مروان فرزات – كاتب وباحث سوري
كثير من السوريين يستخدمون مصطلح “حزب الشيطان”، للدلالة على “حزب الله” اللبناني، الذي يقاتل إلى جانب النظام السوري، لكن من يعرف أصل التسمية؟ ومن أول من أطلقها على حزب الله؟
ورد مصطلح “حزب الله” في القرآن الكريم، في سورة المائدة الآية (56)، وتقول “وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ”.
تفسير الآية يوضح أن الذين تبرأوا من “حزب اليهود”، ووثقوا بالله وبالمؤمنين هم الغالبون وهم “حزب الله”، لكن ورد أيضًا مصطلح نقيض في القرآن الكريم وهو “حزب الشيطان” في سورة المجادلة الآية (19)، وتقول “اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ”.
تفسير الآية واضح أيضًا، فمن يوالي الشيطان ويتّبعه هم “حزب الشيطان” وهم الخاسرون، في معادلة الأديان السماوية والحساب يوم القيامة.
من هنا استوحت المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله)، هذا الاسم، ومن القرآن أيضًا استوحى خصومه لقب “حزب الشيطان”، لكن من أول من أطلق هذا اللقب؟
يعود اللقب إلى حوالي ثلاثين عامًا مضت، إلى حقبة الحرب الأهلية اللبنانية، ولذلك نقرأ الوقائع التاريخية التي سبقت إطلاق هذا المصطلح على “حزب الله”، لنعرف من وراءه ولماذا سمي بـ “حزب الشيطان”؟
تشكلت حركة المحرومين الشيعية (أمل) عام 1974، إبان الحرب الأهلية اللبنانية، بقيادة الإمام موسى الصدر للمطالبة بحضور أكبر للشيعة في الساحة اللبنانية بعد أن كانوا مغيبين عنها طيلة الفترات السابقة، وسرعان ما حازت على تأييد الشيعة اللبنانيين بتشكيل جناحها العسكري عام 1975، إذ وجدوا فيها الحل الأنسب للوصول لحقوقهم في بلد كل طائفة فيه لديها جناح عسكري أو أكثر.
وبعد اختفاء موسى الصدر تسلم نبيه بري زعامة الحركة، ليكمل الطريق للوصول لأهداف الحركة في تمثيل أكبر للشيعية اللبنانيين.
نشأة حزب الله 1982
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وبروز دور إيران الإقليمي في الصراع مع إسرائيل، سعت طهران إلى تشكيل ذراع لها في لبنان، فكان للمؤتمر الإسلامي الذي عقد في طهران عام 1982 وضم عددًا من الشخصيات الشيعية اللبنانية، الدور الأبرز في تشكيل “حزب الله”.
وتزامن انعقاد المؤتمر مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فحظي الملف اللبناني بتعاطف كبير من الحضور، وكان الإيعاز الإيراني بتشكيل “حزب الله” سرًا، في كواليس المؤتمر.
التقت المصالح الإيرانية السورية في تلك الفترة في معظم ملفات المنطقة، فوقف النظام السوري، منفردًا عن باقي العرب، إلى جانب إيران في حربها مع العراق المدعوم عربيًا، كما كان التصدي للاجتياح الإسرائيلي للبنان مصلحة مشتركةً أيضًا، فأرسلت إيران قوات من الحرس الثوري عن طريق سوريا لدعم “المقاومة ضد لإسرائيل”، لكن هذا التعاون بين النظام السوري وإيران في لبنان كان في العموميات فقط، إذ كانت إيران تدعم “حزب الله” اللبناني وحركة فتح، بينما كان النظام السوري يدعم حركة أمل وقوات الصاعقة الفلسطينية.
في هذه الأثناء شكل الرئيس اللبناني إلياس سركيس “لجنة الإنقاذ”، لمعالجة نتائج الاجتياح الإسرائيلي، وضمت معظم الأقطاب اللبنانية فأثار وجود نبيه بري جنبًا إلى جنب مع بشير الجميّل (الذي كان يمثل اليمين المسيحي في تلك الفترة)، حفيظة عدد من عناصر حركة أمل، فانشق حسين موسوي عنها ليشكل “حركة أمل الإسلامية”، التي بايعت حزب الله لاحقًا.
بدأ نجم “حزب الله” يلمع في الوسط اللبناني المعادي لإسرائيل، وكان لتفجير مقر المارينز الأمريكي في بيروت عام 1983، والذي راح ضحيته قرابة 300 جندي أمريكي وفرنسي، ومن بعده تفجير السفارة الأمريكية في بيروت، وتبنتهما حركة الجهاد الإسلامي التابعة لـ “حزب الله”، دور بارز في تسليط الضوء على الحزب، الذي بات يمثل اليمين الشيعي.
الحرب الشيعية الشيعية.. حركة أمل في مواجهة “حزب الله”
بعد اتفاق 17 أيار عام 1983، الذي قضى بانسحاب إسرائيل من لبنان وانسحاب سوريا ومنظمة التحرير أيضًا، بدأت حرب المخيمات عام 1985، وشنت حركة أمل مدعومة من سوريا حربًا على المخيمات الفلسطينية التي تتمركز فيها بقايا حركة فتح لقطع يد ياسر عرفات (عدو النظام السوري) في لبنان نهائيًا، وتمكنت من القضاء على حركة “المرابطون” السنيّة التي كان لها الدور الأبرز بحماية المخيمات.
في هذه الفترة (عام 1985) ظهر حزب الله للعلن ببيان رسمي نص صراحة على تبعيته لإيران، وجاء في البيان التأسيسي أن الحزب “ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه وتتجسد في روح الله، آية الله الموسوي الخميني، مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة”. لم يرق للنظام السوري هذا الأمر فهو حليف لإيران في المنطقة، لكن لا يسمح لأي أحد أن ينافسه في الهيمنة على لبنان حتى لو كان أقرب حليف له.
ومع اقتراب حركة أمل من حسم حرب المخيمات لصالحها بعد حصار دام أشهر، بدأ حزب الله بدعمٍ إيراني يوجه الطعنات من الخلف لـ”أمل” عن طريق دعم الفصائل الفلسطينية بالسلاح والمؤونة، لمنع استفراد سوريا بالشأن اللبناني، الأمر الذي أدى إلى عرقلة حسم أمل للمعركة.
زاد هذا الأمر تعقيدًا ما سمي بـ “حرب العلم”، واندلعت الحرب بين الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه وليد جنبلاط، والحزب الشيوعي اللبناني بزعامة جورج حاوي، وعدد من الفصائل الفلسطينية من بينها حركة فتح من جهة، وبين حركة أمل من جهة أخرى. أنهكت هذه الحرب حركة أمل واستدعت تدخل سوريا مباشرة لإنقاذها، فدخلت القوات السورية بيروت الغربية لفض النزاع، لكن الاشتباكات عادت لتتجدد في ما عرف بحرب “الستة أيام” بين الأطراف نفسها، وانتهت بخسارة أمل لمعظم مواقعها في بيروت وتدخل سوري مجددًا لإنقاذها.
“حزب الله” يغتال قياديي الحركة الأم
أضعفت هذه الحرب حركة أمل وزادت في انشقاق عناصرها، خصوصًا ممن يحمل الفكر الإسلامي لصالح “حزب الله”، الذي كان يرى بـ”أمل” منافسًا لمشروعه في الوسط الشيعي اللبناني، ومع دخول القوات السورية إلى بيروت ظهر التنافس السوري- الإيراني في لبنان جليًا، عندما قام النظام السوري باقتحام ثكنة فتح الله التابعة لحزب الله، وإعدام 27 مقاتلًا للحزب تأديبًا على دوره السلبي في حرب المخيمات ولتحجيم دور إيران المنافس الوحيد الذي تبقي لسوريا في لبنان.
ردّ “حزب الله” على مجزرة الثكنة بمحاولة اغتيال للعميد غازي كنعان في لبنان، أثناء عودته من اجتماع مع الشيخ محمد حسين فضل الله الأب الروحي لحزب الله.
عندها اندلعت الاشتباكات بين حزب الله وحركة أمل في النبطية في آذار 1988، وامتدت إلى ضاحية بيروت الجنوبية، حيث أوقعت عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى بين الطرفين.
وكعادة أي يمين يخرج من رحم أي حركة، فأول من يقاتله هو الحركة الأم، قاتل حزب الله حركة أمل بشراسة وحقد وصلت لحد تكفير بعض العناصر لحركة أمل، التي تقاتل الفكر الإسلامي بنظرهم، ما دفع مقاتلي حركة أمل لإطلاق لقب “حزب الشيطان” على “حزب الله”، الذي يقاتل كل من يقف بوجه مشروعه الإقصائي، مستخدمًا الدين كستار لهذا الأمر، بحسب مقاتلي الحركة حينها.
تدخلت سوريا وإيران عدة مرات لوقف القتال إلا أنه سرعان ما كان الاتفاق يُخرق بعد إبرامه بأيام.
فشل “حزب الله” باغتيال كنعان لكنه نجح باغتيال داوود داوود، القيادي في حركة أمل والمسؤول عن منطقة جنوب لبنان، في 23 أيلول 1988، كما اغتال أيضًا محمود فقيه وحسن سبيتي وعلي دياب وعباس عواضة، وعددًا من مسؤولي الحركة.
لم يقتصر إجرام حزب الله على قادة “أمل” فقط، بل اغتال كل من وقف بوجه مشروعه الفاشي من شيوعيين وضباط لبنانيين وسياسيين، كان أبرزهم الرئيس، رفيق الحريري، ومازال حزب الله يوغل بالدم اللبناني والعربي منذ نشأته وحتى هذه اللحظة.
ومع مرور الزمن وانطلاقة الثورة السورية على نظام الأسد عام 2011، لم يتردد حزب الله بالتدخل على أساس طائفي وبأوامر إيرانية لقمع الثورة، وسط ذهول في الشارع السوري الذي أيّد الحزب في حربه ضد إسرائيل عام 2006، وآوى أنصاره وعوائل مقاتليه في منازله عندما هجرتهم الحرب، ما دفع السوريين لإطلاق لقب “حزب الشيطان” عليه، دون أن يعرفوا أن هذا الحزب قام على الخيانة لأبناء طائفته وكَفّرهم قبل أن يُكفّر السوريين، وأجرم بحقهم لإرضاء أسياده الإيرانيين الذين يسعون لإعادة أمجاد إمبراطوريتهم الفارسية لكن بعباءة دينية هذه المرة.
الجرائم التي ذكرت في هذا المقال هي غيض من فيض، وما خفي أعظم، والقصد من خلال هذا السرد التاريخي أن يعلم السوريون من هو “حزب الله”، وكيف نشأ وكيف كان “حزبًا للشيطان”، بنظر أبناء طائفته وأبناء لبنان، قبل أن يكون كذلك بأعين السوريين.