توقعات بعودتها للانخفاض.. حوالات رمضان تنعش الليرة السورية
عنب بلدي – جنى العيسى
شهدت قيمة الليرة السورية تحسنًا ملحوظًا أمام العملات الأجنبية منذ مطلع آذار الحالي، بعد استقرار شبه نسبي شهدته منذ أشهر عند حدود 14500 ليرة سورية للدولار الواحد.
ووفق موقع “الليرة اليوم” المتخصص برصد أسعار العملات الأجنبية والذهب، سجل سعر مبيع الدولار وقت إعداد التقرير 14000 ليرة سورية، وسعر شرائه 13850 ليرة.
بينما وصل سعر مبيع اليورو الأوروبي إلى 15253 ليرة سورية، وسعر شرائه إلى 15084 ليرة.
تحسن الليرة تزامن مع قدوم شهر رمضان، إذ تتضاعف فيه قيم الحوالات المالية الواردة إلى السوريين من ذويهم في الخارج، وسط حديث عن تدخل حكومي لضبط السعر، دون ذكر تفاصيل هذا التدخل.
“المركزي” يتبنى التحسن
أرجع مصرف سوريا المركزي، بشكل غير رسمي، أسباب تحسن قيمة الليرة مؤخرًا لسياساته التي يتبعها منذ أشهر.
مصدر في المصرف المركزي، لم يذكر اسمه، قال في تصريح صحفي لصحيفة “الوطن” المحلية، في 5 من آذار الحالي، إن الإجراءات والقرارات التي أصدرها المصرف المركزي في الأشهر القليلة الماضية، والتي ساعدت بتسهيل تصدير المنتج السوري، إضافة إلى اتفاق تعاون تم مع القطاع الخاص، أسهمت في ضبط “نزيف” تسرب العملات الأجنبية إلى الخارج إلى حد كبير، ما أدى إلى تحسن في سعر صرف الليرة.
وأشار المصدر إلى استمرار المصرف من خلال عدة إجراءات (لم يذكرها) في دعم العملة الوطنية، وبالتالي تخفيض الأسعار في الأسواق، على حد قوله.
الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” مناف قومان، قال لعنب بلدي، كيف يمكن اعتبار سياسات المصرف المركزي أسهمت في تحسن قيمة الليرة، وهو من بدأ ببرنامج الخفض التدريجي لليرة منذ 2023 عندما كان السعر نحو 4500، وبدأ برفع سعر الصرف متذرعًا بتجسير الفجوة مع السوق السوداء.
ولا يمكن تجاهل سياسات “المركزي” القائمة على ترشيد الواردات من خلال منصة المستوردات، التي أدت إلى تعقيد عملية الاستيراد وزيادة الاحتكار وجفاف الأسواق من السلع وارتفاع الأسعار العامة، هذا جنبًا إلى جنب مع السياسات الأخرى، وفق قومان.
حوالات رمضان.. تحسن مؤقت
لم يتفق العديد من الخبراء مع أن سياسات المصرف المركزي وراء تحسن قيمة الليرة، مرجعين هذا التحسن إلى تضاعف قيم الحوالات الواردة مع حلول شهر رمضان.
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية تعد ثابتة “أمنيًا وليس اقتصاديًا” منذ أشهر، إذ تزداد الأسعار بشكل كبير بينما سعر الصرف لا يزداد، ما يدل على أن سعر الصرف غير مضبوط اقتصاديًا.
وأشار شعبو إلى أن هذا توقيت تضاعف نسب الحوالات، وبالتالي هناك كم كبير من الدولار يدخل إلى البلاد، ما يسبب تحسنًا طفيفًا في سعر الصرف.
وأوضح شعبو أن هذا التحسن مؤقت، كون الحالة مضبوطة أمنيًا وليس اقتصاديًا، متوقعًا أن تفرض القواعد الاقتصادية نفسها، وأن يكون هناك خلل في قيمة الليرة، ما سيؤدي إلى تسجيل قفزات في قيمتها أمام الدولار.
الباحث الاقتصادي مناف قومان، قال لعنب بلدي، إنه لا يتفق مع توصيف “تحسن” قيمة الليرة، مفسرًا ذلك بأنه حتى لو ارتفعت قيمة الليرة بمعدل 100 أو 200 ليرة خلال فترة وجيزة، فلا يمكن اعتبار هذا تحسنًا على المدى المنظور.
وأكد قومان أن هذا الارتفاع في قيمة الليرة ناجم عن كمية الحوالات الخارجية بالدولار الأمريكي بسبب شهر رمضان، إذ تشير الأرقام إلى زيادة الحوالات المالية بنسبة 50% منذ مطلع الشهر الحالي.
تغيب الأرقام والتصريحات الرسمية التي تحدد قيمة الحوالات الواردة إلى مناطق النظام، فيما تشير تقديرات إلى وصول قيمة هذه الحوالات خلال شهر رمضان فقط لنحو 660 مليون دولار أمريكي.
وفي آذار 2022، أشار نائب عميد كلية الاقتصاد، علي كنعان، إلى أنه من المتوقع وصول قيمة الحوالات عبر شركات الصرافة المرخص لها بالعمل بشكل رسمي خلال شهر رمضان فقط إلى نحو 420 مليون دولار أمريكي، موضحًا أن قيمة الحوالات الرسمية خارج شهر رمضان تُقدّر بحوالي سبعة ملايين دولار يوميًا.
بينما من المتوقع أن تصل عبر الطرق غير الرسمية (السوق السوداء) حوالات مالية بقيمة 240 مليون دولار وسطيًا خلال شهر رمضان فقط، إذ تقدّر قيمة الحوالات التي تصل عبر الطرق غير الرسمية بنحو ثلاثة إلى خمسة ملايين دولار يوميًا خارج شهر رمضان، بحسب كنعان.
ويلجأ سوريون في الخارج لمساعدة ذويهم في سوريا ماليًا عبر الحوالات، إذ يعتمد معظم المقيمين في مختلف المحافظات على تلك الحوالات المالية، خاصة بعد تدهور القيمة الشرائية لليرة السورية وارتفاع الأسعار بشكل كبير.
موسم “لم الدولار”
الباحث السوري إياد الجعفري، اعتبر في مقال رأي له نُشر في موقع صحيفة “المدن” اللبنانية، أن هذا الشهر فرصة لتجار العملة ممن سيستبدلون سيولة الليرة المتاحة بين أيديهم بدولارات رخيصة، ومن ثم، سيعاودون بيعها للمضطرين لاحقًا بأسعار أعلى، حال انتهاء هذا الموسم، بعد عيد الفطر، حين يحلّق الدولار مجددًا، كما يحدث في كل سنة، قبيل وخلال وبعيد شهر رمضان.
وأشار الباحث إلى أنه كان يمكن القول إن المشهد في سوق العملة بسوريا طبيعي، إذ ازداد عرض الدولار بحكم زيادة وارداته، فتراجع سعر صرفه، وزاد الطلب على الليرة السورية، لتأمين الحاجة المطلوبة من السيولة للإنفاق على متطلبات شهر الصيام، فتحسن سعر صرفها، وهي حركة طبيعية تنسجم مع آليات العرض والطلب المعروفة في أي سوق.
بينما يعد انفصال واقع أسعار السلع عن سعر الصرف، وما ينتج عن ذلك، من انخفاض في القدرة الشرائية لليرة في الوقت ذاته، الذي تؤشر فيه منصات رصد العملات إلى تحسن سعر صرفها، هو ما يجعل المشهد “غير طبيعي”، الأمر الذي يجعل قراءة سعر الصرف في السوق السوداء بوصفه مؤشرًا مصطنعًا ومتلاعبًا به، ولا يعبر عن القيمة الحقيقية لليرة.
انعكاس صفري في الأسواق
لم ينعكس تحسن قيمة الليرة السورية على الأسواق، ما يشير إلى انعدام تأثر المواطنين إيجابًا بهذا التحسن.
أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق شفيق عربش، عزا سبب عدم تأثر الأسعار بتحسن الليرة إلى السياسات الحكومية مؤخرًا، خاصة في مجال رفع أسعار حوامل الطاقة التي أخذت مسارًا متتاليًا في الارتفاع على مدد زمنية متقاربة، ما دفع التجار إلى اتباع سياسة التحوط تجاه هذه الارتفاعات، وفق تعبيره.
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب حسن حزوري، شبه الأسعار في سوريا بـ”صمّام عدم الرجوع”، فهي ترتفع عند حدوث أي ارتفاع لسعر صرف الدولار أو للأسعار العالمية، ولكنها لا تنخفض عند حدوث العكس.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :