فوضى ومحسوبية
مركزا “PTT” لا يسدان حاجة السكان في اعزاز
اعزاز – ديان جنباز
تستمر مشكلة ازدحام الأهالي أمام مركز البريد والشحن التركي (PTT) بمدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، رغم افتتاح مركز آخر بالقرب من دوار “القلعة” شرقي المدينة مؤخرًا.
وبات من الشائع رؤية مئات الأشخاص يوميًا يتجمعون أمام مركز “PTT” لتسلم رواتبهم، وسط عدم قدرة المركز على تحمل الضغط وتسيير أمور الأهالي المصطفين في طوابير.
وتقدم فروع “PTT” خدمات مصرفية بسيطة، تشمل تسليم رواتب الموظفين، إذ يتلقى الموظفون من مختلف القطاعات، مثل التعليم والشرطة والإدارة المحلية والطب والدعوة، بطاقات مصرفية لسحب رواتبهم وفتح حسابات شخصية بنكية، ويمكن للمواطنين إيداع أموالهم في تلك الحسابات أو سحب المبالغ المودعة في أي وقت، سواء بالليرة التركية أو بالدولار.
وتقدم هذه المراكز خدمة تسلم وتسليم حوالات خارجية من وإلى جميع دول العالم، لتلبية احتياجات السكان في المناطق المحلية التي تسيطر عليها فصائل عسكرية تدعمها تركيا في الشمال السوري.
مركز ثانٍ لا يسد الحاجة
يحتوي الفرع الثاني، الذي افتتح في 3 من كانون الثاني الماضي بالمنطقة، على آلة سحب واحدة، ويقدم خدمات فتح حسابات جديدة وتسليم البطاقات عن طريق الموظفين العاملين فيه، حسب الشهادات التي حصلت عليها عنب بلدي.
محمد رضوان، طالب في جامعة “حلب بالمناطق المحررة”، قال لعنب بلدي، إنه حاول على مدار يومين افتتاح حساب في المركز الجديد لكن دون نتيجة، نظرًا إلى وجود أعطال مستمرة في الأجهزة والمعدات المستخدمة، وبطء الإنترنت.
وأضاف محمد أن المكان غير مهيأ لحالات الانتظار الطويلة، سواء كان الطقس باردًا في الشتاء أو حارًا في الصيف، مشيرًا إلى أن الأمر يزداد سوءًا بسبب التعامل السيئ من قبل عناصر الشرطة (الحراسة) مع الأشخاص.
من جانبه، محمد سرجاوي، وهو معلم في مدرسة “بدر الكبرى” باعزاز، قال لعنب بلدي، إن افتتاح المركز الثاني لم يخفف من الازدحام ومشكلة التأخير، نظرًا إلى موقعه البعيد وصعوبة الوصول إليه.
وأضاف محمد أن عدد الآلات المتاحة للقيام بالمعاملات قليل جدًا في المركزين، حيث تتوفر اثنتان في المركز الأساسي، وواحدة في المركز الجديد، ما يتسبب في انتظار طويل للأهالي.
لا تمنح أكثر من 5000 ليرة.. انتظار لأيام
تشهد مراكز “PTT” في الشمال السوري ككل وفي مدينة اعزاز خاصة ازدحامًا منذ ثلاث سنوات تقريبًا، إذ يجري تحويل جميع الحوالات الخارجية للمنظمات ورواتب الموظفين والكفالات إلى هذه المراكز.
يضاف إلى حالة الازدحام، عدم منح الناس مبالغ أكثر من 5000 ليرة تركية (الدولار يقابل 32 ليرة تركية)، وهو ما يخلق أزمة ازدحام أخرى، فمعظم العاملين في منظمات وجمعيات وحتى بعض الحوالات تتجاوز الـ200 دولار (وبالتالي لا يمكن تسليمها للشخص كلها بنفس اليوم).
علي أمين، موظف بمنظمة “سفير” للأعمال الخيرية، حاول خلال الأيام العشرة الماضية الحصول على مبالغ عبر مركز “PTT” الأساسي في اعزاز، وكان يقف بالطابور في كل مرة بعد التسجيل على دور للقبض، إلا أنه لا يتسلم المبلغ كاملًا، ويضطر إلى العودة في يوم آخر.
ويعود سبب ذلك إلى المبالغ التي يتلقاها، إذ تعتبر كبيرة نسبيًا بسبب نشاط المنظمة، لكن بعد التسجيل على دور جديد تكون فرصة الحصول على المبالغ متفاوتة.
وقال علي لعنب بلدي، إن الدور والاصطفاف أمام المركز يفتقر للتنظيم والرقابة، في حين توجد “واسطات” لبعض الشخصيات.
وأضاف أنه بعد عدة محاولات، توجه لمركز في مدينة جنديرس، مشيرًا إلى أن الازدحام لا يغيب عن المشهد أيضًا لكونه قريبًا من مناطق إدلب، لكن العملية التنظيمية فيه أفضل، حيث يلتزم الناس بالدور مع وجود وضوح في الإجراءات.
من جانبها، قالت أمينة الشيخ، وهي موظفة في مستشفى “الأمل” بمدينة اعزاز، إن مدة الانتظار لا تقل عن ساعتين للحصول على الراتب، مضيفة أنها عندما تتمكن من الوصول إلى الآلات، يقتصر السحب على مبلغ محدود بقيمة 5000 ليرة تركية في اليوم الواحد.
وذكرت أن الأشخاص الذين يتقاضون رواتب بقيمة 400 أو 500 دولار، يجدون أنفسهم مضطرين لزيارة مراكز “PTT” ثلاث أو أربع مرات في أيام متفرقة للحصول على كامل رواتبهم.
ولفتت إلى أن الأشخاص يمكنهم الحصول على رواتبهم كاملة، دون استخدام الآلات، لكن يتطلب ذلك جهدًا ووقتًا إضافيين بسبب صعوبة الوصول إلى الموظفين داخل “PTT” والانتظار لفترات طويلة.
حاولت عنب بلدي التواصل مع مسؤول “PTT” في الجانب السوري للحصول على توضيحات عن أسباب الازدحام وآلية عمل المركز وآلية منح المبالغ، لكنها لم تتلق ردًا حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
“استغلال وواسطة”
من خلال تجربتها، أوضحت أمينة الشيخ أنها تلجأ كما البعض إلى حلول لتخطي معوقات الانتظار وتسهيل عملية الحصول على الرواتب.
وقالت إنها في بعض الأحيان تستعين بأحد عناصر الشرطة الموجودين داخل المركز من أجل تسهيل وصولها إلى الآلة أو للموظفين في داخل المركز، لتتمكن من الحصول على الراتب دون انتظار مقابل مبلغ يتراوح بين 200 و500 ليرة تركية.
أحد عناصر الحراسة في مركز “PTT” (فضل عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام)، قال لعنب بلدي، إن الازدحام وعدم التنظيم يعودان إلى تلاعب الموظفين السوريين والضباط المسؤولين بالمراكز، إذ يستغلون هذه الحالة لتسهيل الإجراءات لبعض الأفراد والأشخاص العاملين في المنظمات مقابل رشى مالية.
وبحسب شهادة حصلت عليها عنب بلدي، فإن عناصر الشرطة يختارون أحيانًا أشخاصًا من المنتظرين لتفريغ سيارات تحمل “طرودًا” إلى مركز “PTT”، وبعد الانتهاء يدخلونهم لسحب أموالهم دون انتظار دورهم “كمكافأة لهم”.
وتتركز مراكز “PTT” في مدن وبلدات متعددة تخضع لسيطرة “الجيش الوطني السوري”، المدعوم من تركيا، ومنها اعزاز وعفرين وجنديرس ومارع والراعي والباب وجرابلس وقباسين وبزاعة وتل أبيض ورأس العين، في حين تفتقر محافظة إدلب إلى أي مركز، ما يجبر الكثير من السكان على التنقل إلى ريف حلب بشكل دوري للقيام بمعاملاتهم المالية.
وتكررت حالات اعتداء عناصر الشرطة في بعض مراكز البريد سواء على المواطنين أو على إعلاميين خلال تغطيتهم الإعلامية، منها اعتداء عناصر من “الشرطة المدنية” في اعزاز على إعلاميين وصحفيين ومنعهم من التغطية الإعلامية لمشكلة الازدحام أمام مركز “PTT”، كما حصل مع فريق قناة “حلب اليوم” المحلية، في 23 من حزيران 2023.
وقال رئيس “اتحاد الإعلاميين السوريين”، جلال التلاوي، لعنب بلدي حينها، إن الحادثة ليست فقط مع قناة “حلب اليوم” بشكل مباشر، إنما مع أكثر من وسيلة إعلامية كانت تغطي مشكلة الازدحام.
وتنتهي مثل هذه الحوادث بوعود من الشرطة بمحاسبة العناصر المعتدين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :