حالة من الوله والدهشة المتجددة والإيمان المطلق برجل أعلن أنه “نبي مرسل” لُقّب بـ”رائيل”، يحمل معه حقيقة الكون والخلق ومن أين جاء البشر ولماذا وما النهاية المتوقعة.
طقوس صلاة وتواصل مع فضائيين خلقوا البشر وصمموا حياتهم، آلاف الأتباع في فرنسا، كتب “تشرح الحقيقة”، ولقاءات إعلامية ومناظرات ونقاشات وجدالات، قبل أن تظهر عشرات التجاوزات المالية والجنسية وغيرها، تفاصيل يكشفها المسلسل الوثائقي “رائيل: النبي الفضائي”.
في عام 1974، أعلن الصحفي الرياضي الفرنسي كلود فوريلون أن كائنات فضائية تسمى “إلوهيم”، تواصلت معه وأبلغته أنه “نبي مرسل” وعليه إبلاغ رسالته للبشرية جمعاء، وهي تملك تقنيات وتكنولوجيا متطورة للغاية، وأنها من صنعت الأرض والبشر، ثم نقلته بمركبة فضائية تفوق سرعتها سرعة الضوء ليلتقي بعدة أنبياء ورسل، كالنبي موسى والنبي عيسى والنبي محمد.
بعد ذلك الإعلان بـ50 عامًا، عرضت منصة “نتفليكس” الأمريكية مسلسلًا وثائقيًا استقصائيًا عن الجماعة وأفكارها، مع تسجيلات مصورة تعود للسبعينيات حول طقوس التعميد وخفايا الجماعة وتحركاتها.
منح صنّاع العمل مساحة واسعة في البداية وخلال الحلقة الأولى كاملة تقريبًا، لشرح أفكارهم ومعتقداتهم، قبل تفنيدها لاحقًا، خاصة مع اعتمادهم على النظريات العلمية وربطها بالأفكار الدينية للطائفة، التي حصلت على اعتراف رسمي من قبل الحكومة الفرنسية في 1995، وذلك على الرغم من الدعاوى القضائية التي رفعت ضد الجماعة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الـ20.
وفق المعلومات التي أوردها المسلسل، يسعى “رائيل” لبناء “سفارة” لاستقبال الكائنات الفضائية، على أن تكون جاهزة قبل عام 2035، عبر جمع التبرعات التي تصل إلى آلاف الفرنكات الفرنسية، ثم اليوروهات بعد انضمام فرنسا للاتحاد الأوروبي، وفي حال نجح الأمر، سيعود “إلوهيم” برفقة الأنبياء المذكورين جميعًا إلى الأرض الموعودة في فلسطين المحتلة، رغم رفض الحكومة الإسرائيلية الطلبات المتكررة لبناء “السفارة” قرب البحر الميت، ومعارضة حاخامات الديانة اليهودية للأمر.
كعادة مسلسلات “نتفليكس”، تحضر الإثارة في المسلسلات الاستقصائية الوثائقية، ويبرز دور الصحافة في كشف الحقائق وعمليات الفساد، وشركات غسل الأموال، والتبرعات من أموال الطائفة المستغلة للثراء الشخصي، والادعاء بنجاح علماء في عمليات استنساخ البشر، ومشاريع عقارية لفوريلون وأقاربه، بالإضافة إلى إنشاء شركات وهمية للتهرب من الضرائب، وجمع الأموال للرفاهية الشخصية، ضمن عملية ابتزاز عاطفي واحتيال ممنهج، وتحرش جنسي واغتصاب للأطفال.
قد لا يكون العمل أبرز ما قدمته الشبكة الأمريكية حول الصحافة والاستقصاء، خاصة أنها ليس المحور الأساسي، وهناك مسلسلات أكثر أهمية، لكنه يفتح الباب أمام محاولة فهم طريقة تفكير البشر تجاه الأمور الغيبية والروحانية، وكيفية التعامل مع القلق والخوف، ومحاولة الحصول على مكان للطمأنينة، حتى لو كان ذلك عبر استغلال كامل، قبل اكتشاف عملية الخداع لاحقًا.
كما يكشف خطورة اتباع الأفكار العقائدية، بغض النظر عن منشئها، دون تفكير وبحث ونقاش وجدال، حتى يمكن للإنسان الوصول إلى الحقيقة من وجهة نظره، عن قناعة على الأقل.