عندما يكون اللاجئون سبايا العصر

  • 2024/03/17
  • 12:12 م
غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

بخلاف ما نشره أحد مرشحي حزب “الرفاه الجديد” لرئاسة بلدية منطقة الفاتح باسطنبول، حول نيته “كنس” اللاجئين و”تعليبهم”، وإرسالهم خارج تركيا، والتي قيل إنه حذفها واعتذر عنها فيما بعد، بالإضافة إلى بعض التصريحات المعتادة من رمز العنصرية، زعيم حزب “النصر”، أوميت أوزداغ، حول اللاجئين، فإن من الواضح تمامًا أن 7 وليست من ضمن صلاحيات مجالسها ورؤسائها ولا وظيفتهم الخدمية.

السياسات المتعلقة بإدارة ملف الهجرة غير الشرعية وملف اللاجئين تقررها الحكومة المركزية، وهي فعلت ذلك فعلًا، وكل التصريحات الصادرة عن وزارة الداخلية، وكذا رئاسة الهجرة، التركيتين، أوضحت عناوين تلك السياسات، وبيّنت بشكل جلي أنها عازمة على إنهاء وجود المهاجرين غير الشرعيين على الأراضي التركية، وإعادتهم إلى بلدانهم ومحاربة الأنشطة الإجرامية المتعلقة بتهريب البشر، كما اتخذت سلسلة من القرارات والإجراءات الحازمة جدًا طوال السنتين الأخيرتين على الأقل، فيما يتعلق بملف اللاجئين، بهدف ضبط وتنظيم أوضاعهم القانونية، كما قالت، وعلى هذا الأساس تستمر قوافل نقل المرحّلين قسرًا، أو العائدين طوعًا، إلى مناطق الشمال السوري.

في لبنان، الذي كان وفده أحد الوفود التي شاركت في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يعاني اللاجئون السوريون من ضغوط متصاعدة لإجبارهم على العودة إلى بلدهم، الذي صار آمنًا وفق الرواية الحكومية اللبنانية، التي لم تدخر جهدًا في الحؤول دون قوننة أوضاع هؤلاء اللاجئين ومن ثم إطلاق حملات اعتقال وترحيل ممنهج بحجة وجودهم غير القانوني على الأراضي اللبنانية، ودون أي تمييز بين لاجئ بسبب ظروف الحرب وبين مطلوب أمني في بلده لأسباب سياسية، وكان من نتيجة ذلك أن تم ترحيل العشرات من المنشقين والمطلوبين أمنيًا وتم اعتقالهم فعلًا ومات بعضهم تحت التعذيب.

في مصر، التي تترنح تحت وطأة أزمة اقتصادية غير مسبوقة، حاولت بعض الأصوات مجهولة الهوية إطلاق حملة لتحميل السوريين وزر تلك الأزمة، والتحريض عليهم والمطالبة بمصادرة أموالهم وترحيلهم إلى بلدهم، لكن، بفضل الله، لم تلقَ تلك الأصوات والحملات صدى لدى الشارع المصري، وفشلت محاولات العبث بمصير اللاجئين.

في العراق، الذي لا يزيد فيه عدد اللاجئين السوريين على 260 ألف لاجئ، والذي سبق أن استقبلت سوريا من مواطنيه أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ عام 2003، يتم التضييق على السوريين ويقبع في سجونه آلاف منهم، تمهيدًا لترحيلهم بزعم أنهم دخلوا البلاد “بطريقة غير شرعية”، أو عدم امتلاكهم أوراقًا قانونية، ورغم أن الكثير منهم يحملون إقامات صادرة عن سلطات أربيل، فإن الحكومة العراقية قامت فعلًا بترحيل العشرات إلى دمشق، وتم اعتقال بعضهم لمصلحة فروع أمنية سورية، لكن المفارقة المدهشة حقًا أن يطالب مدير لمركز حقوقي (المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان) بترحيل اللاجئين السوريين إلى بلدهم بزعم أن “الأوضاع في سوريا استقرت وأصبحت ملائمة للحياة”.

على الحدود البيلاروسية– البولندية، يسلط لنا فيلم “Green Border” الضوء على ما يعانيه طالبو اللجوء من السوريين والعراقيين والأفغان وغيرهم، من إهانات وتعذيب وقتل، ومن الموت بردًا وجوعًا على يد حرس حدود البلدين، الذي يدفع الأول بهم نحو بولندا ويردهم الثاني على أعقابهم نحو بيلاروسيا بطريقة مروعة ومشينة تجعلنا نتقيأ قرفًا مما كنا نؤمن به من قيم حقوق الإنسان، وهي صورة لا تقل سوداوية ومأساوية عما يعانيه طالبو اللجوء على الحدود اليونانية والبلغارية وفي الغابات والبلدات الصربية.

ولا يقل المشهد ترويعًا على الحدود الروسية– الفنلندية، حيث تصل درجات الحرارة إلى أقل من 30 تحت الصفر أحيانًا، إذ يقبع حوالي ثلاثة آلاف لاجئ بينهم سوريون تحينًا لفرصة الدخول للأراضي الفنلندية طلبًا للجوء، بعدما أقفلت فنلندا معظم معابرها الحدودية مع روسيا ردًا على ما قالت إنه “تنظيم عمليات ضغط بالمهاجرين على الحدود ردًا على انضمام فنلندا إلى الناتو”.

أما بريطانيا فلا تزال خطتها متعثرة لترحيل طالبي اللجوء فيها إلى رواندا، بموجب اتفاق أبرم بين الحكومتين تلتزم فيه رواندا بتوفير ملاذ آمن لطالبي اللجوء على أن تغطي الحكومة البريطانية النفقات اللازمة لذلك، إذ أجهضت محكمة الاستئناف البريطانية مساعي الحكومة بهذا السياق، واعتبرت أن رواندا لا يمكن اعتبارها دولة ثالثة آمنة، فيما وصفت منظمات حقوقية وبرلمانيون الاتفاق بأنه غير أخلاقي، ولا تزال الحكومة البريطانية توسع نطاق اتصالاتها لتشمل العديد من الدول الإفريقية، منها المغرب وغانا ونيجيريا، لتكون موطنًا جديدًا للاجئين.

وفي إيطاليا، حيث صدّق البرلمان فيها على اتفاق مع ألبانيا يقضي بإنشاء روما مركزين كبيرين على الأراضي الألبانية لاستقبال المهاجرين وطالبي اللجوء ممن يتم إنقاذهم من البحر المتوسط، حتى البت في طلباتهم للجوء أو الإعادة المحتملة لبلدان المصدر، قوبل الاتفاق بانتقادات المعارضة والمنظمات الحقوقية، كما قوبل أيضًا برفض المعارضة الألبانية، التي قدّمت طعنًا أمام المحكمة الدستورية باعتبار أن الاتفاق ينتهك الدستور الألباني، الأمر الذي دفع بالمحكمة لتعليق عملية تصديق البرلمان الألباني على الاتفاق بانتظار صدور قرارها النهائي بهذا الشأن.

عند تجميع قطع “البازل” هذه في لوحة واحدة سترسم لنا مشهدًا غاية في السوء والامتهان للكرامة الإنسانية، عندما تجعل الحكومات والدول، المتبنية منها لشرعة حقوق الإنسان وتلك التي لا تؤمن بها، اللاجئين مجرد سبايا، يبيح قانون “البقاء للأقوى” الحق في المتاجرة بهم كبضاعة رخيصة في سوق يزداد فيه العرض على الطلب.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي