دير الزور – عبادة الشيخ
بات علاج الأسنان في ريف دير الزور صعب المنال للسكان جراء ارتفاع أجور الأطباء، ما يدفع بقسم منهم إلى حلول مؤقتة مثل تناول المسكنات، أو حلول جذرية باتخاذ قرار قلع الأسنان بدلًا من معالجتها، ويلجأ كثيرون إلى “القرباط” المتجولين، لانخفاض سعر الخدمة عندهم، على الرغم من أنهم يقومون بأعمال غير مرخصة ومنخفضة الجودة.
ارتفاع تكاليف علاج الأسنان ينعكس بشكل سلبي على شريحة من السكان، إذ وصف بعض ممن قابلتهم عنب بلدي الاستمرار في العلاج ومراجعة الطبيب بأنه “أمر شبه مستحيل”.
في المنطقة التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” بريف دير الزور الممتد شرق نهر الفرات، يعاني أطباء الأسنان من عوائق في الحصول على المعدات الطبية، والتكاليف التشغيلية، إلى جانب ندرة الأطباء بالمنطقة.
التحامل على الآلام بسبب التكاليف
الشعور بألم الأسنان صار يشكل هاجسًا لشريحة واسعة من سكان ريف دير الزور، نظرًا إلى ارتفاع تكلفة العلاج، إذ بلغت تكلفة علاج ثلاث أسنان مصابة بالتسوس قرابة 100 دولار أمريكي، بحسب ما قالته مروى العبد (29 عامًا) لعنب بلدي.
الفتاة التي تنحدر من بلدة أبريهة شرقي دير الزور، أضافت أنها لم تعالج التسوس في أسنانها منذ ظهوره قبل سنوات ما فاقم الحالة اليوم، ورتب عليها تكاليف مادية تفوق قدرتها.
التكاليف التي وصفتها مروى بـ”الخيالية”، دفعتها نحو التفكير بقلع الأسنان المصابة، للتخلص من الآلام، دون النظر إلى العواقب التي قد تترتب على الأمر.
لا يختلف الوضع كثيرًا بالنسبة لعامر النجم (35 عامًا)، إذ لا يملك رفاهية الوصول لطبيب الأسنان، خصوصًا أنه يعمل في أحد مشاغل الخياطة في بلدة الطيانة شرقي دير الزور.
ويعتمد عامر على حلول مؤقتة، لكنه ينظر إلى تكلفتها أولًا، إذ قال لعنب بلدي، إنه يستخدم القرنفل كمخدر ومسكن لآلام أسنانه، بدلًا من شراء أدوية مسكنة، نظرًا إلى ارتفاع سعرها أيضًا.
الشاب قال إنه غير قادر على الوصول إلى حل جذري مع ألم الأسنان، جراء الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها، فهو عاجز عن كفاية عائلته المكونة من أربعة أشخاص.
صعوبات تواجه الأطباء
الطبيب أحمد منير، وهو صاحب عيادة بريف دير الزور، قال لعنب بلدي، إن نسبة الأشخاص الذين يستطيعون إصلاح أسنانهم بريف دير الزور لا تتجاوز 25% فقط، بسبب غلاء المواد والأجور.
وأضاف أن تكلفة سحب العصب تصل إلى 75 ألف ليرة سورية (خمسة دولارات)، ويحتاج المريض إلى عدة جلسات لإكمال العلاج.
الطبيب أشار إلى أن الأسعار “منطقية”، لكن تراجع مستوى الدخل بالنسبة لسكان المنطقة هو العائق الأبرز.
ويواجه مجتمع أطباء الأسنان أيضًا صعوبة في الحصول على المواد الأساسية الخاصة بهم، بحسب ما قاله الطبيب، سواء كانت مواد التخدير، أو رؤوس الإبر الخاصة، أو حشوات الأسنان الدائمة والمؤقتة.
وأضاف أن معظم المواد الطبية ومستلزمات عيادات الأسنان تجلب من خارج مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، خصوصًا من محافظات دمشق أو حلب، كما أن جزءًا منها يأتي من تركيا أو كردستان العراق.
وأرجع الطبيب أسباب عدم توفر المواد الطبية لعدم وجود مستودعات سنية في الريف، وانتشارها في المدن بشكل رئيس، إذ يرتب نقل هذه المواد بين المدن تكاليف إضافية، تضاف إلى أسعار المراجعات الطبية بالمنطقة.
ويقف غياب المخابر السنية في ريف دير الزور عائقًا أمام نشاط أطباء الأسنان بالمنطقة، بحسب الطبيب، إذ ترسل العينات لمحافظات الحسكة والرقة، حيث تتركز المخابر، وينتظر الطبيب عودتها لإتمام عمله.
وأضاف أن اختلاف سعر صرف الدولار يلعب دورًا مهمًا أيضًا، ويعتبر من المصاعب التي تواجه مجتمع أطباء الأسنان في المحافظة.
مصدر مسؤول في لجنة الصحة التابعة لـ”الإدارة الذاتية” بريف دير الزور، تحفظ على ذكر اسمه كونه لا يملك تصريحًا مسبقًا بالحديث لوسائل الإعلام، قال لعنب بلدي، إن قلة عدد أطباء الأسنان في المنطقة وغلاء تكاليف المواد بالإضافة إلى هبوط الليرة السورية وارتفاع أسعار المحروقات، تنعكس على أسعار المعاينات.
وأضاف أن أغلب أطباء الأسنان يستخدمون مولدات لتشغيل الأجهزة الطبية خاصتهم، بسبب عدم توفر الكهرباء في المنطقة، إلى جانب العديد من العوامل التي أسهمت بارتفاع التكاليف.
“القرباط المتجولون” بديل
زاد الطلب على خبرة “القرباط المتجولين” الذين يعملون في “صيانة الأسنان”، نظرًا إلى انخفاض أسعار خدماتهم بشكل كبير مقارنة بعيادات طب الأسنان.
أحمد أبو رشيد، وهو من “بدو الدوم”، يعمل في مهنة تركيب الأسنان التي ورثها من والده وجده من قبله، قال لعنب بلدي، إن أسعار تركيب الأسنان تختلف بحسب نوعها، لكنها تتراوح بين 25 ألفًا و82 ألف ليرة سورية.
وأضاف أنه يكسب رزقه من خلال اتصال الزبائن به عبر الهاتف، لإجراء المعاينة في منازلهم، إلى جانب أنه وآخرين يتجولون في الأسواق والقرى للبحث عن زبائن.
ويرى سكان من ريف دير الزور قابلتهم عنب بلدي، أن تطوير المراكز الصحية وإدخال عيادات سنية تقدم خدمات مجانية، قد يخفف من العبء على أهالي المنطقة.
وتفتقر المستشفيات والمراكز الطبية بريف دير الزور حيث تسيطر “الإدارة الذاتية” إلى العديد من الخدمات، مثل العيادات السنية والعينية وغيرها من الاختصاصات.