في إعلانين منفصلين، قالت “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا إنها ضبطت شحنتي مخدرات في مناطق سيطرتها قادمة من مناطق سيطرة النظام السوري.
أكبرها من حيث كمية المخدرات المضبوطة، في 4 من آذار، حين أعلنت “قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي الجناح العسكري لـ”الإدارة الذاتية”، عن عملية استهدفت مستودعًا للمواد المخدرة في مدينة منبج، تمكنت خلالها من ضبط 20 مليون حبة مخدرة قادمة من مدينة طرطوس الساحلية.
وأشارت حينها إلى أن الحبوب المخدرة كانت موضوعة ضمن أحجار المنصّفات الطرقية بطريقة وصفتها بـ”احترافية عالية جدًا”.
وفي 29 من شباط الماضي، قالت “قوى الأمن الداخلي” (أسايش) التابعة لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، إنها ضبطت 164 ألف حبة من مادة “الكبتاجون” المخدر في مدينة الرقة، واتضح لاحقًا أنها مهربة إلى المنطقة من محافظة حمص حيث يسيطر النظام السوري.
ونشرت “أسايش” حينها تسجيلًا مصورًا لعملية أمنية، قالت إنها لملاحقة مروجي مخدرات في المنطقة، وضبطت بحوزتهم “كمية كبيرة” من “الكبتاجون”.
النظام ينشئ مراكز توزيع
لطالما أثيرت قضية تجارة المخدرات في سوريا على أنها أحد الملفات الاقتصادية والسياسية التي تصب في مصلحة النظام السوري بالمقام الأول.
وتتصدر عمليات تهريب المخدرات انطلاقًا من الجنوب السوري نحو الأردن نشرات الأخبار بشكل دائم، مع استمرار إعلان الأردن عن ضبط شحنات قادمة من سوريا باتجاه أراضيه، بهدف الوصول لدول الخليج العربي.
صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، قالت في كانون الأول 2021، إن “الفرقة الرابعة” التابعة لقوات النظام السوري بقيادة ماهر الأسد، الأخ الأصغر لبشار الأسد، هي المسؤولة عن تصنيع مادة “الكبتاجون” وتصديرها، فضلًا عن تزعّم التجارة بها من قبل رجال أعمال تربطهم علاقات وثيقة بالنظام، وجماعة “حزب الله”، وأعضاء آخرين من عائلة الأسد.
وأوضحت دراسة صادرة عن مركز “COAR” للتحليل والأبحاث (كوار)، في نهاية نيسان 2021، أن سوريا صارت مركزًا عالميًا لإنتاج “الكبتاجون” المخدر، وأنها أصبحت أكثر تصنيعًا وتطورًا تقنيًا في تصنيع المخدرات من أي وقت مضى.
وفي عام 2020، بلغت قيمة صادرات سوريا من “الكبتاجون” فقط أكثر من 3.46 مليار دولار أمريكي، بحسب مركز “COAR”.
الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أسامة شيخ علي، قال لعنب بلدي إن وصول المخدرات إلى مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” يمكن النظر له على أنه محاولة من النظام لإيجاد نقاط توزيع جديدة باتجاه كردستان العراق، وتركيا.
وأضاف أن كون المنطقة التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” تقع خارج سيطرته، قد يكون إيجاد مركز لتوزيع المخدرات فيها تنصلًا من مسؤوليته عن هذه الشحنات.
ويرى شيخ علي أن هذا الأمر ينطبق على مناطق شمال غربي سوريا حيث تسيطر “الحكومة المؤقتة” وهي المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني السوري”.
المكافحة من مصلحة “قسد”
تحاول “الإدارة الذاتية” منذ سنوات تصدير نفسها على أنها تدير مناطق سيطرتها بشكل منظّم، وكأنها هيئة حكومية فاعلة، سواء عن طريق القوانين المحلية، أو الانتخابات، وغيرها.
الباحث أسامة شيخ علي ربط إعلان “قسد” و”الإدارة الذاتية” عن عمليات ضبط المخدرات، مع محاولاتهما لإظهار نفسيهما كجهات محلية فاعلة في عمليات المكافحة، خصوصًا مع عجز أطراف دولية عن مكافحة عمليات التهريب.
وأضاف أن إعلان “الإدارة” عن أن مصدر المخدرات هو مناطق سيطرة النظام السوري هو “تنصل من المسؤولية عنها وتحميلها للنظام السوري” لتجنب أي عواقب قد تنتج عن وجود هذه المخدرات في المنطقة.
مع تنامي أدوار الفواعل ما دون الدولة في سوريا، وفشل الأدوار العربية وخاصة الأردن بالتصدي لعمليات تهريب المخدرات، دفع هذه الفواعل المحلية لطرح نفسها كقوة فاعلة يمكن الاعتماد عليها في التصدي للمخدرات، وبالتالي الحصول على مكاسب سياسية من خلال الاعتراف بها كقوة منضبطة يمكن الاعتماد عليها.
أسامة شيخ علي باحث مساعد في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”. |
تولي دور جديد
تعتبر قوات التحالف الدولي (مكون من 86 دولة) بقيادة الولايات المتحدة، الداعم الرئيس لـ”قسد” في سوريا، وهي منخرطة أيضًا في عمليات مكافحة مخدرات النظام السوري، وتتعاون مع الأردن، وأطراف محلية سورية في هذا الصدد.
وسبق أن درّبت قوات التحالف مقاتلين من “الأمن الداخلي” في “الإدارة الذاتية” على تكتيكات المكافحة.
الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، قال لعنب بلدي إن “الإدارة الذاتية” تعمل على تولي دور جديد في إطار مكافحة المخدرات، والتركيز على تلك القادمة من مناطق سيطرة النظام السوري.
نشاط مكافحة المخدرات بالنسبة لـ”الإدارة” يتماشى أيضًا مع قانون “مكافحة الكبتاجون” الذي أقرته الولايات المتحدة الأمريكية في أيلول 2022، لمكافحة “مخدرات الأسد”، بحسب شواخ.
الباحث اعتبر أن عمليات التدريب التي تجريها قوات التحالف لـ”الأمن الداخلي” على تكتيكات مكافحة المخدرات، هو أحد أسباب توالي إعلانات “الإدارة الذاتية” عن ضبط هذه الشحنات.
وأضاف أن إظهار “الإدارة” لنتائج هذه التدريبات، وجدوى الدعم المقدم لها في إطار مكافحة المخدرات يتطلب منها إظهار نتائج التدريبات، بالتالي ضبط عمليات تجارة، وتهريب للمخدرات في مناطق سيطرتها.
مخدرات شرقي سوريا
بينما لم تتوقف إعلانات “الإدارة الذاتية” على مدار السنوات الماضية عن ضبط مواد المخدرة، ينتشر تعاطي المواد الطبية في مناطق سيطرتها، وبين عناصر ومقاتلين في “قسد”.
وبحسب مقابلات أجرتها عنب بلدي عبر مراسلها في دير الزور في وقت سابق، مع عسكريين في “قسد” من أبناء المنطقة نفسها، فإن المخدرات، وخصوصًا الطبية، صارت رائجة مؤخرًا بين صفوف العسكريين، يسهل ذلك انتشارها الواسع وبيعها داخل الصيدليات دون وصفات طبية.
وفي تقرير أعدته منظمة “العدالة من أجل الحياة” (أُسست عام 2015) حول انتشار المخدرات بمحافظة دير الزور، قالت إن الترويج للحبوب المخدرة في مناطق سيطرة “قسد” بدأ بشكل سري وتصاعد نحو العلن.
وفي ظل عدم وجود أي ملاحقة أو مساءلة أو محاسبة للمروجين، صارت الحبوب المخدرة تباع في دير الزور بشكل علني وبأسعار زهيدة، وتتوفر إمكانية شرائها من مختلف الفئات.
ولا يقف في وجه انتشار هذه الظاهرة، بحسب التقرير، سوى سعي الأهالي من خلال حملات في المساجد والمجالس العامة للتوعية بمخاطر هذه المواد، لكن هذه الحملات تفتقر إلى التنظيم والدعم اللازم.