ملقاة على الأرض، وحولها ثلاثة رجال وطفل، يحمل كل منهم عصًا بيده، وينهالون عليها بالشتائم والضربات، وسط صمت المتفرجين، تصرخ الفتاة البالغة من العمر 15 عامًا “والله بنية”.
ورغم صرخات الفتاة الراجية بالتوقف، جاء صوت أعلى يقول “اضرب بحيل اضرب”، محفزًا الرجال والطفل على الاستمرار.
تسجيل مصور لاقى، في شباط الماضي، انتشارًا على مواقع التواصل الاجتماعي، كثرت عقبه التكهنات حول الفتاة ومعنفيها ودوافعهم، وكيف جرت محاسبتهم.
صحفي في ريف الرقة، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن للفتاة وشقيقتها البالغة من العمر 22 عامًا، خلافًا قديمًا مع أشقائهما، بخصوص حقهما في الميراث.
واستمر الخلاف حتى وجهت زوجة أحد أشقاء الفتاتين لاحقًا تهمًا متعلقة بشرفهما، ما دفع إحدى الفتاتين (الظاهرة في التسجيل)، إلى الهرب بعد الاعتداء على شقيقتها الكبرى داخل المنزل، إلا أن شقيقها تمكن من اللحاق بها، بحسب الصحفي.
قدم أحد أشقاء الضحيتين شكوى ضد المعتدين، ما دفع “قوى الأمن الداخلي” (أسايش)، لاعتقال اثنين من المعتدين وابن أحدهم، وتمكن الرابع من الفرار إلى قرية مجاورة.
عقب ذلك، نقل بعض سكان القرية المعتدى عليها إلى “مستشفى الرقة الوطني”، وتدخل وجهاء من عشائر المنطقة، بعد ثبوت “عذرية الفتاتين”، معلنين حمايتهم للضحيتين والتعهد بإقامة محكمة عشائرية لحل الخلاف.
من جهة أخرى، قالت “أسايش“، في 27 من شباط، إنها ألقت القبض على شخصين والبحث جاري عن الثالث، بعد التأكد من هويتهم، وبدأ التحقيق لكشف ملابسات الاعتداء، متخذين كافة الإجراءات القانونية اللازمة لمحاسبة المتورطين.
وتوجهت اتهامات لمنسقية المرأة لعدم تدخلها في رعاية الفتاتين، في حين أصدرت المنسقية بيانًا أدانت فيه “الاعتداء الوحشي”، متوعدة بـ”الرد الحاسم”، عبر نشر التوعية بأهمية ومكانة المرأة وتطبيق القوانين للحد من التجاوزات والانتهاكات، ومحاسبة مرتكبي جرائم قتل النساء وتعنيفهن.
اتهامات لـ”الإدارة”
هاجمت “أسايش”، 15 من آذار، وقفة لناشطين بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة للثورة السورية، في مدينة الرقة، وجرى الاعتداء على الإعلامية مروة ناصيف، مراسلة موقع “SY Plus”، التي كانت تغطي الوقفة.
وقال إعلاميان شاركا في الوقفة الاحتجاجية نفسها (تحفظت عنب بلدي على ذكر اسميهما لأسباب أمنية)، إن عناصر “أسايش” اعتدوا على مروة بالضرب، إضافة إلى مصادرة معداتها.
نشر “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، قبل يوم من حادثة الاعتداء على المراسلة، بيانًا صحفيًا يتهم فيه نائب رئيس حزب المحافظين في “الإدارة الذاتية”، أكرم حاجو المحشوش، بتورطه في مقتل فتاة متهمة بالزنا.
وبحسب المركز، فإن “الإدارة الذاتية” ألقت القبض على عمي الضحية المتورطين في الجريمة، بينما لم يواجه المحشوش أي تداعيات لتأييده قتل الفتاة، إضافة إلى دعوته للإفراج المبكر عن الرجلين.
واعتبر المركز أن تورط المحشوش في الجريمة “أمر مستهجن”، نظرًا لمنصبه، ولأنه كان عضوًا في اللجنة الفرعية المكلفة بصياغة “العقد الاجتماعي” للإدارة الذاتية”، الذي جرم كل “أنواع العنف ضد المرأة واستغلالها والتمييز ضدها”.
“قسد” ضليعة
أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في 8 آذار، تقريرها السنوي بمناسبة اليوم الدولي للمرأة، وثقت خلاله مقتل قرابة 16 ألفًا و442 امرأة منذ آذار 2011، حتى الآن.
وشمل التقرير جميع الانتهاكات الموجهة ضد النساء، منذ آذار 2011 حتى آذار 2024، في مختلف مناطق السيطرة، ومنها انتهاكات مارستها “قوات سوريا الديمقراطية”.
وبحسب التقرير، قُتلت 177 امرأة على يد “قسد”، بينما لا تزال 529 سيدة قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري، وقتلت اثنتين تحت التعذيب، وتعرضت 16 سيدة للعنف الجنسي، من قبل “قسد”.
قوانين “الإدارة”
إبراهيم الماشي، محامٍ في مدينة منبج الواقعة تحت سيطرة “الإدارة الذاتية”، قال لعنب بلدي، إن قوانين “الإدارة” تستخدم مصطلح “الضرب والإيذاء” بدل العنف، وينظر إلى عقوبته حسب شدة الفعل وتأثيره.
في حال كان العنف لفظيًا كالسب والشتم، أو نفسيًا كالتهديد، أو نتج عن فعل الإيذاء عاهة مؤقتة، يعاقب الفاعل بالحبس من عشرة أيام حتى ثلاث سنوات، أما في حال نتج عنه عاهة دائمة، فلا تقل مدة السجن عن ثلاث سنوات.
ويرى الماشي، أن قوانين “الإدارة” تعاني من قصور على صعيد الفكر الإصلاحي للسجناء، كون الهدف من السجن إصلاح الفرد وإعادة دمجه في المجتمع، بعد الاعتراف بخطئه والعدول عنه، وهو ما تفتقره سجون المنطقة.
وصادق المجلس التشريعي التابع لـ”الإدارة الذاتية”، في عام 2014، على قانون المرأة الصادر عن هيئة المرأة، وعدل لاحقًا “مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا”، في حزيران 2021، التسمية إلى قانون الأسرة، وأقر 26 مبدًأ أساسيًا للأحكام العامة الخاصة بالمرأة.
وبينما تضمن قانون المرأة بنودًا تجرم الممارسات والانتهاكات بحق المرأة، والقضاء بالمساواة والعدالة بين الجنسين، نظم قانون الأسرة العلاقات الأسرية وبيّن الحقوق والواجبات داخلها، حسب وكالة “نورث برس“.
رئيسة هيئة المرأة في “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سوريا، عدالت عمر، قالت إن “قانون الأسرة يحد من التفكك الأسري، وكافة أشكال التمييز الموجود في المجتمع، ولا يخدم القانون مصالح المرأة فقط، إنما يخدم الأفراد والأطفال”.
إلا أن تطبيق القانون اقتصر على مناطق الجزيرة وكوباني (عين العرب) وعفرين، في حين لم تجري المصادقة عليه في الرقة والطبقة ودير الزور ومنبج، حسب عمر.
جهود المنظمات
تعمل منظمة “سارا” لمناهضة العنف ضد المرأة، على إحصاء حالات العنف ضد النساء في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، شاملة التعنيف الجسدي والنفسي واللفظي، مسلطة الضوء على حالات التعنيف والجرائم التي تحدث تحت غطاء “جريمة الشرف”.
وبحسب آخر إحصائية للمنظمة اطلعت عليها عنب بلدي، فإن حالات قتل النساء في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، منذ 1 كانون الثاني 2023، إلى 1 كانون الأول من نفس العام، وصلت إلى 21 امرأة، بينما وثقت سبع حالات اغتصاب، و180 حالة ضرب وإيذاء، وزواج 15 قاصر، وحالة تحرش واحدة، من أصل 465 امرأة تعرضت لحالات مختلفة من العنف.
منظمة “سارا”، التي يقع مقرها الرئيس في القامشلي، أوضحت، لعنب بلدي، أن المنظمة تتخذ عدة خطوات لمواجهة العنف ضد المرأة، مثل تقديم الدعم النفسي والقانوني للضحايا، وتعزيز التوعية العامة في قضية العنف ضد المرأة، والعمل على تشديد القوانين وتنفيذها بفعالية.
وترى المنظمة أن تحسين حياة النساء المعنفات وتوفير بيئة آمنة لهن، قد يحدث تغييرًا على الأرض.
العنف ضد المرأة
هيئة الأمم المتحدة للمرأة، قالت إن العنف ضد النساء والفتيات، أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا في العالم، ويحدث على نحو يومي، مخلفًا آثارًا جسدية ونفسية خطيرة، طويلة وقصيرة الأجل، على النساء والفتيات.
ويشمل العنف حسب الأمم المتحدة، العنف الزوجي والضرب والإساءة النفسية والاغتصاب الزوجي وغير الزوجي وقتل النساء، والتحرش (لفظي، جسدي، نفسي)، والزواج القسري وتشوي الأعضاء التناسلية، والاتجار بالبشر وزواج القاصرات.
وبحسب مؤشر “المرأة العالمي للسلام والأمن”، جاءت سوريا في في المرتبة 171 من أصل 177، مستندة إلى وضع الحماية والعدل والضمان الذي تتمتع به المرأة في سوريا.