التجويع جزء من النهم الإبادي

  • 2024/03/10
  • 2:37 م
لمى قنوت

لمى قنوت

لمى قنوت

لدول الشمال العالمي، ذات الإرث الاستعماري، باع طويل في حروب الإخضاع، وهي شريكة بالإبادة الجماعية في غزة، ففي استعادة تاريخية أخرى للتجويع والإبادة البيئية كسياسة هيمنة وتطهير عرقي وإبادة جماعية، نتذكر  إبادة جواميس البايسون بين عامي 1865 و1903 من قبل الجيش والصيادين من المستوطنين الأوروبيين القادمين إلى قارة أمريكا الشمالية، أو جزيرة السلحفاة كما يطلق عليها السكان الأصليون، حيث كان شعار تلك المرحلة “كل جاموسٍ ميت هو هنديٌ ميت”.

ألمانيا اليوم بتعنتها في الدفاع عن الاحتلال، تُذكرنا بألمانيا معسكرات الاعتقال والهيمنة والأعمال الشاقة والإبادة، التي أودت بحيوات 65000 شخص من الهيريروس في ناميبيا بين عامي 1904 و1907، كمعسكر جزيرة القِرش، حيث قامت المنظومة الكولونيالية من تحالف حكومة وشركات ألمانية كبرى بتجويع واستعباد واستغلال السكان الأصليين ومقدرات أرضهم، بالرغم من نضالهم لمقاومة الاستعمار بوقتها، ولا يستطيع المرء إلا مقاربة بقاء النصب التذكارية للجنود الألمان الذين قاموا بتلك الجرائم ومحاولات الحكومة اليوم مع طمس حقيقة النكبة الفلسطينية في النظام التعليمي على أنها “خرافة”، ليلاحظ تجذر العقلية الكولونيالية في السياسة الألمانية.

وتدّعي كندا تصالحها مع ماضيها عبر سياسات تقدم فيها شكلًا من أشكال جبر الضرر للسكان الأصليين، لكن، وبنفس الوقت تسمح بإقامة حدث، معلن عنه للعامة، لبيع عقارات في الضفة الغربية مسروقة من سكانها الأصليين، أي الفلسطينيين والفلسطينيات، بحسب القانون الدولي، الأمر الذي يبرهن عجز المنظومة النيوليبرالية عن أي تغيير ذي معنى لمناهضة حقيقية لهياكل الاستعمار.

التوحش الصهيوني

أحد أشكال التوحش التي ينتهجها الاحتلال الصهيوني هو سياسة العقاب الجماعي في تجويع سكان غزة، كموت بطيء، وله آثار طويلة الأمد على من سينجو من الموت جوعًا. تفيد الوقائع بأن 93% من سكان غزة يواجهون مستويات غير مسبوقة من التجويع، وأن أسرة من بين 4 أسر اضطرت لبيع ممتلكاتها للحصول على وجبة بسيطة، وهناك عائلات أكلت وما زالت تأكل أوراق الشجر وعلف الحيوانات (شعير وتبن وذرة)، الأمر الذي أدى إلى حصول حالات تسمم غذائي. ومع قتل الاحتلال الطفل يزن الكفارنة بسلاح التجويع في 4 من آذار الحالي، يكون عدد وفيات الأطفال 16 طفلًا بسبب الجفاف وانعدام الغذاء أو سوئه إن وجد.

أراد الاحتلال بعد مجزرة الطحين التي نفذها في 29 من شباط الماضي عند دوار النابلسي في شمالي قطاع غزة، والتي قتل فيها 118 فلسطينيًا وأصيب نحو 760 آخرين خلال تجمعهم للحصول على الطحين، ترسيخ إنزال فُتات احتياجات السكان جوًا بدل إدخالها برًا، ومنع وتقويض أي دور للمؤسسات الإنسانية في تنسيق الإنزال وتنظيم توزيع المساعدات، وخلق أسباب إضافية لحرمان الفئات التي لا تستطيع المزاحمة والركض أو السباحة للحصول على تلك المساعدات، وتبييض وجه شركاء وداعمي الاحتلال في تخفيف وطأة النقمة الشعبية عليهم.

قد يبدو الكلام جافًا ومكررًا أمام النهم الإبادي للاحتلال الصهيوني وشركائه، الذي خلف قصصًا مؤلمة عن تجويع المجتمع الغزي، فها هو طفل فلسطيني يكتب رسالة على قصاصة ورقية يطلب من الجنود المصريين مساعدته للحصول على طعام له ولإخوته بعد أن نزحوا إلى الحدود الفاصلة بين غزة ومصر، ورجل يجمع بقايا طحين ملوث بالتراب كي يطعم أطفاله، بعد عدم تمكنه من الحصول عليه، لأن تجارًا أخذوا من شاحنة مساعدات من 10 إلى 12 كيسًا من الطحين.

يؤثر سوء التغذية أو انعدامها في الأمهات والحوامل والأجنة، وفي انعدام قدرة المرضعات على إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية، ناهيك بالقلق الدائم من عدم جود الغذاء لهن ولعوائلهن.

إن أثر التجويع مضاعف على ذوي وذوات الإعاقة، ففي آخر تقرير صحي سنوي صدر في عام 2022، أشار إلى أن عدد المسجلين منهم كان 55538 فردًا، وتشكل الإعاقة الحركية 47% منهم، والآن لا يجد هؤلاء مستشفيات ولا مراكز طبية ولا معدات تأهيل، ومن أصيب منهم في العدوان على قطاع غزة لا يمكن نقله لتلقي العلاج المناسب.

عندما يواجه الجسد المجاعة، يقاوم ويبدأ التغذية على نفسه، ويستهلك الطاقة والكربوهيدرات والدهون ثم الأجزاء البروتينية من الأنسجة. تتباطأ عملية الأيض، ولا يستطيع الجسم تنظيم درجة حرارته، وتضعف وظائف الكلى وجهاز المناعة. عندما تظهر أعراض تقلص القلب والرئتين والمبيض والخصيتين والعضلات، بما فيها عضلة القلب، يشعر الشخص بالوهن وصعوبة بالتركيز، وفي المراحل المتقدمة من الجوع، يمكن أن يعاني الناس من الهلوسة والتشنجات والاضطرابات في إيقاع القلب. وأخيرًا، يتوقف القلب. تختلف قدرة الناس على تحمل التجويع والبقاء على قيد الحياة بناء على الوزن والعمر والحالة الصحية ووجود ماء صالح للشرب.

رغم حظر استخدام التجويع كسلاح حرب خلال النزاعات بموجب القانون الدولي الإنساني، فإنه يبقى حبرًا على ورق ولا يتعدى الإدانة الخطابية، إن حصلت، في ظل النهم الإبادي للاحتلال الصهيوني، وفي ظل حروب الأنظمة على شعوبها كحال النظام السوري وحال أغلب النزاعات العسكرية في الجنوب العالمي.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي