بين التوقع والواقع.. صعوبات حياة السوريين في ألمانيا

  • 2016/03/13
  • 1:43 ص

FRIEDLAND, GERMANY - DECEMBER 10: Unidentified Syrian refugees arrive at the refugee center on December 10, 2013 in Friedland, Germany. Hundreds of thousands of Syrians have fled Syria to neighboring countries as well as to Europe. Germany is accepting up to 5,000 Syrian refugees, though German church leaders recently called on their country to take at least 10,000. (Photo by Jens Schlueter/Getty Images)

 حنين النقريعنب بلدي

تعتبر ألمانيا الوجهة الأولى لقاصدي أوروبا من اللاجئين السوريين، وحلم الكثيرين ممن لم يجدوا بعد مهرّبًا بارعًا يقطع بهم البحار والحدود، يبحثون فيها عن أمان، مأوى، وكرامة تحترمها قوانين أوروبا وأخلاقها، حسبما نقل لهم إخوتهمالسابقونليكونوا بهم لاحقين.

لكن هل تحتفظ الصورة بلونها الورديّ بعد اجتياز حدود ألمانيا؟ وهل تبقى صورة ألمانيا بهذه المثالية عندما تحتويك ملاجئها؟

في دراسة أعدها المكتب الاتحادي للاجئين والهجرة إلى ألمانيا، عام 2014، ذكر أن عدد اللاجئين السوريين في ألمانيا بلغ ما يقارب 40 ألفًا، ليشكلوا النسبة الأكبر من مجمل اللاجئين إلى ألمانيا بمعدل 22.7%، فيما أشارت دراسة من إصدار المكتب ذاته أن أعداد اللاجئين السوريين إلى ألمانيا خلال النصف الأول من عام 2015 بلغت 32 ألف لاجئ، بمعدل 20.3% من مجمل الجنسيات.

وأضافت دراسة عام 2014 أن 15% من السوريين في ألمانيا جامعيون، وأن 35% منهم من حملة الشهادة الثانوية، فيما لم يتلق 11% منهم أي تعليم سابق.

وتقدم ألمانيا للاجئين في مخيمات اللجوء الأولية الطعام والملابس بشكل مجاني، إضافة لمصروف شهري قدره 143 يورو لكل بالغ، و85 يورو لكل طفل، وبعد انتهاء مرحلة الإقامة بهذه المخيمات الأولية يحصل كل لاجئ على سكن تسدد الدولة إيجاره، إضافة إلى 359 يورو بدل طعام شهري لكل بالغ، و269 يورو لكل طفل.

أريد أن أعمل

منذ ستة أشهر وصلت المهندسة هناء (27 عامًا) إلى ألمانيا في رحلة من سوريا إلى لبنان فتركيا، مرورًا بالبحر واليونان والخوف من “التبصيم” في طريقها إلى بلد الأحلام.

تعيش هناء اليوم مع زوجها في أحد مراكز الإيواء في ألمانيا، تنتظر دورها للمحاكمة والحصول على حق باللجوء، لكن الوقت يمضي ببطء، كما تقول “أشعر بأن مهاراتي معطّلة، قد تعجب حياة الكسل وتلقي المعونات البعض لكنني لم آتي لألمانيا لأبقى في المأوى”.

تتقن هناء اللغة الإنكليزية محادثة وكتابة، بالإضافة لشهادتها الجامعية وخبرتها في العمل الهندسي أربعة أعوام، الأمر الذي جعلها تتخيل، أثناء التخطيط للجوء، أن الحياة في ألمانيا ستكون مفعمة بالعمل والمساعدة والتطوع لصالح سواها من اللاجئين، “لكن ذلك كله تبدد، إذ علينا أن نبقى هكذا مجمّدين نراقب نقصان الكوادر والحاجة الماسة لمترجمين من بيننا، دون أن نحرك ساكنًا”، بحسب تعبيرها.

هل يمكننا التطوع؟

تكبدت هناء وزوجها عناء السير لمخيم (كامب لاجئين) مجاور لهم تحت أمطار غزيرة، بحثًا عن فرصة تطوعية سواء لتعليم اللاجئين أو الترجمة لهم، أو المساعدة في إدخال بياناتهم وتنظيمها، لكن الشكّ بنواياها كان أول ما قابلها هناك “استقبلتني موظفة من الصليب الأحمر الدولي بأسئلة كثيرة، واعتقدت أنني أبحث عن عمل لغرض مادي، لكنني نفيت ذلك وأخبرتها أنني أريد العمل كنوع من رد الجميل للبلد المضيف لي، وكان ردها نظرة استنكارية تقول بها عودي من حيث أتيت”.

يبرر محمد (32 عامًا)، زوج هناء، ما يجري، فهو يرى أن الأزمة أكبر من استعدادات الألمان وأنهم غير معتادين على التعامل مع هذا النوع من المشكلات، لكنه يستدرك “أحاول أن أفكر بهذا الشكل كلما انزعجت من التضييق علينا والتعامل معنا كأشخاص غير نافعين، يمكننا بالفعل أن نخدم بعضنا بعضًا، هذا ما نريده، وبيننا الكثير من الأطباء والمتعلمين ممن يمكنهم تسخير مهاراتهم لتسهيل التعامل مع الألمان… لا نطلب معجزة”.

شقة ومفاتيح واستقبال بالأحضان

هذا ما كان أبو سليم يتوقعه، أو لعله ما أخبره به أقرباؤه في ألمانيا ليقرر مع زوجته الهرب بأطفالهم إلى أوروبا، يشرح لنا “الحياة في تركيا باهظة الثمن لعائلة من ستة أفراد، أجور المنازل مرتفعة وكذلك فواتير الكهرباء والغاز، ولم يكن عملي مستقرًا، أبحث باستمرار عمن يحتاج لعامل أو فلاح أو عتال، لذا كانت حياتنا هناك صعبة للغاية”.

عقدت العائلة العزم على الهروب إلى أوروبا، واستدانت أم سليم التكاليف من أقارب لها، تحملوا جميع العقبات وتساعدوا على تذليلها ليصير الحلم حقيقة.

اليوم، يعيش الزوجان مع أربعة أبناء في غرفة واحدة صغيرة في مأوى للاجئين، ويضيف الزوج “لم أتخيل أن تستقبلني ألمانيا بغرفة صغيرة واحدة، أخبرني أصدقائي أن المنزل المستقل سيكون بانتظاري، وأرسلوا لي صورهم في مراكز تسوق ضخمة وبيوت جميلة، انظري لحالنا، لا نعلم متى سنخرج من المخيم، ونعيش على المعونات مع لاجئين من جنسيات مختلفة لا نعرف كيف نتواصل معهم”.

صارت المعونات قضيتنا

ترى هناء أن عدم فرز اللاجئين على أساس المهارات وحالة العطالة التي يعيشونها جعلت المعونات قضية حياتهم، وتوضح بأمثلة تعيشها “كثيرًا ما نسمع عن حالات هروب أحدهم من كامب لآخر بعيد لفارق عدة يوروهات في الإعانة، وهكذا صار الشاطر من يستطيع كسب أكبر قدر من المعونات المادية أو العينية”.

وتقول إن هناك حالات من التحايل على القوانين بين اللاجئين لكسب المزيد، وتدلل على كلامها بالقول “يكفي أن أقول أن جارتي في الغرفة المجاورة اتفقت هي وزوجها على الطلاق شكليًا، لأن ذلك يزيد من نصيب كل منهما 40 يورو شهريًا، عداك عن التسابق على إنجاب المزيد من الأطفال للحصول على المزيد من الإعانات”.

ما يعيشه اللاجئون من فراغ جعل المشاكل “القديمة” تطفو على السطح، بحسب هناء، وتعني بالمشاكل القديمة “مشاكل ما قبل الثورة، كلام النساء وأحاديثهن، الغيرة وافتعال القصص، وماذا يفعلون سوى ذلك؟”.

بيروقراطية مختلفة

لا يختلف حال لما (28 عامًا)، وهي طبيبة من اللاذقية خريجة جامعة القلمون، عن حال هناء، إلا أنها تزيد عنها بإتقانها للغة الألمانية، فهي في ألمانيا منذ عامين، ودرست فيهما اللغة لإتمام اختصاصها الجامعي، لكن ذلك لم يشفع لها بالعمل التطوعي لصالح اللاجئين، وتقول “المانع هو عدم اجتيازي لامتحان اللغة المعياري، والذي قدّمت طلبًا لاجتيازه إلا أن دوري سيأتي بعد عشرة أشهر من الآن، هذه هي بيروقراطية ألمانيا”.

أخبرتنا لما أنها اعتادت على البيروقراطية الإدارية في ألمانيا، وهي برأيها بيروقراطية مختلفة عما كنا نعيشه في دوائر الحكومة في سوريا، وتوضح “هنا البيروقراطية قائمة على القوانين، لا يمكن أن تدفع رشوى لتسهيل معاملتك، ولا يكفي أن يتم التوصية بك من فلان لتمشي أمورك، بالإضافة لتعقيدات القوانين ما يجعلك بحاجة لتسأل اختصاصيين حقوقيين عندما تريد تسيير معاملة ما”.

طفلة لـ الترجمة

تقول لما إن هذه التعقيدات القانونية تفاجئ اللاجئين الجدد إلى ألمانيا، وتزيد الأمور صعوبة عليهم، ورغم اعتيادها عليها إلا أنها تضيق ذرعًا بها في بعض الأحيان، وتضيف “ذهبت إلى مركز صحي لرعاية اللاجئين وأخبرتهم برغبتي بالمساعدة بتقديم خدمات الطبابة للاجئين لكنهم لم يقبلوا اعتذروا لعدم إتمامي دراستي الجامعية بعد”.

فوجئت لما بأن المسؤول عن الترجمة في المركز كان طفلة ألمانية في العاشرة من عمرها، لكنها تجيد اللغة العربية وتتولى مهمة التواصل بين اللاجئين والأطباء، “سألتهم هل من المعقول أن تبوح السيدة بمشكلاتها الخاصة لطفلة في العاشرة، وقالوا بأنها الخيار الوحيد المتوفّر لديهم، وعندما عرضتُ عليهم أن أترجم لأجلهم اعتذروا لعدم اجتيازي الامتحان المعياري للغة رغم تواصلي معهم بها”.

لا تلخّص القصص الواردة في هذا التقرير جوانب حياة السوريين في ألمانيا بجانبيها الإيجابي والسلبي، إلا أنها تلقي الضوء على بعض الصعوبات التي تستقبلهم فيها خلافًا للصورة المثالية المتوقعة.

مقالات متعلقة

  1. ألمانيا تستقبل مئة لاجئ قادمين من اليونان كدفعة أولى
  2. ألمانيا.. دراسة تبيّن ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المسلمين
  3. بينهم سوريون.. الشرطة الألمانية تعثر على 56 مهاجرًا
  4. مؤيدو الأسد.. ماذا يفعلون في أوروبا؟

سوريون في الخارج

المزيد من سوريون في الخارج