خطيب بدلة
لا أدري لماذا نحب، نحن السوريين، شهر آذار، ونحشر معظم مناسباتنا فيه. أعتقد أن هذا يعود للمصادفة، أو ربما كنا نشعر، في آذار، بالدفء، بعد طول برد وصقيع، فنتحرك، ونصنع مناسباتنا.
انطلقت الثورة السورية يوم 15 من آذار، أو في 18 منه، خلاف كبير نشأ بيننا حول أي التاريخين هو الصواب، علمًا بأننا لم نختلف حول أسئلة الثورة الكبرى، مثل: لماذا تسلحت، وتأسلمت، وتطيفت، ولم تنتج كتلة وطنية ديمقراطية تكون بديلًا للنظام المستبد؟
نحتفل، في 21 من آذار، بعيد الأم، المرأة التي نقمعها، ونكبتها، ونهينها، ونسلبها حقوقها، ولكننا، في هذا اليوم، نغني لها “ست الحبايب”، ونهديها جوربًا، أو غطاء صلاة، وبعضنا يبدي طيبة زائدة فيبوس يدها، استعدادًا لاستئناف استعبادها وبنات جنسها ابتداء من اليوم التالي.
ثلاث مناسبات أخرى تصادف في يوم واحد، هو الثامن من آذار. خلال نصف قرن من الزمان، تشكل لدى الإنسان السوري منعكس شرطي يجعل يديه ترتفعان فجأة، وكفيه يصفقان بحرارة، فور سماعه كلمة الثامن من آذار. لماذا؟ لأنه، في هذا اليوم من سنة 1963 (كما يقول الخطباء البعثيون في مهرجاناتهم)، قامت الثورة العظيمة، التي قادها حزب “البعث العربي الاشتراكي” العظيم، وبدأت حرب حقيقية على الإقطاع، والرأسمالية، والإمبريالية، والاستعمار، والرجعية، والطابور الخامس، ووُضع مشروع إقامة الدولة العربية الكبرى، الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، موضع التنفيذ.
سنوات طويلة مرت، والمواطن في بلدنا لا يصدق ما يرى على الأرض، وما يقرأ في الصحف، وما يسمع من الخطباء، ولكنه لا يمتلك من المعلومات ما يكفيه ليعرف الحقيقة، إلى أن دخلنا في عصر المعلومات، وكثرت وسائل التواصل الاجتماعي، وأخذت الحقائق تتكشف، حتى عرفنا أن الضابط الذي قام بانقلاب الثامن من آذار 1963، زياد الحريري، ليس بعثيًا أصلًا، بل ناصري، انقلب على جماعة عبد الكريم النحلاوي الانفصالية، بهدف إعادة الحكم للزعيم الأسمر جمال عبد الناصر، ولكن ضباطًا من اللجنة العسكرية البعثية التقوا به، وفاوضوه، فوافق على إهداء الحكم للبعثيين مقابل تعيينه وزيرًا للدفاع، وهذا ما كان، يعني لا هي ثورة، ولا بطيخ مبسمر، بدليل ما أنتجوه من ظلم، واستبداد، واعتقالات، وتعذيب، ثم آل الحكم (بفضل هذه الثورة!) إلى سلالة حافظ الأسد الذين ارتكبوا، وما زالوا يرتكبون كل أنواع المجازر بحق الشعب، واستقدموا لسوريا كل أنواع المحتلين، والميليشيات، ولم يشردوا الألوف من أبناء الشعب، بل الملايين.
وفي الثامن من آذار 1920، أعلن الأمير فيصل بن الحسين بن علي سوريا مملكة هاشمية، بعد سنة ونصف من قدومه إلى دمشق، تنفيذًا للاتفاق بين والده، الشريف حسين، وممثل الخارجية البريطانية، السير مكماهون، على أن يساعد العرب الإنجليز في طرد العثمانيين مقابل إهداء سوريا لهم ليحكموها.
المناسبة الثالثة هي عيد المرأة، وهذه، بلا شك، مناسبة هامشية، لا قيمة لها، إذ لا يوجد، على وجه الأرض، شعب يحتقر المرأة، ويعطل طاقتها مثلنا، والغريب في الأمر أننا، عندما نريد أن ننافق، نعطي بعض الأهمية “للمرأة/الأم”، ست الحبايب!