والتطوع هي من المجتمع الأهلي من بعض ميسوري الحال والتجار كنوع من التكافل الاجتماعي.
ونوه إلى ضرورة بناء منصة للتطوع في الشمال السوري، تقوم على إدارة استراتيجية ومنهجية، لكي تؤدي الغرض على المستوى الأوسع والأكبر، ولكي تؤدي إلى النتائج الإيجابية المطلوبة.
ولفت إلى أن هناك تطورًا فكريًا ومنهجيًا في إدارة أو مفهوم العمل المدني، سواء مفهوم منظمات المجتمع المدني أو الهيئات المدنية، أو العمل المدني المشترك أو المجتمع المدني الصغير المتكافل فيما بينه، ويعتبر الشمال السوري متقدمًا بشكل كبير جدًا في هذا الإطار.
عقبات أمام المجتمع المدني
قال حتاحت إن العمل المدني بحاجة إلى تطوير برامج وهياكل وسياسات منظمات المجتمع المدني، أو تطوير هياكل ومنظمات المجتمع التطوعي، أو تطوير وإعادة بناء منظومة الفكر الأساسي للعمل المدني والتطوعي بشكل عام، وهذه الأمور الثلاثة تحتاج إلى منهجية أوسع وإرادة أكبر في عملية إقرارها أو عملية بنائها من جذرها لكي تنمو نمو صحيح.
كما أن هناك كثيرًا من العقبات في داخل الشمال السوري سواء فصائلية، أو عدم تكتل المجتمع المدني ضمن إطار قانوني يدافع عنه، أو عدم وجود وعي كامل لأهمية المجتمع المدني وقواعده الأساسية وفق حتاحت، لكن باعتقاده أنه تم قطع شوط لا بأس به في شمال غربي سوريا، من خلال مفهوم العمل المدني وبناء قواعد العمل المدني.
–