عنب بلدي – رهام سوادي
“لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى”، بهذا الحديث النبوي بدأ أيهم خليل رواية قصة حبه لفتاة كردية تنحدر من نفس مدينته (القامشلي)، تدعى يريفان.
تنقسم محافظة الحسكة إلى أربع مناطق هي الحسكة والقامشلي ورأس العين (سري كانيه) والمالكية (ديريك)، وبلغ عدد سكانها نحو 1.5 مليون نسمة قبل عام 2011، وفق إحصاءات حكومية.
ويعتبر العرب مكونًا رئيسًا في المحافظة، ويتركز وجودهم في مدينة الحسكة وريفها الجنوبي والشرقي وفق طابع عشائري بحت، إلى جانب وجود أقل في الريف الشمالي والغربي.
الكرد هم المكون الثاني الرئيس في منطقة الجزيرة، وينتشر الآلاف منهم في قرى وبلدات الريف الشمالي الشرقي، والشمالي، والشمالي الغربي.
وعلى الرغم من أن المنطقة مشتركة بين الكرد والعرب، فإن طبيعة التقارب العشائري، واختلاف القوميات، والعادات والتقاليد، إضافة إلى بعض النزاعات التاريخية، تفرض علاقة تشوبها التوترات.
وقال أيهم (33 عامًا) لعنب بلدي، إن الزواج رابطة إنسانية غير متعلقة بأي طائفة أو قومية أو عرق، معبرًا عن حبه ليريفان الإنسانة بعيدًا عن الفروق القومية.
تعرف أيهم إلى يريفان عبر خالته، التي كانت تسكن بالقرب من عائلة يريفان، وأحبها عند رؤيتها منذ نحو سنتين ونصف، وبينما دعمت عائلة أيهم الزواج، وقفت عائلة يريفان عائقًا أمام زواجهما، وخاصة والدها.
وجاء رفض الأب لسبب وحيد، أن أيهم عربي، ولرغبته بتزويج ابنته من شاب كردي، يحمل نفس ثقافتهم وعاداتهم، في حين لا يرى أيهم “اختلافًا كبيرًا” بالعادات والتقاليد الكردية والعربية.
تعرف أيهم إلى شقيق يريفان، الذي يصغره بأربع سنوات، حتى استطاع أن يتقرب أكثر من العائلة، وساعده في إقناع والده، ومنذ أربعة أشهر تمت خطبتهما.
الأهل يعارضون
رولا المحمد (33 عامًا) المنحدرة من مدينة دير الزور، عاشت وكبرت في مدينة الحسكة بعد انتقال عائلتها إلى المدينة، بحكم عمل والدها، وقعت في حب شاب كردي من مدينة الحسكة، يدعى راكان.
قالت رولا لعنب بلدي، إنها تعرفت إلى راكان في أثناء امتحان الشهادة الثانوية (بكالوريا) ونشأت في تلك الفترة علاقة حب قوية بينهما، استمرت حتى بعد دخول كل منهما جامعة مختلفة، إذ درس راكان في كلية العلوم بالحسكة، ودرست رولا في كلية الاقتصاد بدير الزور.
ورسم كلاهما أحلامه بمستقبل يجمعهما معًا منذ ذلك الوقت، حتى إن راكان بدأ بتعليم رولا اللغة الكردية لتتمكن من التواصل مع عائلته لاحقًا، إلا أن الفتاة صدمت بواقعها عند رفض عائلتها طلب راكان بالزواج، على الرغم من الصداقة “القوية” التي تجمع والدتها بعمة راكان، وتذرع والد رولا بدراستها التي لم تكملها بعد.
تملكت عائلة رولا مخاوف حيال اختلاف الثقافات، والاختلاف الاجتماعي والمادي بين العائلتين، إذ إن راكان ينحدر من عائلة ثرية، بالإضافة إلى أن العائلة كانت تفكر بالعودة إلى دير الزور، ما سيجعل رولا بعيدة عنهم.
راكان لم يستسلم، وعاد لطلب يد رولا من عائلتها مرة ثانية، ليقدم والدها عذرًا مختلفًا، حول وجود ظروف عائلية خاصة، إلا أن رفضه لم يثنِ راكان، ليعود للمرة الثالثة وبإصرار أكبر دعمه إلحاح رولا “الشديد”.
وعلى الجانب الآخر، لم يواجه الشابان وقتها مشكلة مع عائلة راكان التي كانت أكثر تفهمًا لقرارهما.
تزوج رولا وراكان بعد قصة حب دامت خمس سنوات، مع مباركة كلتا العائلتين، وأنجبا ثلاثة أطفال.
ما بعد الزواج
فاطمة الزهراء بيزيد، فتاة كردية من مدينة حلب، تعرفت إلى زوجها العربي المنحدر من مدينة تدمر في إحدى المنظمات العاملة في مدينة غازي عينتاب التركية، وتكلل تعارفهما بالزواج في 2018.
وواجه كلا الطرفين رفضًا عائليًا، ووجود الحساسية القومية كان واضحًا، خاصة بالنسبة لعائلتها، ذات الأصول العشائرية الكردية المترابطة.
وقالت فاطمة لعنب بلدي، إن رفض عائلتها جاء بسبب زواج شقيقها الأكبر بفتاة عربية، ولم تكن لديهم الرغبة بزواج آخر من قومية مختلفة.
ورغم قبول عائلة فاطمة زواجهما فيما بعد، وعدم التدخل في حياتها الزوجية، فإنها دائمًا ما تسمع مقولة “يا ريت عطيتوها لكردي”.
وبالنسبة لعائلة زوجها، فإن الرفض كان واضحًا، ويعود إلى الاختلاف “الكبير” في العادات والتقاليد الكردية والعربية، التي تجعلها تشعر بأنها “غريبة” حتى بعد ست سنوات من الزواج.
اختلاف “كبير”
يشكل الانسجام مع ثقافة عائلة الطرف الآخر أحد “أكبر التحديات” بالنسبة لفاطمة، التي ترى أنها “مختلفة بكل شيء حرفيًا” حتى في الطبخ.
وتنشأ بسبب هذه الاختلافات مشكلات غير مقصودة، فعلى سبيل المثال، في “ليلة الحنة”، ارتدت فاطمة فستانًا شعبيًا كرديًا، بجانب عائلتها والضيوف القادمين من طرفها، بينما عائلة زوجها جاؤوا غير مستعدين لمثل هذه المناسبة من ناحية اللباس أو الطقوس.
اكتشفت فاطمة حينها أن عائلة زوجها لا تعرف ما هي “ليلة الحنة”، ما خلق حساسية بينهم، كونها لم تحطهم علمًا بنوع الطقس ومتطلباته.
“ليلة الحنة” هي احتفال يقام للعروس في بيت أهلها، قبل يوم أو بضعة أيام من ليلة الزواج، ويتم فيه نقش الحنة على يدي العروس وقدميها.
وألغت فاطمة إقامة العرس على الطريقة الكردية، تجنبًا لحساسيات إضافية.
وحتى بعد مرور سنوات على زواجها، إلا أنها وزوجها لا يزالان يستغربان من عادات بعضهما.
من جهة أخرى، قالت رولا، إنها لم تواجه أي مشكلات غير عادية، وجرى التغلب على التحديات بفضل القبول المتبادل للتنوع الثقافي بين القوميتين، نتيجة عيش كلتا العائلتين في نفس المدينة.
وتشارك رولا عائلة زوجها في احتفالاتهم، مثل عيد النوروز، وترتدي الملابس الكردية التراثية وتشارك في الغناء والرقص.
حالات قد تنتهي بالفشل
تزوج فراس حمدو (55 عامًا) فتاة كردية في الأربعينيات من عمرها، بعد وفاة زوجته الأولى لأسباب صحية، إلا أن زواجه لم يستمر لأكثر من تسعة أشهر.
أرجع فراس السبب لما أسماه بـ”التفاهم الصعب”، إذ كانت زوجته محافظة على هويتها الكردية ولغتها “بشدة”، ولم تندمج مع عائلته.
وقال لعنب بلدي، إن زوجته تتحدث باللغة الكردية في محيطها الأسري، متجاهلة وجوده، غير آخذة بعين الاعتبار عدم معرفته باللغة الكردية.
ومن جهة أخرى، واجهت زوجته صعوبة في الاندماج مع عائلته في تجمعاتهم الأسبوعية، وتصاعدت المشكلات بينهما وصعوبة التأقلم، حتى وصلت إلى الانفصال.
لـ”حفظ الحرية والكرامة”
رأت مجموعة من الكرد والعرب الذين تحدثت معهم عنب بلدي فوارق “كبيرة” بين الكرد والعرب السوريين، واختلافات اجتماعية بيئية وتربوية “جذرية”، إضافة إلى وجود نمط خاص لحياة كل منهم.
عدم الاعتراف بالهوية الكردية هو جلّ ما يخشاه الكرد في حالة الزواج، إضافة إلى التباس الهوية الذي قد يعيشه أطفالهم، لذا يكون الزواج من نفس القومية ضمانًا لـ”حفظ الحرية والكرامة”.
بينما رأى آخرون أن الزواج المبني على الحب والتفاهم والاحترام يكون إيجابيًا، ويحافظ على استمراره، ولا يمكن للاختلاف أن يقف عائقًا أمامه.
وفي حديث سابق لعنب بلدي، قال المحامي خالد إبراهيم، من مدينة القامشلي، إن حالات الزواج بين الكرد والعرب وغيرهما من الأقليات الموجودة في الجزيرة السورية هي قليلة، وتختلف من منطقة إلى أخرى، ومن حالة مجتمعية إلى أخرى.
وأوضح إبراهيم أن “الزواج بين العرب والكرد في المنطقة ذات الغالبية الكردية شمال شرقي سوريا أقل مقارنة بدمشق وحلب، نتيجة التقارب في العمل والمهنة كمجتمع مندمج”.
ولا تتوفر إحصائيات رسمية حول عدد الكرد في سوريا، إذ تشير بعضها إلى أن نسبتهم 9 أو 10% من إجمالي السكان، فيما تقول إحصائيات أخرى إن النسبة أقل، ويتمركزون في ثلاث مناطق تقع على الحدود التركية، شمال شرق محافظة حلب، وشمال محافظة الحسكة، ومدينة عفرين.
شارك في إعداد هذه المادة مراسلة عنب بلدي في الحسكة ريتا أحمد