حواس الصحفي الست و”القصة المميزة”  

  • 2024/03/17
  • 2:56 م
الصحفي علي عيد

علي عيد

أول ما يبدأ به طلاب الصحافة أو المبتدئون، عند ممارستهم العملية، هو الإجابة عن الأسئلة الخمسة الرئيسة والسادس الإضافي في كتابة الخبر، باعتبار الأخير مادة الصحافة التقليدية الأهم، الأسئلة الخمسة هي متى ومن وماذا وأين وكيف، وسادسها لماذا، ويذهب بعضهم إلى سؤال سابع هو ماذا بعد، وهو سؤال لا يستساغ في المادة الخبرية البحتة، وتصعب الإجابة عنه مباشرة في غرف الأخبار المتعجّلة والتي تتنافس على نقل المعلومة، لكنه سؤال مهم في أنواع الصحافة التحليلية، أو التقارير والتحقيقات المعمقة، ويأتي دوره في مرحلة لاحقة بعد نقل الخبر.

يمكن تعلم الإجابة عن هذه الأسئلة خلال الدراسة أو التدريب، لكن هناك خمسة عناصر أخرى رئيسة وسادسًا إضافيًا، هي الحواس الخمس، السمع والبصر والشم والذوق واللمس، وسادسها الحدس، فما قصتها، وأهميتها، ومكان وطرق استخدامها في الحياة المهنية.

تطورت الصحافة، ودخلت عليها أساليب مبتكرة في الكتابة، ومنها الصياغة القصصية الشائقة، والتي تحاول الاقتراب من الجمهور، ومحاكاة رغباته في تلقي المعلومة والسرد.

انتقل الأسلوب القصصي في صياغة الخبر بعد عقود من استخدام هذا الأسلوب في الصحافة الأمريكية، وانتشر هذا الأسلوب بالمواد التخصصية في الصحافة العربية منذ عقود أيضًا، فهناك مجلات وصحف قدمت مواد وتقارير حول قضايا الفن والمجتمع بأسلوب شائق، وهو ما يفسر التداخل المهني بين الروائيين وكتّاب القصة وعالم الصحافة، إذ حفلت الملاحق الثقافية والفنية والاجتماعية بكثير من المحتوى القصصي الصحفي، إلى أن تسللت الصياغة القصصية إلى الخبر والتقرير الخبري في العقدين الماضيين.

نعود إلى الحواس، وهي الأدوات الأكثر أهمية في كتابة القصص الإخبارية، أو “فيتشر ستوري” (Feature story)، ويقابلها في المعنى “التقرير الإبداعي” أو “التقرير المميز”.

عندما نكتب قصة إخبارية، فنحن نركز على الجانب الإنساني في الحدث، والكل مهتم بالحدث، لكن يريد أن يرى نفسه أو أثره فيه كإنسان أو بشر، لذلك يبدأ الصحفيون في هذا النمط بسرد أخبارهم أو تقاريرهم بعبارة أو مدخل جاذب من قصة إنسانية، يتفرعون بعدها إلى المزيد من تطورات الأحداث وارتباطها بالإنسان الذي يرى الجمهور نفسه فيه أو في أحد من عائلته أو محيطه.

ويحتاج الصحفي إلى حاسة البصر ليصف للجمهور ما يراه ويعاينه، وبدل أن يبدأ تقريره الصحفي وهو يعاين جريمة أو كارثة بجملة خبرية جافة، يمكنه رصد حال واحدة من أمهات الضحايا، ليبدأ مادته من وصف حالة الحزن والانكسار أو الغضب.

ويستخدم الصحفي السمع لوصف أصوات أو مؤثرات أو وصف صوت شاهد طفل أو عجوز أو امرأة في حالة فرح أو بكاء أو غضب.

وتحضر حاسة الذوق في لغة الصحفي إذا تحدث له شاهد أو ضحية عن مرارة عيش أو ملوحة دمعة أو حلاوة طعم، فالذوق مهم فيزيائيًا ومجازًا.

أما اللمس فله موضعه في وصف الأشياء وخصائصها (جثة بادرة، أطراف ساخنة، أصابع الفلاح الخشنة حين المصافحة).

ويستثمر الصحفي حاسة الشم أيضًا في سرد القصة، فرائحة البارود وقنابل الغاز والعطور وحتى دماء الضحايا لها مكانها في السرد القصصي.

أما الحاسة السادسة، وهي الحدس، فتلك التي تقود الصحفي أو تدفعه إلى مزيد من الأسئلة الذكية واستنطاق الأشخاص واستكشاف الأماكن، والكشف عن المساحات المعتمة في قصص البشر، التي قد لا يتم اكتشافها حسيًّا.

حواس الصحفي الذكية هي التي تنتج القصة المميزة، وتوصل الصورة بطريقة شائقة، وتصف ما يحصل بدقة، وكأنها ترسم الأشخاص والأماكن وتصف المشاعر لمن يقرأ المادة الصحفية.

وتلك الحواس يحتاج استثمارها إلى تعلم ومهارة وموهبة، فهو يستطيع أن يضع مهام (Check list) للإجابة عنها فيما يكتب، لكنها في جانب آخر تحتاج إلى موهبة الروائي أو القاص، إذ تتجاوز المسألة في كتابة القصة الصحفية حدود المعرفة بقواعد اللغة والنحو إلى الابتكار في السرد، والقدرة على نقل الصورة بلغة إبداعية، والفرق بين الصحفي المخبر والصحفي المبدع هو قدرة الأخير على تحويل الحقائق الجافة إلى قصة شائقة.

يُنصح الصحفيون المبتدئون في كتابة تقاريرهم باتباع قوالب تقليدية، لكنهم مطالبون مع الوقت بكسر هذه القوالب والخروج إلى فضاء أرحب في الصياغة واللغة، وهذا تمامًا ما يمكنهم فعله في القصة الخبرية “المميزة”، لذلك، فهم مطالبون أيضًا بتشغيل حواسهم، وتنمية مهاراتهم، والتمرين على كتابة الأنماط الشائقة، وفق ما يتماشى مع القواعد المهنية والأخلاقية.. وللحديث بقية.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي