ردود فعل في الوسط الفني وعلى منصات التواصل الاجتماعي، أثارها لقاء جرى بين رئيس النظام، بشار الأسد، ومجموعة من ممثلي ومخرجي الدراما، بينهم بسام كوسا وعباس النوري وقصي خولي وتيم حسن وباسم ياخور.
وتشي الصور ومقاطع الفيديو التي نشرها النظام السوري على صفحاته في منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك في الإعلام الرسمي، بأن ما حصل يتجاوز فكرة رئيس يلتقي بفنانين مؤثرين لنقاش كيفية نشر الثقافة، إلى لقاء بين مؤيدين ورئيس ديكتاتور يسعى لفك العزلة باستخدام أدوات الحرب الناعمة ومنها الدراما السورية، ذائعة الصيت.
لم تتوقف ابتسامات الفنانين خلال لقائهم الأسد، في 10 من آذار الحالي، وفق الصور التي نشرتها الحسابات الرسمية لـ”رئاسة الجمهورية” عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ظهر الأسد خلال اللقاء متحدثًا وفق ما قاله الفنانون لاحقًا حول “الارتقاء بالدراما السورية فنيًا وإنتاجيًا” وتجاوز الصعاب، ويقدم لهم “الحلول المناسبة لحماية وتطوير الصناعة”.
وقال باسم ياخور عبر حسابه في “إنستجرام”، إن الأسد أخبرهم بـ”الحلول المناسبة لحماية وتطوير الصناعة”.
سبق اللقاء قيام الممثل باسم ياخور بالدفاع عن النظام واصفًا نفسه بـ”الشبيح”، كما سبقه بأيام قليلة لقاء آخر مع بشار الأسد، حضره أيمن زيدان ومصطفى الخاني.
علاقة النظام السوري بفنانيه ليست جديدة، ومحاولة إظهار اهتمامه بالدراما السورية التي حققت نجاحات لافتة خلال العقود الماضية، تعود لسنوات سابقة، في ما عرف بـ”أزمة المقاطعة” في عام 2007، وفي 2011، بعد أشهر من انطلاق المظاهرات التي طالبت بإسقاطه.
صور مليئة بالدم
اللقاء الذي عقده الأسد، جاء قبل يوم واحد فقط من انطلاق الموسم الرمضاني، الذي تحضر به الدراما السورية عبر عدد من الأعمال الاجتماعية ومسلسلات البيئة الشامية، مع غياب لافت للأعمال التاريخية.
الكاتب سامر رضوان، وصف في منشور عبر صفحته في “فيس بوك”، الاثنين، صور اللقاء بأنها “مليئة بالدم وملوثة بالمقابر الجماعية وسياط القتل تحت التعذيب”.
فيما نشر الممثل عبد القادر المنلا تسجيلًا مصورًا قال فيه إن الممثل بسام كوسا يتصالح مع قاتل أمه، في إشارة لتصريحات للأخير اعتبر فيها أنه لم يغادر سوريا لأنه لا يترك والدته وفق تعبيره.
وتعد الأعمال السينمائية والدرامية سلاحًا مهمًا تستخدمه دول وحكومات لنشر ثقافتها ولغتها، وتمثّل قوة ناعمة لتوجيه رسائل اجتماعية وسياسية لمجتمعها ومجتمعات وحكومات أخرى، وهو أمر استغله النظام السوري مطولًا خلال عقود.
أتاح النظام السوري استخدام الدراما والمسلسلات كسلاح للضغط على المجتمع وتوجيهه كما يريد، وازداد الأمر وضوحًا في سنوات ما بعد الثورة، عندما دعم إنتاج عشرات المسلسلات التي تروي وترسخ وتؤكد روايته حول “الحرب على الإرهاب، ومقاومة المؤامرة، وتحرير الأراضي التي سيطر عليها مسلحون وتنظيمات إرهابية”.
إنتاج النظام للمسلسلات السياسية لم يرتبط باندلاع الثورة في عام 2011، بل كان موجودًا قبل ذلك، وأرسل من خلالها رسائل إلى دول تختلف معه سياسيًا، وكانت الرسائل تتغير وفقًا لشكل العلاقات السياسية مع هذه الدول.
الكاتب الدرامي، حافظ قرقوط، قال لعنب بلدي، إن النظام السوري ومنذ عهد حافظ الأسد، نظر للسوريين باعتبارهم أدوات لتثبيت حكم وإرسال رسائله الخاصة، بما في ذلك النقابات ولاحقًا الفنانون.
وأشار في حديثه إلى أن الأسد الأب عندما أصدر قرارًا بصرف رواتب دائمة للرعيل الأول من مؤسسي التلفزيون، أراد ضمان ولائهم لا تكريمهم.
روّج الأسد وأدواته في سوريا لعقود، لاهتمامه بالمراكز الثقافية والدراما السورية، بما في ذلك إطلاق قناة مخصصة لعرض المسلسلات السورية حملت اسم “سوريا دراما” في 2007.
وفق قرقوط فإن لقاء الأسد الأخير مع الفنانين يأتي في السياق نفسه، معتبرًا أنه لو كان هناك جو ديمقراطي حقيقي في سوريا، لكان الإبداع والنجوم من نوع آخر، دون وجود جو قمعي موجه.
كما أنه في الدول الدكتاتورية لا يوجد شخص يسمح له بخطف الأضواء، بل كل شيء فيها يتوجه لـ”القائد الرمز”، ولهذا الأمر قضى الأسد الأب على المسرح، الذي تلاشى بشكل جدي بحسب رأيه.
ويرى قرقوط أن توقيت لقاء الأسد للفنانين قبل رمضان، هدفه أن يقول إن النجوم يتبعون له، وأنه راعي الدراما وهو من ينتجها، وهو من يصنع نجومها.
قائمتا “الشرف والعار”شهدت المدن السورية في آذار 2011، مظاهرات عارمة طالبت بإسقاط النظام السوري ورحيل بشار الأسد عن سدة الحكم الذي ورثه عن والده في عام 2000. وكحال السوريين، انقسم الفنانون حينها بين شرائح ثلاثة، مؤيدون للنظام ومعارضون له، وشريحة ثالثة آثرت الصمت. وفي خضم المواقف المتتالية وزخم المظاهرات والحراك السياسي، ظهرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما عرف بقائمة “الشرف” التي ضمت أسماء فنانين أعلنوا معارضتهم للنظام السوري. ومن هؤلاء الفنانين مي سكاف ومحمد آل رشي ومحمد أوسو وفارس الحلو وعبد الحكيم قطيفان وغيرهم، قابلها قائمة أخرى لأسماء الفنانين الموالين للنظام، سميت بـ”قائمة العار”. لاحقًا، خرج فنانون معارضون، وتحدثوا علنًا عن تهديدات تلقوها من الأجهزة الأمنية للنظام، بينهم سوسن أرشيد ومكسيم خليل. |
في واجهة الشتائم
تلقى الفنانون السوريون، على اختلاف آرائهم مما حصل في سوريا طيلة سنوات، مئات الشتائم والتهديدات، من قبل مؤيدي الثورة أو النظام السوري، وهو ما أعلن عنه عدد منه بالفعل خلال ظهورهم الإعلامي.
وبغض النظر عن جدية هذه التهديدات وأسبابها، إلا أن النظام يبدو مستفيدًا منها أيضًا.
وفق قرقوط، فإن النظام وضع الممثلين في واجهة الشتائم أمام الناس الذين سيتابعون الأعمال الفنية الرمضانية، وبهذا الأمر تصغير لحجمهم وفق رأيه، وهو ما سعى له النظام أيضًا.
وحملت المسلسلات السورية منذ التسعينيات رسائل سياسية داخلية وخارجية، للمجتمع السوري أو للدول الإقليمية، وتحديدًا تلك الأعمال المصنّفة بشكل مباشر على أنها أعمال درامية سياسية، كـ”حمام القيشاني” و”إخوة التراب” وغيرهما، يُضاف إليها الأعمال الكوميدية الناقدة كـ”بقعة ضوء” على سبيل المثال.
تراوحت الرسائل في هذه الأعمال بين الوضوح، كما في “إخوة التراب” بجزئه الأول (1996)، الذي تحدث عن “الثورة العربية الكبرى” ضد الوجود العثماني في بدايات القرن الـ20، وجاء في ظل توتر العلاقات السياسية بين النظام السوري والحكومة التركية، وصلت ذروتها مع حشد الأخيرة دباباتها على الحدود مع سوريا.
فيما كانت الرسائل في أعمال أخرى مبطنة، كما في مسلسل “بقعة ضوء”، الذي جاء في فترة تحدث فيها النظام السوري عن انفتاح ورفع سقف الحريات في البلاد، سبقه مسلسل “حمام القيشاني” الذي تحدث عن الظروف السياسية الداخلية قبل وصول حزب “البعث” إلى سدة الحكم عام 1963.
لم يتوقف الأمر على المسلسلات التي أنتجها النظام السوري، أو شركات الإنتاج السورية المقرّبة منه (شركة “سوريا الدولية” كمثال، والتي كانت مملوكة لمحمد حمشو أحد رجال الأعمال المقربين من الأسد)، بل شمل استضافة تصوير أعمال عربية وتقديم تسهيلات لها.