رمضان 2024.. السوريون تحت شبح المجاعة

  • 2024/03/17
  • 6:28 م
حي ساروجا وسط دمشق- 3 من شباط 2024 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

حي ساروجا وسط دمشق- 3 من شباط 2024 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

عنب بلدي – حسن إبراهيم | جنى العيسى

مع انتظار انفراجة من الأزمات التي تلاحق المواطن السوري، تزداد هموم الحياة عليه، وبات واقعًا تحت ضغط الحاجة لتأمين مقومات البقاء، حاملًا حسرة في قلبه من أيام بات فيها ما يشغل تفكيره لقمة تسد رمقه.

حل رمضان 2024 على واقع سوري منهك يفتك به الفقر والحاجة، إذ يفرض الحد الأدنى للأجور بمختلف مناطق السيطرة في سوريا البحث عن مصادر إضافية للدخل، إما عبر الحصول على عمل ثانٍ وإما بالاعتماد على الحوالات المالية من خارج سوريا، الأمر الذي ليس متاحًا للجميع.

وشكّل ارتفاع الأسعار جزءًا من معاناة الناس خلال شهر رمضان، إلى جانب نقص في مقومات الحياة الأساسية المتعلقة بالمحروقات والغاز والكهرباء وغيرها، ورغم الاختلافات بين الأجور والرواتب وواقع السكان والعملة المتداولة بين مناطق السيطرة، فإن المجاعة باتت أمرًا واقعًا.

وضع خطير

في سوريا، يحتاج 16.7 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، بزيادة قدرها 9% على عام 2023، وفق تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

وذكرت المفوضية أن عام 2024 يدل على أن المؤشرات الإنسانية والاقتصادية في البلاد مستمرة في التدهور، وأن الوضع الاقتصادي “خطير على نحو متزايد”، ويشكل محركًا رئيسًا للاحتياجات.

ويحتاج 80% من السكان السوريين إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية في عام 2024، وفقًا لنظرة عامة على الاحتياجات الإنسانية لعام 2024 (HNO).

ويعاني نحو 55% من السكان في سوريا أو 12.9 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، منهم 3.1 مليون يعانون بشدة من انعدام الأمن الغذائي.

حي ساروجا وسط دمشق- 3 من شباط 2024 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

تدهور العملة يؤرق السوريين

تشكل قيمة العملات المتداول بها في سوريا أمام العملات الأجنبية سببًا إضافيًا في تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين، كما يترافق انخفاض قيمة العملة مع ارتفاع كبير للأسعار بينما لا تنخفض الأسعار عند ارتفاع قيمة العملة أو حتى عند استقرارها.

وترك تدهور الليرة السورية بنسبة 113.5% خلال عام واحد (2023) أثره الواضح على معيشة المقيمين في سوريا بالمناطق التي تعتمد الليرة كعملة أساسية، لما رافقه من ارتفاع أسعار شبه يومي طال جميع السلع والمواد الأساسية.

ويبلغ سعر مبيع الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية 14000 ليرة وسعر شرائه 13850 ليرة، وفق موقع “الليرة اليوم“.

وكذلك تأثرت قيمة الليرة التركية، التي تعتمد عليها مناطق شمال غربي سوريا للتداول في الأسواق، ما أثر في المستوى المعيشي للمواطنين، ووصل سعر صرف الدولار أمامها إلى 32.1 ليرة للدولار الواحد، وسعر صرف اليورو إلى 35.2 ليرة تركية.

4.5 مليون ليرة لفطور رمضان

قبيل رمضان الحالي، أشارت تقديرات أكاديمية إلى أن تكلفة وجبة الإفطار لخمسة أشخاص تكلّف بالحد الأدنى 150 ألف ليرة سورية (في مناطق سيطرة النظام السوري).

وخلال شهر كامل، تصل تكلفة وجبة الإفطار على مدى 30 يومًا لنحو أربعة ملايين ونصف مليون ليرة، الرقم الذي لا يتناسب إطلاقًا مع قيمة الأجور والمعاشات.

ويبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية في مناطق سيطرة النظام السوري 279 ألف ليرة سورية (20.5 دولار)، وتتراوح الرواتب الحكومية في مناطق سيطرة حكومة “الإنقاذ” بإدلب بين 80 و110 دولارات.

ويبلغ الحد الأدنى للرواتب في مناطق شمال شرقي سوريا حيث تسيطر “الإدارة الذاتية” مليون ليرة سورية (71.5 دولار)، ويتراوح الحد الأدنى لرواتب الموظفين في مناطق سيطرة “الحكومة السورية المؤقتة” بريفي حلب الشمالي والشرقي وتل أبيض ورأس العين بين 35 و59 دولارًا أمريكيًا.

حي ساروجا وسط دمشق- 3 من شباط 2024 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

الحوالات تنقذ.. المال يتحكم بالنوع والكمية

قبل أسبوع من بداية رمضان، بدأ رشيد المسالمة (49 عامًا) وزوجته بشراء مواد غذائية ولحوم ومشروبات غير جاهزة (سوس وتمر هندي) تجهيزًا لشهر رمضان، حيث يقيمان في حي السبيل بدرعا المحطة جنوبي سوريا، إضافة إلى شرائه دجاجتين لأخته الأرملة حيث تقيم مع طفليها في درعا البلد.

وقال رشيد، وهو موظف في مديرية البريد بدرعا، لعنب بلدي، إن راتبه يصل لنحو 350 ألف ليرة سورية، ولا يكفي لشراء مواد تكفي يومين لعائلته المؤلفة من ثلاثة أبناء، لكن شقيقه في دولة الكويت وهو مهندس بناء يرسل في كل شهر مبلغًا له ولأُخته، لافتًا إلى أن المبلغ قبل رمضان مضاعف، ووصل إلى 12 مليون ليرة لكل منهما، ويكفي العائلة طيلة شهر رمضان.

وذكر رشيد أن العرف السائد في درعا هو إعطاء مبالغ لـ”العنايا” وهو كل ما يرتبط بصلة الرحم من أخت وعمة وخالة وبنات الأخ والأخت وغيرهم، قائلًا إن من الواجب على الرجل جبر خاطر صلة رحمه، خاصة في الظروف الاقتصادية الصعبة، من منح مبالغ مالية، أو شراء احتياجات، أو إجراء عزيمة على الأقل.

من جهتها مايا (اسم مستعار) تبلغ 38 عامًا، وهي ربة منزل وزوجها يعمل مديرًا لفرع أحد البنوك الخاصة في مدينة اللاذقية، قالت إنها بدأت استعداداتها لشهر رمضان قبل أسبوع من بدايته.

وذكرت أنها اشترت نوعين من التمور بكميات تكفي نصف الشهر تقريبًا، مع مراعاة قدوم الضيوف، وتريد تجديد الكمية التي تبلغ أربعة كيلوغرامات اشترتها بـ425 ألف ليرة قبل نفادها.

وأضافت أنها اشترت التين المجفف وبعض أنواع المكسرات غير المحمصة، لتكون حاضرة على مائدتي الإفطار والسحور، ودفعت لقاء ثلاثة كيلوغرامات من المادتين نحو 740 ألف ليرة.

وشملت تحضيرات ربة المنزل شراء المعلبات مثل الحلاوة والمربيات والجبن، وقمر الدين إضافة إلى التمر هندي لإعداد العصائر، والمواد التموينية مثل السمن والزيوت النباتية، وأشارت إلى أن فاتورة “السوبرماركت” بلغت قرابة الـ600 ألف ليرة.

وفيما يخص اللحوم والدجاج، قالت السيدة إنها تشتريها “كل يوم بيومه”، كذلك الخضار والفواكه، لأنها لا تثق بضمان صلاحيتها رغم امتلاكها شبكة طاقة شمسية، وفيما يخص “البرك” و”السمبوسك” فإنها عادة ما تشتريها من أحد المطابخ التجارية في المدينة.

السيدة التي تعيش في حي الزراعة بمدينة اللاذقية، يبلغ عدد أفراد أسرتها خمسة أشخاص (زوج وثلاثة أطفال أكبرهم بعمر الـ14 عامًا)، قالت إن التكاليف كارثية، ورغم كل ما اشترته من مستلزمات، فإنها خفضت الكميات، حيث كانت تشتري في السابق ضعف تلك الكميات، لتوزع منها على الجيران، لكنها هذا العام لم تستطع أن تقوم بالمهمة.

وقالت فايزة السعيد (38 عامًا)، وتعمل موظفة في إحدى مؤسسات “الإدارة الذاتية” بمدينة القامشلي، إنها تدبرت احتياجاتها لرمضان عام 2023 براتب قدره 850 ألف ليرة سورية، لكن الوضع أسوأ هذا العام رغم وصول راتبها إلى مليون و400 ألف ليرة.

وأوضحت لعنب بلدي أنها قررت وزوجها قبل أربعة أشهر استخدام طريقة التجميع (مطمورة رمضان)، وادخرت بعض المال حين زارها شقيقها المقيم في النرويج وقدم لها مبلغًا ماليًا.

انتظار سلة إغاثة

منعت الحالة المادية المتردية محمد الحسين (50 عامًا) المقيم في مخيم “الكويتي” شمالي إدلب من شراء التحضيرات لشهر رمضان، فعدد أفراد أسرته ثمانية، ولا تتوفر له فرصة عمل نظرًا إلى قلة الفرص وعمره الكبير، ومصدر دخل العائلة الوحيد عمل ولده بالإنشاءات مقابل أجرة يومية تصل إلى 50 ليرة تركية.

ويأمل محمد أن يحصل على سلة مساعدات، ورغم معرفته أنها لا تكفيه أكثر من أسبوع، فهي تسند العائلة، لافتًا إلى أنه حصل على سلة غذائية منذ شهر ونصف.

من جهتها، بيان الساير (46 عامًا) تقطن في حي القصور بدير الزور حيث يسيطر النظام السوري، قالت لعنب بلدي، إنها لم تحضّر الغذائيات لرمضان، لافتة إلى أنها في الأعوام السابقة كانت تستطيع تأمين حاجيات الشهر قبل قدومه.

وتحصل بيان وهي أم لسبعة أشخاص وموظفة في مديرية الزراعة على سلة غذائية من “الهلال الأحمر السوري”، كل ثلاثة أشهر تسد بعض الحاجة.

أما عبود التركي (45 عامًا)، المقيم في مدينة هجين بريف دير الزور الشرقي، فقال إن شراء تحضيرات كافية بات صعبًا على عائلته المؤلفة من 15 شخصًا، لأنه يعمل بالزراعة وأسعار معظم السلع مرتفعة.

وأوضح أن عائلته تحتاج إلى مصروف يومي لأكثر من 200 ألف ليرة سورية، كما أن اللحوم غائبة عن المائدة، وتنتظر الدعم من المنظمات في حال تقديم السلال الغذائية التي باتت شبه غائبة.

ولم تستطع سهير (42 عامًا) وهي موظفة حكومية وأم لثلاثة أطفال، أكبرهم بعمر 11 عامًا، مع زوجها الموظف الحكومي، شراء المستلزمات التي اعتادت شراءها استعدادًا للشهر الكريم.

السيدة التي تعيش في حي الصليبة باللاذقية، قالت إن مشترياتها اقتصرت على كيلو تمر بسعر 30 ألف ليرة من النوع الذي يباع على “البسطات”، لأن وجوده أساسي على مائدة الإفطار، بينما لم تتمكن من شراء التمر الهندي لصنع العصائر، وستستعيض عنه بشراء البرتقال قليل الثمن، وإعداد العصائر بشكل يومي.

غابت الفواكه المجففة والمكسرات عن منزل سهير للعام الثالث على التوالي، كذلك لا تعتقد أنها قادرة على إعداد طبق إفطار يحوي على اللحوم أو الدجاج أو السمك بشكل يومي، كما العادة المتعارف عليها، وبالكاد يمكن وجود طبق إفطار يحوي خضراوات وبقوليات، أو شوربة عدس مع طبخة أخرى من البطاطا.

وأكدت السيدة أن 80% من جيرانها مثلها، والغالبية تنتظر الحصص الغذائية واللحوم التي يقدمها بعض أهل الخير للصائمين في رمضان، كما يحدث عادة.

وفيما يخص السحور، كانت سهير تموّن الأجبان والألبان والمربيات إضافة للتمر، وهي المواد التي تشكل عماد مائدة السحور بالعادة، لكن هذا العام قالت السيدة، إنه بالكاد يمكن وجود صنف واحد بكميات قليلة، مثل أوقية لبنة أو ثلاث بيضات وبعض حبات الزيتون إن توفرت.

وأشارت إلى أنها لا تمتلك القدرة المادية لتجهيز مستلزمات رمضان المعتادة، فزوجها موظف حكومي براتب لا يتجاوز الـ350 ألف ليرة، وراتبها كذلك، كما أنها لا تمتلك قريبًا مغتربًا ليساعدها بحوالة، وختمت حديثها: “نتفاءل بأن رمضان شهر الخير والبركة، وتأتي رزقته معه”.

وبالنسبة لأنس (35 عامًا) فهو موظف حكومي يعيش مع زوجته وطفلتيهما في ريف جبلة، ويمتلك أرضًا زراعية يزرعها بالتبغ، قال إنه لا يتذكر متى آخر مرة حضّر فيها مؤونة لشهر رمضان، وأضاف أن التجهيزات السابقة كانت تشمل اللحوم والزبيب والتمر، إضافة إلى المربيات ومشتقات الأجبان والألبان.

لكن هذا العام لم يشترِ شيئًا بعد، ولا يعتقد أنه قادر على شراء أي مستلزمات خاصة برمضان، بل الاحتياجات اليومية المعتادة من الخضار والبقوليات.

وأضاف أن الأحوال المعيشية هذا العام أسوأ من سابقه، ويذكر العام الماضي أن اللحوم الحمراء لم تدخل منزله خلال رمضان، بينما اشترى الدجاج 5 أو 7 مرات، لكن هذا العام بالكاد قادر على شراء قطعة دجاج لإعداد طبخة عليها.

مقالات متعلقة

  1. الوجبات اليومية حكر على رمضان.. هل تكفي أهالي مخيمات ريف إدلب؟
  2. زمن الولائم ولّى.. السوريون يستقبلون رمضان بلا طقوس
  3. ديون رمضان والعيد تترك أثرها الاجتماعي على المقترضين في سوريا
  4. تركيا تحدد صدقة الفطر لرمضان 2024

مجتمع

المزيد من مجتمع