عنب بلدي – حسام المحمود
يواصل النظام السوري الإعلان عن إحباط عمليات تهريب أو ضبط شبكات ومتورطين في عمليات تهريب المخدرات داخليًا، مع التركيز مؤخرًا في بعض العمليات الكبيرة على إشراك دول أخرى في القضية، وتقديم الأراضي السورية كممر عبور، ومستقبِل، لا مصدّر للمخدرات.
تأتي هذه الإعلانات من بوابة وزارة الداخلية، وكثيرًا ما تترافق باتهامات لدول أخرى، لكن العملية التي جرى الإعلان عنها في 4 من آذار الحالي، جاءت مخالفة للعمليات السابقة شكلًا ومضمونًا وفي أسلوب العرض.
وحينها عرضت وزارة الداخلية تسجيلًا مصورًا، تحدثت فيه عن ضبط مكافحة المخدرات في حلب 470 كيلوغرامًا من حبوب “الكبتاجون” المخدرة، وتعادل أكثر من 2.8 مليون حبة.
وخلافًا لسنن تهريب المخدرات خلال السنوات الماضية، التي اعتادت فيها دول الجوار، وتحديدًا الأردن البوابة والممر البري نحو الخليج، صد محاولات التهريب تلك، قالت وزارة الداخلية، إن الشحنة مصدرها دولة مجاورة، لم تسمِّها.
وفي 3 من آذار، أعلنت الوزارة إلقاء القبض على خمسة أشخاص بينهم فتاة، وقالت إنهم من متعاطي ومروجي المواد المخدرة، وضبطت كمية بحوزتهم، لم تحدد مقدارها، ولم يتسنَّ تقدير هذه الكمية على اعتبار أن الصورة الوحيدة المرفقة بالخبر للمواد المخدرة، مأخوذة بطريقة يصعب معها تحديد أحجام أكياس المخدرات، لكن عددها كان 19 كيسًا.
وفي 29 من شباط الماضي، جرى القبض على “أحد أخطر المطلوبين في حلب” لوجود عدة طلبات بحقه بجرائم مختلفة، منها أنه مصدر للمواد المخدرة، مع إرفاق صورة لسلاح فردي، وكمية قليلة من المواد المخدرة، لتتزامن هذه العملية مع إلقاء القبض على ثلاثة أشخاص من متعاطي ومروجي المواد المخدرة، بحوزتهم كميات منها، تقدر بـ11 كيسًا أو “باكيت” ومجموعة حبوب، وفق ما تظهره الصورة المرفقة بالإعلان.
نصف مليون حبة
إضافة إلى عمليات الضبط التي تستهدف كميات قليلة مقارنة بالمحاولات عبر الحدود، جرى مؤخرًا الإعلان عن أكثر من محاولة تهريب، أو ضبط لكميات كبيرة من المخدرات، تشابه أو تفوق تلك التي تتجه لمحاولة العبور من الحدود.
نهاية شباط الماضي، جرى توقيف أشخاص يروجون المخدرات ويسهلون الدعارة في أحد منازل بالكسوة في ريف دمشق، كما أعلن النظام السوري، في 26 من الشهر نفسه، ضبط نصف مليون حبة من “الكبتاحون” خلال عبورها الأراضي السورية قادمة من دولة لم تسمِّها وسائل الإعلام السورية الرسمية التي أوضحت أن الشحنة كانت متجهة إلى العراق.
وفي اليوم نفسه، جرى القبض على أربعة من مروجي المخدرات، في دمشق وريفها، وبحوزتهم 2.5 كيلوغرام من مادة الحشيش المخدر، و10 آلاف حبة “كبتاجون”.
وسبق هذه الحالة، في 16 من شباط، إلقاء القبض على تسعة أشخاص، بينهم فتاة، يقومون بترويج وتعاطي المواد المخدرة، وضبط كمية من هذه المخدرات بحوزتهم تبدو من الصورة الملتقطة بشكل غير واضح وعن بعد نسبيًا، على أنها نحو 11 كيسًا، وكمية من الحبوب وأخرى من الحشيش.
وفي 9 من شباط أيضًا، قالت وزارة الداخلية، إن قسم شرطة السكري في حلب ألقى القبض على ثلاثة أشخاص لإقدامهم على تعاطي المواد المخدرة، ونشرت صورة تظهر نحو 19 حبة مخدرة، ومجموعة من السكاكين والسواطير، وأربع قنابل يدوية.
وتبع هذه العملية بأسبوعين القبض على خمسة أشخاص من المتعاطين والمروجين في حلب، وبحوزتهم ألف و650 حبة “كبتاجون” مخدر، و165 غرامًا من “الهيروين”.
كما أعلنت الوزارة، في 11 من الشهر نفسه، إلقاء القبض على 11 شخصًا من المروجين والمتعاطين في محافظة دير الزور، بعد معلومات عن شبكة تمتهن ترويج المواد المخدرة وتعاطيها.
في اللاذقية أيضًا، قبضت وزارة الداخلية، في 8 من شباط، على شبكة لتعاطي المخدرات وترويجها، وقالت إنها صادرت 12 “كف حشيش”، وقطع حشيش، و900 حبة “كبتاجون” مخدرة.
كميات أكبر.. نسق متصاعد
وألقت مكافحة المخدرات في دمشق القبض على امرأة تروج المخدرات في محلة القنوات، وضبطت بحوزتها 50 ألف حبة “كبتاجون” مخدرة، في 7 من شباط، وفق تسجيل مصور نشرته الوزارة.
سبقت هذه العملية بثلاثة أيام فقط أخرى أكبر بكمية المخدرات المضبوطة، حين ضبط فرع الأمن الجنائي، في 4 من شباط، 64 ألف حبة “كبتاجون” في ريف دمشق.
ومنذ شباط الماضي، تأخذ عمليات إلقاء القبض على من تقول وزارة الداخلية إنهم متورطون في التعاطي أو الاتجار نسقًا متصاعدًا، إلى جانب ضبط كميات أكبر من مثيلتها في الأشهر السابقة.
وكانت وزارة الداخلية أحصت، في 28 من كانون الأول 2023، الكميات المضبوطة من المخدرات خلال العام، وتمثلت بنحو 259 كيلوغرامًا من الحشيش المخدر، ونحو 270 ألف حبة “كبتاجون” مخدرة، وأكثر من سبعة آلاف حبة دوائية مخدرة، وكميات أقل من “الهيروين” المخدر، ومادة “الكريستال”، و”الكوكائين” و”الماريجوانا” و”السيلفيا”.
كيف يقرؤها الجوار؟
الخبير الأردني في الأمن الاستراتيجي الدكتور عمر باشا الرداد، أوضح لعنب بلدي أنه من غير الواضح مدى جدية إعلانات النظام عن ضبط كميات المخدرات والمواجهات مع شبكات تهريبها، معتبرًا أن الاحتمالات الأقرب هي استجابة للضغوط التي مورست على دمشق.
وقال الرداد، إذا كانت هذه الإعلانات صحيحة، فإنها تطرح تساؤلات حول دور الأجهزة الأمنية السورية في عمليات التهريب السابقة، كما بات مؤكدًا غياب أي موقف موحد على المستويين، السياسي والأمني، تجاه اتخاذ إجراءات جدية لمكافحة عمليات التهريب، فالمعلومات الأردنية لا تزال تؤكد تورط أوساط قيادية بعمليات التهريب.
وفيما يتعلق بالإعلان عن ضبط مخدرات من دول مجاورة، يرى الخبير الأردني أن الحالة لا تعدو كونها ذرًا للرماد في العيون، فالدول المجاورة لسوريا تتعرض بمستويات مختلفة لمحاولات تهريب مخدرات إليها وتحديدًا الأردن والعراق وتركيا، فيما يعتبر لبنان، عبر شبكات مرتبطة بـ”حزب الله”، جهة التصدير الوحيدة لسوريا، ومنها يتم التصدير للدول المجاورة.
“الأردن ما زال يبني رهانات على إمكانية أن تحقق الجهود العربية المشتركة من خلال لجنة الاتصال، نتائج إيجابية، رغم استمرار الرسائل السلبية من الحكومة السورية وعدم ضبط عمليات التهريب بشكل أكثر حزمًا”، أضاف الخبير الأردني الدكتور عمر باشا الرداد.
مساعٍ إقليمية نشطة
هذه العمليات كلها تأتي بالتوازي مع تحركات إقليمية للجم محاولات تهريب المخدرات من الأراضي السورية نحو الأردن، الذي يشكل ممرًا بريًا نحو دول الخليج العربي.
وفي نهاية شباط الماضي، توسعت الخلية الرباعية لمكافحة تهريب المخدرات، التي تشكلت نواة تأسيسها بعد لقاء وزراء داخلية الأردن ولبنان والعراق والنظام السوري، لتتحول إلى “خلية خماسية” إثر انضمام مصر إليها.
وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، أعلن، في 17 من شباط الماضي، التأسيس لتشكيل خلية اتصال مشتركة تضم ضباط ارتباط من الدول الأربع، وتعنى بتبادل الخبرات حول عمليات تهريب المخدرات.
وتبع هذه الخطوة بأسبوع إعلان وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، في 24 من شباط، تشكيل الخلية فعلًا، وفق ما نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع).
وفي 26 من الشهر نفسه، التقى وزير الداخلية الأردني نظيره المصري، محمود توفيق، على هامش اجتماع وزراء الداخلية العرب، في تونس، وبحث الجانبان علاقات التعاون الأمني بين البلدين، والسبل الكفيلة بتعزيزها، لا سيما في مجال تبادل الخبرات وبناء القدرات.
وذكرت وكالة “عمون” الأردنية، أن وزير الداخلية المصري رحب بانضمام مصر إلى خلية الاتصال المشتركة من خلال التنسيق مستقبلًا مع الجانب الأردني، لبحث الترتيبات اللازمة بهذا الخصوص، مشيدًا بمستوى التعاون بين الأجهزة الأمنية في مجال مكافحة المخدرات، وتبادل الخبرات والزيارات بين الجانبين.
هذه الإجراءات لم تقدم خرقًا في وقف التهريب المستمر، على أكثر من جبهة، إذ أعلنت السلطات السعودية، في 3 من آذار، إحباط محاولتي تهريب على الحدود السعودية- الأردنية، لأكثر من 63 ألف قرص “كبتاجون” مخدّر، عثر عليها مخبأة في مركبتين، قدمتا إلى المملكة عبر منفذ الحديثة الحدودي مع الأردن.
وذكرت هيئة “الزكاة والضريبة والجمارك” السعودية، أنه في المحاولة الأولى جرى إحباط تهريب أكثر من 41 ألف قرص “كبتاجون”، كانت مخبأة في أجزاء متفرقة من المركبة.
كما جرى إحباط تهريب 22 ألف قرص “كبتاجون” في المحاولة الثانية، وكانت مخبأة بنفس الطريقة بمركبة قادمة إلى المملكة عبر المعبر ذاته.
من جهته، أعلن الأردن، في 27 من شباط، حصيلة عمليات ضبط المخدرات في مناطق متفرقة من الأردن، وعلى الحدود مع سوريا، شملت 12 قضية نوعية في مختلف مناطق المملكة، وجرى القبض على 23 شخصًا من تجار المخدرات ومروجيها ومهربيها.
وأحبطت محاولة تهريب كيلوغرامين من مادة “الكريستال” المخدرة، في مركز حدود “جابر” المقابل لمعبر “نصيب” في سوريا، بالإضافة إلى إحباطها محاولة أخرى لتهريب 70 ألف حبة مخدرة، واعتقال المتورط.