سعر بعضها يصل إلى 15 ألف دولار
السُبحة الحلبية.. قطعة عريقة تصنع في إدلب وتصدّر للخارج
إدلب – أنس الخولي
بينما تغزو السُبحة المصنعة من البلاستيك و”البوليستر” الأسواق شمال غربي سوريا، يحاول بعض الحرفيين الحلبيين المحافظة على صناعة اليدوية منها، مستخدمين المواد الخام الطبيعية رغم صعوبات استيراد تلك المواد وأدوات الإنتاج، وغياب أسواق محلية لتصريف البضاعة.
عماد عمر (35 عامًا)، مهجر من منطقة الشعار بمدينة حلب، ورث صناعة السُبحة اليدوية عن والده ونقل هذه الحرفة إلى إدلب حيث يقيم، كما يشتهر بصناعة “الشرابة” الحلبية من الفضة والأحجار الكريمة.
“الشرابة”، هي قطعة من المعدن توضع على رأس السُبحة لتزيينها، ولها عدة أنواع هي “الإسطنبولية والعراقية والمصرية والحلبية”، وتعتبر “الشرابة” الحلبية أشهر هذه الأنواع، وتُصنع يدويًا بالكامل وتزين بالأحجار الكريمة، وتتميز بدقة صنعها وعراقتها وارتباطها بتراث مدينة حلب.
الحرفي عماد قال لعنب بلدي، إن تاريخ “الشرابة” الحلبية يعود لأكثر من 100 عام، منذ هجرة الأرمن إلى حلب، حيث نقلوا حرفة صناعتها لأهالي المدينة الذين كانوا يستخدمونها في البداية لتزيين بعض أدوات المنزل، ثم أصبحت تستخدم في صناعة السُبحة.
بالدولار للأسواق الخارجية
تختلف “الشرابة” الحلبية عن باقي “الشرابيات” بكيفية تصميم الرأس والزهرة أسفله، إذ تتزين بقطع من مرجان وفيروز، ما يمنحها جمالية خاصة يصعب تقليدها، وتستخدم هذه “الشرابة” لتزيين السُبحة المصنوعة من الأحجار الكريمة غالية الثمن، وفق الحرفي.
ويصل وزن “الشرابة” الحلبية إلى 15 غرامًا من الفضة عيار 1000، وتتراوح أجرة صياغتها بين 200 و400 دولار أمريكي (الدولار 31 ليرة تركية)، وتلعب سمعة الصائغ ومدى إتقانه الحرفة دورًا رئيسًا في ثمنها وتكلفة صياغتها.
ويعتمد الحرفي عماد في صناعة السُبحة اليدوية على الأحجار الكريمة المستوردة من مصر وتونس، بسبب عدم وجود إنتاج محلي لها، ويعاني من صعوبات في استيراد المواد الأولية للصناعة وأدوات الإنتاج.
ولفت عماد خلال حديثه لعنب بلدي إلى أنه تكبد عناء السفر إلى اسطنبول وتحمل مصروفًا بلغ 600 دولار لشراء فرشاة خاصة بهذه الصناعة، يبلغ ثمنها خمسة دولارات فقط.
وتباع السُبحة الثمينة عادة في مزادات علنية يعلن عنها التجار والحرفيون، ويحرص على اقتنائها المهتمون بالقطع التراثية العريقة، وسط تراجع الطلب المحلي عليها بسبب ارتفاع سعرها وتراجع الحالة الاقتصادية والمعيشية بالمنطقة بشكل عام.
ويعتمد الحرفيون في الشمال السوري بشكل كامل على الأسواق الخارجية والتصدير إلى تركيا وعدد من الدول الأوروبية، التي بدأت تنتشر فيها ثقافة السُبحة التراثية كأستراليا وفنلندا وألمانيا، وفق الحرفي عماد، مشيرًا إلى عدم فتح أبواب تصدير هذه القطع إلى تركيا من الجانب التركي، لكن التجار يدخلونها بطرق غير نظامية (تهريب) ثم يصدرونها.
أسواق محلية معدومة
يوزع السوريون السُبحة عادة في بعض المناسبات الخاصة منها حين عودة الحجاج من أداء فريضة الحج كهدايا للزوار، وتكون السُبحة غالبًا مصنوعة من “البلاستيك”، وتغيب السُبحة المصنوعة من الأحجار الكريمة لارتفاع سعرها.
وتشهد المنطقة واقعًا اقتصاديًا ومعيشيًا مترديًا، إذ تتراوح أجور العمال اليومية من 70 إلى 100 ليرة تركية (ثلاثة دولارات) باختلاف المهنة وعدد ساعات العمل.
إسحاق حاج عمر (40 عامًا)، يعمل في تجارة “الفضيات” والسُبح، قال لعنب بلدي، إن الطلب في الأسواق المحلية يتركز على السُبحة التجارية الرخيصة المصنوعة من “البلاستيك” و”البوليستر” لانخفاض سعرها، أما السُبحة التراثية فلا يوجد عليها طلب محلي مطلقًا.
وبحسب التاجر، فإن سعر السُبحة التجارية يصل إلى نصف دولار فقط، أما المصنوعة من الأحجار الكريمة فتباع حسب الأحجار المصنوعة منها، فالمصنوعة من العاج الإفريقي يبدأ سعرها من 500 دولار أمريكي.
وأضاف أن السُبحة المصنوعة من “الكاربو الألماني” يبدأ سعرها في المزاد من 1500 دولار ويصل إلى 10 آلاف دولار، حسب قدمها وعراقتها، أما “المسكي الألماني” فيبدأ سعرها من 3000 دولار أمريكي وتصل إلى 15 ألف دولار.
وأضاف التاجر أن هذه الأسعار المرتفعة للسُبحة التراثية حالت دون قدرة المواطنين على اقتنائها، ما أدى إلى توقف الطلب المحلي بشكل كامل، أما الطلب عليها في الأسواق الخارجية فهو في ازدياد مستمر لعراقتها.
وتنشط عدة حرف وصناعات في الشمال السوري، وتعتمد على الأسواق الخارجية للتصريف، بينما تواجه معظم الحرف والمنتجات المحلية في إدلب بمختلف المستويات منافسة من البضائع المستوردة، التي تغيب الرقابة عن تحديد كمياتها الداخلة للمنطقة، وتؤرق التجار وأصحاب الحرف، الذين يشتكون بدورهم من خسائر مالية، ومن تهديد مصدر رزقهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :