وعود “الجولاني” لا تخمد الحراك في إدلب.. ما خياراته؟
يستمر الحراك في مدينة إدلب شمال غربي سوريا، وسط مطالب بإسقاط “أبو محمد الجولاني” قائد “هيئة تحرير الشام” صاحبة السيطرة العسكرية، ورفض سياستها، واحتكارها القرار.
وتوسعت رقعة المظاهرات لتشمل أكثر من 15 نقطة تظاهر، رغم وعود وإصلاحات لـ”الهيئة” ومظلتها السياسية حكومة “الإنقاذ”، التي لم تخفض الصوت، وباتت مطالب المتظاهرين من ناشطين ومدنيين وعسكريين واضحة بإسقاط “الجولاني”.
ومن أبرز إجراءات “الهيئة” و”الإنقاذ” و”مجلس الشورى العام” إصدار عفو عام عن المساجين وفق شروط واستثناءات، وتشكيل لجان للاستماع إلى الأهالي، وإلغاء رسوم عن الأبنية وإعفاء جزء منها، ولقاء “الجولاني” مع وجهاء في المنطقة في أماكن متفرقة.
إصلاحات لا تشفع
ظهرت علامات التعب والتعذيب على معظم المفرج عنهم من سجون “تحرير الشام” بعد اعتقالهم لفترات زمنية متفاوتة، بتهم “العمالة”، وفي 24 من شباط الماضي، تأكد أهل العنصر عبد القادر الحكيم المعروف بـ”أبو عبيدة تل حديا” من مقتله وهو من فصيل “جيش الأحرار” في سجون “تحرير الشام”، إثر تعذيب تعرض له على خلفية ملف “العمالة”، إذ اعتُقل قبل نحو عشرة أشهر، ودفنته “الهيئة” قبل خمسة أشهر دون إخبار أهله.
هذه الحادثة حرّكت المظاهرات التي لم تتوقف، تبعها تعهد رئيس المجلس الأعلى للإفتاء في “تحرير الشام”، عبد الرحيم عطون، بزيارة السجون وإصدار عفو عام عن المعتقلين، وتشكيل “لجنة قضائية” تنظر في حقوق المفرج عنهم، وفق بيان نشره في 1 من آذار الحالي.
وفي 5 من آذار الحالي، أصدرت حكومة “الإنقاذ” مرسومًا يقضي بعفو عام عن مرتكبي الجرائم بمناسبة شهر رمضان، ومصادقة على مشروع منح عفو عام، بعد حصولهم على وثيقة “حسن سيرة وسلوك”، ووفق شروط واستثناءات.
وقال وزير الداخلية في “الإنقاذ” محمد عبد الرحمن، إن الوزارة أخلت سبيل 420 سجينًا، بمقتضى مرسوم العفو، متوعدًا بإخراج أعداد أخرى شملها العفو.
وخلال لقاء نُشر في 6 من آذار، مع “مجلس الشورى العام” و”الإنقاذ”، قال “الجولاني” إن من الواجب على أي سلطة الاستماع إلى مطالب الناس وتنفيذ المحقة منها، ويجب النظر إلى الواقع بموضوعية، وقال “لسنا متمسكين بأي شيء على الإطلاق، أسهل شيء أن نترك السفينة تسير لوحدها”.
وفي 7 من آذار، أعلنت “الهيئة” تبرئة الرجل الثاني في الفصيل “أبو ماريا القحطاني”، والإفراج عنه بعد اعتقاله ستة أشهر على خلفية ملف “العمالة”.
الباحث الزميل في مركز “عمران للدراسات” نادر الخليل، قال لعنب بلدي، إن نوعية المطالب وبالأخص سقوط ورحيل “الجولاني” تفصح عن رغبة جادة من قبل قسم كبير من المجتمع في ذلك من جهة، وعن حجم الهوة بين جناحي “الهيئة” من جهة أخرى.
تنازلات وخيارات محدودة
عن خيارات “الهيئة” أمام استمرار الحراك والمطالب بإسقاط “أبو محمد الجولاني” ورفض سياسة احتكار القرار، قال الخليل إن “الهيئة” تواجه خيارات صعبة، ويمكن لـ”تحرير الشام” أن تستمر في إطلاق الوعود والإصلاحات لمحاولة تهدئة الشارع، لكن من الواضح أن هذه الخطوة لم تكن كافية حتى الآن.
وأضاف الخليل أن الخيارات أمام “الهيئة” محدودة وجميعها تصب في سياق التهدئة، والعمل على عدم تمدد المظاهرات والحد من زيادة أعداد المتظاهرين، وتبقى هذه الخيارات على الأغلب بين تشكيل اللجان التي تجري جولات واجتماعات في محاولة الإبقاء على “شعرة معاوية” قائمة، وبين الوساطات التي يمكن أن تتم عبر طرف ثالث، كالمشايخ والقياديين “الحياديين” في محاولة لردم الفجوة بين الجناح الأمني والجناح العسكري، وبين مختلف الكتل المتصارعة ضمن “الهيئة”.
وكذلك تقديم بعض التنازلات للجناح العسكري الذي يعد مهمًا في تحريك قسم من المظاهرات، والذي عانى التهميش على مدار السنوات الماضية، وفق الباحث.
وقد تتضمن هذه التنازلات وفق الباحث، إعادة تشكيل جزء من أو كل “مجلس الشورى” بحيث يضمن الجناح العسكري والكتل المهمشة مقاعد ودورًا فيه، مع إدخال تغييرات في “جهاز الأمن العام”، لصالح الجناح العسكري “القسم المهمش” أيضًا.
واعتبر الباحث أن ما تنفذه “الهيئة” حاليًا هو “الانحناء ريثما تمر العاصفة”، فالمظاهرات تطالب برحيل “الجولاني”، وتستخدم هتافات مشابهة للهتافات ضد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ومن المرجح أن يتعامل معها “الجولاني” بـ”براغماتية” لينقض من جديد في وقت لاحق، بعد أن تستقر الأمور.
ماذا عن الخيار الأمني؟
شهدت مناطق سيطرة “تحرير الشام” مظاهرات عدة خلال السنوات الماضية، ومطالب لم تصل إلى المناداة بإسقاط “الجولاني”، أبرزها حملت مطالب رحيل “تحرير الشام” عن إدلب.
واختلف تعاطي “الهيئة” مع المظاهرات والانتقادات التي تطالها، منها اعتقال بعض الناشطين دون مذكرات قضائية، ومنها اعتقال من ينتقد عبر وسائل التواصل، ووصل بعضها إلى إطلاق النار ومقتل شابين كما جرى عام 2020.
يرى الباحث نادر الخليل أن الحل الأمني قد يكون خيارًا واردًا في ظل استمرار التوترات والاحتجاجات وتوسعها بشكل كبير، لكن الأمر محفوف بالمخاطر ويتطلب التعامل بحذر شديد لتجنب تفاقم الوضع وزعزعة الاستقرار في المنطقة، ويبقى على “الهيئة” أن تأخذ بعين الاعتبار مطالب الشعب، وتعمل على إيجاد حلول شاملة ومستدامة للأزمة الحالية.
وذكر الخليل أن عدم المواجهة الأمنية ربما يسمح أو يشجع على استمرار المظاهرات وبالتالي سقوط عامل الخوف وسقوط هيبة “الهيئة” التي عملت على تراكمها خلال عملياتها وتحركاتها السابقة، معتبرًا أن الخطأ الذي وقعت فيه “الهيئة” وقائدها في التعامل مع ملف “العمالة” هو أنه لجأ إلى الحل الأمني.
ويرجّح الباحث إمكانية عدم تكرار الخطأ (الحل الأمني) نظرًا للمضار الكبيرة التي ستنجم عنه تحطيمًا لمركزية “الهيئة”، وربما ينتج “صراعًا دمويًا” بين جناحين على درجة كبيرة من التسليح والتدريب.
من جهته الباحث في الجماعات الجهادية عرابي عرابي قال لعنب بلدي، إن “الهيئة” جادة في محاولة الإصلاح وتسابق الزمن حتى تستوعب المتظاهرين وتوقف الاحتجاجات، معتبرًا أن العفو العام جاء ليخفف من الاحتقان الشعبي، وأن الإصلاحات والوعود والحلول السلمية تستغرق أسابيع.
ويرى عرابي أنه في حال لم تتوقف الاحتجاجات، ربما تظهر “فتنة محلية داخلية” أو فوضى تستغلها “الهيئة” لتتدخل وتقول إن الاحتجاجات تسبب فتنة محلية، وتلجأ إلى قمع من نوع معين.
“الهيئة” و”الجولاني”
ظهرت “تحرير الشام” لأول مرة في سوريا مطلع 2012، تحت اسم “جبهة النصرة لأهل الشام”، وهي فصيل تميز بخروجه من رحم تنظيم “القاعدة”، أبرز الفصائل “الجهادية” على الساحة العالمية، وأعلنت لاحقًا انفصالها عن أي تنظيم، واعتبرت نفسها قوة سورية محلية.
ومنذ عام، تعيش “هيئة تحرير الشام”، خلافات الداخلية، وصراع بين تياراتها وقيادات الصف الأول، بدءًا من ملف “العمالة والاختراق”، وصولًا إلى الانشقاقات وتراشق التهم، والحديث عن انقلاب وتصفيات داخلية.
وهدأ ملف “العمالة” حاليًا بعد تجميد مهام الرجل الثاني “أبو ماريا القحطاني” واعتقاله لمدة ستة أشهر والإفراج عنه، وانشقاق القيادي الثالث جهاد عيسى الشيخ (أبو أحمد زكور)، وكشف الأخير عن قضايا مسؤول عنها قائد الفصيل “أبو محمد الجولاني”، منها تفجيرات وتعاون مع استخبارات أجنبية.
وأدرجت الولايات المتحدة اسم “الجولاني” على قائمة “الإرهابيين” في أيار 2013، على أنه “إرهابي عالمي محدد بشكل خاص”، وفي أيار 2017، عرض مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى تحديد هويته أو موقعه.
وعن سؤال طرحته عنب بلدي على القيادي السابق جهاد عيسى الشيخ، حول تفرد “الجولاني” بوضع استراتيجيات “الهيئة” وتغيير خطابها وتواصلاتها مع الجهات الخارجية، ومن يشاركه في هذه العملية، أجاب “أبو أحمد زكور” بأن “الجولاني” هو القائد الأوحد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :