درعا – حليم محمد
أدخل علي العزام (45 عامًا) ابنه البالغ ستة أشهر المستشفى لسوء حالته الصحية، جراء إصابته بالتهاب حاد بالرئة، رغم معاينته قبل ذلك في صيدلية، حيث يقيم في ريف درعا الغربي.
الأدوية الموصوفة من الصيدلاني لم تساعد في شفاء الطفل بل فاقمت من وضعه الصحي، بحسب ما قاله علي لعنب بلدي.
وذكر أنه لجأ للصيدلية مباشرة بهدف توفير تكلفة “كشفية” الطبيب، وأجرة نقل ابنه إلى العيادة، إذ يحتاج لسيارة تنقله إلى مدينة طفس تبلغ أجرتها 100 ألف ليرة سورية، كما لا يتوفر في معظم مناطق ريف درعا الغربي أطباء متخصصون، لذلك تكون الوجهة مدينة درعا أو مدينة طفس.
ولا ينكر علي الذي يعمل مزارعًا معرفته بأن اللجوء إلى الطبيب أفضل من حيث التشخيص وتحديد الأدوية المناسبة بدقة، إلا أنه مضطر لذلك.
ويلجأ معظم السكان في درعا إلى الصيدلية مباشرة لتشخيص بعض الأمراض والحصول على أدوية، تفاديًا لدفع تكلفة “كشفية” الطبيب التي تتراوح ما بين 20 ألفًا و50 ألف ليرة سورية، وهو عرف موجود في معظم سوريا، وخصوصًا في الأرياف.
وقال بعض ممن التقتهم عنب بلدي، إنهم يلجؤون للصيدلية لتجنب الانتظار في العيادة، كما يحتاج نقل المريض إلى سيارة خاصة لا تقل أجرتها عن 50 ألف ليرة سورية (الدولار الأمريكي يعادل 14650 ليرة)، إلا أن المعاينة بالصيدلية يحمل مخاطر صحية عدة.
وصفات عشوائية
تشهد محافظة درعا، وخاصة في الأرياف، نقصًا في الكوادر المتخصصة بالصيدليات، إذ اعتبرها بعضهم مراكز تجارية تبيع من خلالها الأدوية.
محمد المصطفى (65 عامًا)، من سكان تل شهاب بريف درعا الغربي، قال لعنب بلدي، إنه راجع إحدى الصيدليات لشراء دواء لارتفاع ضغط الدم فلم يجده فأعطاه الصيدلاني البديل، وقبل تناول الدواء قرأ محمد النشرة المرفقة ليجد أن الدواء مخصص للمعدة.
وأضاف محمد أنه قرر الاعتماد على سؤال الطبيب عن أي وصفة يريد تناولها، وكذلك البحث عن صيدلية فيها صيدلاني متخصص ومؤهل.
أما سعيد (50 عامًا)، وهو من سكان مدينة طفس، فقال لعنب بلدي، إنه راجع الصيدلية أكثر من ثلاث مرات لتشخيص الصداع المستمر، واكتفى الصيدلاني بإعطائه المسكنات، وعند مراجعة الطبيب تبين أنه مصاب بالتهاب الأذن الوسطى، ووصل الالتهاب لمراحل متأخرة.
وأضاف سعيد أنه دفع ثمن أدوية تعادل أضعاف “كشفية” الطبيب التي لم تتجاوز 20 ألف ليرة سورية.
صيدلاني في درعا البلد طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إنه يعالج حالات الإنفلونزا والالتهابات المعروفة كالبلعوم واللوزتين، ويرشد المرضى إلى أطباء متخصصين في الأمراض التي تستوجب ذلك.
مخاطر المعاينة بالصيدلية
الطبيب زياد الأبازيد لديه عيادة في درعا البلد قال لعنب بلدي، إن أكثر من 80% من المرضى يراجعون الصيدليات قبل زيارة الطبيب، مضيفًا أن الصيدلاني يأخذ دور الطبيب في تشخيص الحالة المرضية دون أن تكون لديه دراية بالتشخيص السريري الذي يجريه الطبيب، ودون معرفة الأمراض أو الاختبارات التحسسية للمريض.
وأضاف الأبازيد أنه عاين حالات تسمم جراء اختلاط دوائي سببه وصف الصيدلاني، لافتًا إلى ضرورة وجود رقابة طبية، ووعي وتثقيف مجتمعي لتفادي المخاطر الناجمة عن عشوائية العلاج، وما تحمله من مخاطر صحية قد تؤثر على حياة المريض.
وأوضح الطبيب أن الصيدلاني يحاول إعطاء المريض أكثر من وصفة طبية، وبعد عجزه عن علاجه يرشده للطبيب، وتكون حالة المريض قد ساءت صحيًا، وصار يعاني من تخالط الأدوية، فضلًا عن دفع تكلفة مالية أكبر جراء ثمن أدوية لا داعي لها.
الطبيب قال لعنب بلدي، إن الخطورة الكبرى تكون في حال كان البائع في الصيدلية لا يحمل شهادة اختصاص، إذ يعرض الخطأ في الدواء حياة المريض للخطر في حال جهل الصيدلاني في التراكيب الكيماوية.
وأضاف أنه في بعض الأحيان يضطر الصيدلاني لإعطاء بديل للدواء يحمل ذات التراكيب، وهذا الأمر يعتمد على خبرة الصيدلاني حامل شهادة الصيدلة.
ورغم اللجوء إلى الصيدليات، لا يعد سعر الأدوية رخيصًا مقارنة بالوضع المعيشي والاقتصادي للسكان، إذ رفعت وزارة الصحة بحكومة النظام السوري، في كانون الأول 2023، أسعار الأدوية بنسب تراوحت بين 70 و100%.
وقال نقيب الصيادلة في دمشق، حسن ديروان، لصحيفة “تشرين” الحكومية، إن أسعار الحبوب والكبسولات والأشربة ارتفعت بنسبة 70%، أما بالنسبة للمراهم والكريمات والبخاخات القصبية فارتفعت بنسبة 100%.