أجرت هيئة التفاوض السورية المعارضة اجتماعًا ضم ممثلين عن دول أوروبية وأمريكا وكندا وتركيا، عقد بحضور سوري في مدينة اسطنبول التركية، الجمعة 8 من آذار.
وأشاد رئيس الهيئة السورية، بدر جاموس، بمطالبة المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسون، بإعادة تفعيل مسار اللجنة الدستورية السورية وفق القرار الأممي “2254”.
وطالب في حديثه الذي استمر لدقائق بضرورة وجود ممثل للمعارضة السورية في اجتماعات مجلس الأمن التي يحضرها ممثل عن النظام السوري بشكل دوري.
ومن جانب المعارضة، حضر رئيس “الائتلاف” السوري المعارض، هادي البحرة، ورئيس “الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، إلى جانب أعضاء لـ”هيئة التفاوض” قدموا من مناطق سيطرة النظام، وآخرين من مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا.
القرار “2254” أصدرته الأمم المتحدة عام 2015 ويهدف إلى تشكيل حكومة انتقالية وإعداد دستور جديد وإجراء انتخابات ويتضمن إجراءات بناء الثقة وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
السويداء حاضرة
عقب نهاية حديث رئيس لجنة التفاوض بدر جاموس، جاءت المشاركة الأولى عبر الإنترنت من الدكتور في الفيزياء النووية، والباحث السياسي السوري جمال الشوفي، الذي يقيم في مدينة السويداء.
الشوفي تحدث عما تحمله احتجاجات المحافظة من مطالب، ولا تزال مستمرة لأكثر من 100 يوم، مطالبة بتطبيق القرار الأممي “2254”.
وأضاف أن المحافظة لطالما كانت مهمشة من قبل المجموعة الحاكمة لسوريا، على الصعيد الخدمي والأمني والاقتصادي، وهو ما تفاقم لاحقًا.
واعتبر أن المتظاهرين والمجتمع في السويداء على استعداد للتعاون مع “الدول المتحضرة” في إطار مطالبهم.
وفي الوقت نفسه قال الشوفي إن السويداء ترفض الأطروحات والاتهامات التي تتحدث عن “إدارة ذاتية، أو انفصال، أو مشاريع خارجية”.
ومنذ آب 2023، لا تنقطع الاحتجاجات في ساحة المدينة على مدار الأسبوع، بينما ينظم ناشطون من أبنائها مظاهرة مركزية في يوم الجمعة من كل أسبوع، يتجمع فيها وفود من أبناء قرى وبلدات السويداء، إلى جانب محتجين من أبناء المدينة نفسها.
وفي 29 من شباط الماضي، تعرض مجموعة من المحتجين في السويداء لإطلاق نار من قبل قوى الأمن التابعة للنظام، ما أسفر عن مقتل أحد المحتجين.
وتعتبر المظاهرات في السويداء امتدادًا لدعوات مدنية لتطبيق عصيان مدني، منذ منتصف العام الماضي، بسبب سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمواطنين.
ما الجديد؟
رئيس هيئة التفاوض بدر جاموس، قال لعنب بلدي، إن الاجتماع عبارة عن حدث دوري لهيئة التفاوض، لكن الهيئة وجهت دعوات للدول المعنية بالملف السوري.
وأضاف أن الغرض من حضور ممثلين عن دول غربية لاجتماع من هذا النوع هو دفعهم للاستماع للسوريين، لا العكس، خصوصًا أن الدول المعنية في الملف السوري مستمرة بالتعاطي مع هذا الملف بنفس الطريقة، وتتحدث عن “حل سياسي ولاءات ثلاث، لكن لا يوجد عمل فعلي في هذا الصدد”.
واللاءات الثلاث تمثل: لا للتطبيع، لا لرفع العقوبات، ولا لإعادة الإعمار قبل الحل السياسي.
وأشار إلى أن الهدف من الاجتماع كان محاولة فهم إلى أين تتجه الأمور من وجهة نظر هذه الدول، إلى جانب توجيه بعض المطالب، أهمها تلك المتعلقة بملف المساعدات في سوريا.
من جانبه قال عضو اللجنة، والمسؤول السياسي لـ”المنظمة الآثورية الديمقراطية” كابرييل موشي كورية، إن الحاضرين لم يلمسوا أي شيء جديد من حيث موقف الدول الحاضرة، لكن تأكيد الحضور على التمسك بـ”2254″، والتأكيد على دعم المعارضة وهيئة التفاوض والمجتمع المدني، عامل إيجابي.
الأجندة الدولية نحو سوريا
بدقائق موجزة، تحدث كل ممثل عن دولة أوروبية عن سوريا على جدول أعمال كل منها، لكنها لم تقدم جديدًا إذ تمحور حديث معظم الدول الأوروبية عن أنها لم تتخلى عن دعم السوريين.
ممثل إيطاليا خرج عن المعتاد، لكنه لم يخرج عن سياسة بلاده نحو سوريا، التي بدت أكثر رغبة بالتقارب مع النظام السوري منذ أكثر من عام.
الممثل الإيطالي اعتبر أن الاتصال الدبلوماسي مع النظام السوري، أو التطبيع معه “قد لا يكون سلبيًا، وقد يكون له أثر إيجابي على السوريين”.
ورفض ممثل إيطاليا من جانبه الحديث لعنب بلدي حول منظور بلاده للتطبيع، أو رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع النظام السوري، في الوقت الذي لاقى ردًا من أعضاء في لجنة التفاوض السوري على طرحه.
عضو منصة “موسكو” في هيئة التفاوض، مهند دليقان، قال لعنب بلدي إن الموقف الإيطالي كان الإضافة الصريحة من المواقف الدولية، إذ اعتبر أن جميع الدول الحاضرة تتخذ خطوات من هذا النوع لكنها لا تعلن، في الوقت الذي عبّرت فيه إيطاليا عن نظرتها تجاه خطوة من هذا النوع.
وأضاف دليقان، أن المسار الوحيد الذي يتفق عليه الجميع الآن هو “خطوة مقابل خطوة” وهو طرح يصب في مجرى رفع مستوى العلاقات مع النظام السوري في نهاية المطاف.
ويرى دليقان أن مسار “خطوة مقابل خطوة” طرحه البريطانيون سابقًا، ويهدف لـ”تغيير سلوك النظام”، بالتالي تحولت “اللاءات الثلاث” إلى أداة للتفاوض بين النظام وجهات دولية أخرى.
الرغبة الإيطالية باتخاذ خطوة نحو النظام السوري ظهرت مبكرًا، لكنها لطالما كانت تقترن بموقف ثابت من الاتحاد الأوربي، رافض للتطبيع مع النظام دون تنفيذ كامل لقرار مجلس الأمن رقم “2254”، ما يثير تساؤلات حول قدرة إيطاليا على اتخاذ خطوات تقارب جدية وواضحة مع النظام السوري.
تركيا أيضًا لم تخرج عن نطاق المألوف، إذ تحدث ممثلها عن طول الحدود البرية مع جارتها سوريا، وخطر “المجموعات الإرهابية” على الجانب السوري من الحدود، وما تسميه أنقرة “المناطق الآمنة”.
حالة عدم الخروج عن المتوقع لم تقتصر على تركيا فقط، بل انطبقت على ممثلي الولايات المتحدة، وكندا، والاتحاد الأوروبي.
وأبدى ممثلون عن منظمات المجتمع المدني السوري اعتراضهم على حالة الفتور السياسي التي ضربت الملف السوري خلال السنوات الماضية، في الوقت الذي تغيب عنه خطوات دولية فعلية قد تسهم فعليًا بتخفيف معاناة السوريين.
وتقتصر الخطوات الدولية اليوم على السياق الإغاثي والإنساني، بينما تغيب الخطوات الفعلية عن المسار السياسي والعسكري، على عكس ماكانت عليه خلال السنوات الأربع الأولى من عمر الثورة.
نحو طاولة المفاوضات مجددًا
بينما بقي صلب الملف دون جديد، تعتزم هيئة التفاوض حضور مفاوضات جديدة في جنيف، ففي 27 من شباط الماضي، أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، إصدار الدعوات الرسمية لعقد الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، نهاية نيسان المقبل.
وخلال إحاطة قدمها أمام مجلس الأمن، قال بيدرسون إنه سيوجه الدعوات في اليوم نفسه، معربًا عن أمله في أن تستجيب الأطراف السورية بشكل إيجابي، كما ناشد الأطراف الدولية الرئيسة لدعم جهود الأمم المتحدة كميسر، والامتناع عن التدخل في مكان اجتماع السوريين.
حالة الإحباط من تكرار سلوك النظام السابق خيّمت على الاجتماع بين المعارضة السورية ومنظمات المجتمع المدني، مع ممثلي الدول الغربية، في الوقت الذي أبدت فيه هذه الدول استعدادها لاستمرار دعم مسار المفاوضات.
القائم بالأعمال لدى بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، دان ستوينسكو، قال في حديث لعنب بلدي إن الاتحاد الأوروبي يؤمن أن السبيل الوحيد للمضي قدمًا في العملية السياسية السورية هو التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي “2254”.
وأضاف أنه من المهم أن تجتمع “اللجنة الدستورية” من جديد في جنيف في أقرب وقت ممكن وأن يبدأ الطرفان التفاوض من جديد.
وأشار إلى أن الشعب السوري يعاني منذ فترة طويلة جدًا، ومن أجل معالجة هذه المعاناة، فإننا بحاجة إلى عملية سياسية، وهو ما يدفع الاتحاد الأوروبي للاعتقاد أن استئناف محادثات “اللجنة” هو السبيل للمضي قدمًا من أجل معالجة “الأسباب الجذرية للصراع”.
المشكلة في سوريا ليست إنسانية فحسب، بل سياسية للغاية، وهما مسألتان مترابطتان تمامًا، ولهذا السبب آمل أن تشارك دمشق في اجتماع اللجنة الدستورية في جنيف في الشهر المقبل”.
دان ستوينسكو القائم بالأعمال لدى بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا |
وحول احتمالية عدم تلبية النظام حضور جلسة المفاوضات، قال ستوينسكو، “دعنا نصل إلى هذه النقطة وستحصل على إجابتك، لكننا نأمل حقًا أنه إذا أراد الجميع تحسين حياة الشعب السوري، فعليهم استئناف العمل في أسرع وقت ممكن بالنسبة لمحادثات اللجنة الدستورية والمسار السياسي، وهو المسار الوحيد الذي يمكنه دفع العملية برمتها إلى الأمام”.
دمشق تدرس الخيارات
في 29 من كانون الثاني الماضي، قال المبعوث الخاص بالرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، إن اللجنة الدستورية قد تعقد اجتماعًا في آذار المقبل.
وأوضح لافرنتييف أنه قد يجري اختيار مكان الاجتماع المحتمل بحلول منتصف أو أواخر شباط، موضحًا أن هناك حاجة لمزيد من التسويات للأمور، فيما يتعلق بما هو لوجستي، كالإقامة والاستضافة، وهذا يستغرق عادة من أسبوعين إلى ثلاثة.
المسؤول الروسي بيّن أنه بعد انسحاب سلطنة عمان من سباق استضافة المباحثات، يجري النظر حاليًا في أماكن بديلة، وسيجري التنسيق مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، في الوقت الذي تدرس به دمشق أكثر الخيارات قبولًا.
وكان مقررًا أن يزور بيدرسون دمشق في النصف الثاني من شباط الحالي، لكن صحيفة “الوطن” نقلت عن مصادرها أن الزيارة تحددت منتصف آذار المقبل.
وعقدت اللجنة أحدث جلساتها في 3 من حزيران 2022، وهي الجولة الثامنة، وكان مقررًا عقد جولة جديدة من اللقاءات قبل اعتراض روسيا على مواصلة استضافة جنيف لاجتماعات اللجنة، كون سويسرا فقدت مكانتها كطرف محايد، وفق وجهة النظر الروسية المتأثرة بموقف سويسرا من الغزو الروسي لأوكرانيا.