من يدافع عن المرأة السورية
إبراهيم العلوش
مقتل الناشطة هبة حاج عارف في مدينة الباب وصمة داعشية تنبئ بالتمدد على أرواح النساء السوريات وتهدد الناشطات منهن بشكل خاص.
وُجدت الناشطة هبة حاج عارف مشنوقة في 27 من شباط الماضي، وتعمد القتلة إظهار جثة المرحومة كأنها انتحرت، ولكن شهود الجريمة أثبتوا أن الناشطة تم تهديدها بالموت، وطُلب منها ترك عضوية المجلس البلدي، فقدمت شكوى بهذا الخصوص إلى الجهات الحاكمة ثم تركت المجلس، ولكن القتلة قاموا بتنفيذ جريمة القتل بسبب نشاطها المدني والاجتماعي ومساعيها في تمكين النساء والدفاع عن دورهن في المجال العام.
بعد مقتل الناشط محمد أبو غنوم مع زوجته الحامل في تشرين الأول 2023، تتمدد الجريمة المنظمة ضد الناشطين، لا سيما أن المحاكمات لم تسفر عن معاقبة من أمر بقتل الناشط أبو غنوم، إذ استهدفت منفذي الجريمة وأدواتها دون التطرق إلى القادة الذين أمروا بالقتل، وهم يرسخون مفهوم العقاب بالقتل لكل الناشطين والناشطات.
تقوم بعض الفصائل المسلحة بدور إجرامي ضد النساء وضد العرب والكرد، وتخلق الفوضى في مناطق الشمال السوري مستعيدة مرحلة ما قبل وصول “داعش”، حين قام بعض قادة “الجيش الحر” بجرائم القتل والخطف والسرقة، ولم يعترض الشرفاء منهم بشكل فاعل، وبالتالي مهدوا لوصول “داعش” التي استغلت هذه السمعة السيئة وابتلعت الكثير من فصائل “الجيش الحر”.
وقبل أيام من مقتل الناشطة هبة حاج عارف، قامت مجموعة من أهالي تل السمن بضرب فتاتين أمام الناس، وكانوا من أولاد عمومتهما، متهمين الفتاتين تهمًا أخلاقية، في حين كانت إحداهما تصيح “والله آني بنية.. آني بنية!” بينما كان الجمهور يتفرج على أعمال الضرب والإرهاب وكأنهم يشهدون مقطعًا على “تيك توك” أو “يوتيوب”، وهذا ما يذكرنا بأعمال القتل والجلد التي كانت تقوم بها “داعش” في المدن والبلدات التي سيطرت عليها.
الناشطات السوريات صرن هدف أعمال التنكيل، سواء العلني أو السري، بعد خطبة لأحد الشيوخ حيث جرّم عمل النساء مع منظمات الأمم المتحدة ونشاطهن في المجال العام، وهذا أيضا يذكّر بمرحلة وصول “داعش” إلى الرقة، عندما استهدفت العاملين في المنظمات الدولية وطاردتهم وسجنت عددًا من قادة المنظمات ومجالس إدارتها، واغتالت العديد منهم، أمثال فراس الحاج صالح، وخطفت الدكتور إسماعيل الحامض، معتبرة أن هذا المجال لها وحدها ولا يجوز التدخل فيه من قبل المجتمع المدني، الذي تم وأده لاحقًا على يد “داعش”.
الفصائل المسلحة في الشمال السوري تحلم بسيطرة مطلقة على اللاجئين، وتنتزع من نسائهم قبل رجالهم حق الاعتراض على حكمهم أو حق المطالبة بحقوقهم، ويعتبر بعض القادة أن الاحتجاج مس بشرفهم ومس بتدينهم في خلطة حجج عشائرية ودينية ومناطقية يصعب التمييز فيما بينها، ويقلد هؤلاء القادة عنجهية أدوار الأمن العسكري وميليشيات الأسد مع تلك الخلطات التي تحتل رؤوسهم الحامية، بعد أن سيطروا على اللاجئين المستضعفين واعتبروهم غنيمة من حقهم التحكم بها.
تعاني المرأة السورية أيضًا في مناطق النظام من الاعتقال والتعذيب والتهديد بانتهاك كرامتها، وتحت ظروف الفقر تحولت أعداد كبيرة من النساء إلى غنائم وراقصات لتجار الحرب والميليشيات الأجنبية مستغلين حاجة الناس إلى الاستمرار في الحياة.
وكذلك في المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، يتم اختطاف المراهقات وإرغامهن على التطوع في عصابات جبال قنديل، ويتم تهديد العائلات المحتجة، وقد صدرت إدانات متعددة حول ذلك من المنظمات الإنسانية.
والنساء بمناطق اللجوء في تركيا ولبنان والأردن يعانين من التمييز والانتهاك، ولعل أخبار هذه الانتهاكات لا توفر الرجال أيضًا، فالعنصرية والتهديد بالترحيل وفقدان صلاحية الأوراق الرسمية تهدد كل يوم وجود اللاجئين ونسائهم وأطفالهم، عدا عن نشوء جيل كامل من الأطفال لا يحمل سجلات رسمية بلبنان في محاولة لمحو وجودهم الإنساني.
تظل النساء النقطة الأضعف وهدفًا للاستغلال، والناشطات منهن، أمثال هبة حاج عارف، على رأس قوائم التصفية بحجة محدودية حقوق المرأة في الدين والعرف الاجتماعي، أو بحجة تأجيل حق الاعتراض والاحتجاج حتى الخلاص من نظام الأسد.
تخوض المرأة في المنطقة معارك سياسية واجتماعية مهمة تهدد أنظمة راسخة مثل النساء الإيرانيات اللواتي هززن نظام الملالي بعد مقتل مهسا أميني، ويتم الاحتجاج على قتل الناشطات في العراق وفي دول عديدة، وتجد المرأة أنصارًا لها من صفوف السياسيين ورجال الدين، ويدافع عن حقها عشرات آلاف المحتجين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يتم تهديد نساء سوريا علنًا ويتم استغلالهن أبشع استغلال من قبل السلطات، ومن قبل الأهل عبر الزواج المبكر أو عبر الزواج الإجباري من رجال لديهم سلطة سياسية أو عسكرية أو دينية أو مالية.
ولم تتشكل حركة مجتمعية حقيقية للدفاع عن المرأة السورية سواء في مخيمات اللجوء، أو في المهاجر، أو في الداخل السوري، وحتى النساء اللواتي وصلن إلى المهاجر الأوروبية ونال الكثير منهن الجنسية الأوروبية، لم يكلفن أنفسهن الدفاع عن المرأة عبر تنظيمات دولية وعابرة تسهم بإعادة تأهيل النساء وتمكينهن، فدعم السوريين لا يكون فقط عبر لقمة الخبز وليتر المازوت، بل أيضًا عبر دعم الناس لإعادة الثقة بأنفسهم، والنساء أهم المحتاجات لهذا الدعم.
المرأة السورية متروكة لقدرها القاسي، المسوّر بالمحرمات التي تعدّ ولا تحصى، ولا أحد يضحي من أجلها ولو بكلمة، فالمنابر الدينية مشغولة بمغازلة جمهورها واسترضاء غرائزه الذكورية، والمنابر السياسية تؤجل كل شيء إلى حين عودتها إلى دمشق!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :