اعزاز – ديان جنباز
تشهد مناطق سيطرة “الحكومة السورية المؤقتة” بريفي حلب الشمالي والشرقي استقالة معلمين ومعلمات من المدارس العامة لأسباب عدة، في مقدمتها البحث عن راتب يسد احتياجات العائلة.
وبلغ عدد المعلمين الذين استقالوا منذ 2023 حتى نهاية شباط الماضي أكثر من 500 معلم ومعلمة، وفق إحصائية حصلت عليها عنب بلدي من رئيس نقابة المعلمين في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، محمد صباح حميدي.
وتكثر الاستقالات بعد مطالب المعلمين منذ سنوات مع بداية كل فصل دراسي برفع الرواتب وتحسين العملية التعليمية، وعدم قبولهم بأي حلول جزئية أو مؤقتة من سلال غذائية أو قسائم ملابس، إذ يعتبر بعض المعلمين أنها لا تلبي مطالبهم.
ويتقاضى المعلم العازب 1750 ليرة تركية (نحو 56 دولارًا أمريكيًا)، والمعلم المتزوج 1925 ليرة (نحو 62 دولارًا أمريكيًا)، بينما وصل حد الفقر المعترف به إلى 10843 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع إلى 8933 ليرة.
قلة الراتب وغياب المرجعية
رئيس نقابة المعلمين في مدينة اعزاز، محمد صباح حميدي، قال لعنب بلدي، إن ارتفاع أسعار المواد وانخفاض الرواتب للمعلمين أدى إلى تأثيرات سلبية على التعليم، وأسفر عن استقالات بشكل كبير.
وأضاف أن غياب المرجعية الحقيقية للتعليم، وعدم وجود سلم رواتب عادل، دفع بأكثر من 500 معلم ومعلمة في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي إلى الاستقالة، وتسببت هذه الحالة بكارثة للعملية التعليمية، نتيجة نقص الكوادر، وعدم توفر كفاءات تلبي الاحتياجات الملحة.
وذكر حميدي أن المعلمين لم يعودوا يتوجهون في مطالبهم إلى الهيئات المحلية أو مديريات التربية، إنما وجهوا خطابهم نحو الحكومة التركية، إذ يعتبرون أن الحلول تكمن بيد المنسقين الأتراك وليس بيد الجهات المحلية.
من جهته، حسين الخلف، مدرس رياضيات سابق في ثانوية “صوران” شرقي مدينة اعزاز، قال لعنب بلدي، إن قرار استقالته يعود بالدرجة الأولى لضعف المنحة المالية المقدمة للمعلمين، والتي كانت تتراوح بين 70 و90 دولارًا أمريكيًا.
وأضاف المعلم أن السبب الآخر هو ضبابية القرارات الصادرة فيما يخص الامتحانات، منها أن أسئلة امتحانات مادة الرياضيات غالبًا ما توضع من مديريات التربية دون اطلاع على وضع الطلاب أو المدرسة، علمًا أن المادة تعتبر مادة اختصاصية.
من جانبه، قال مصطفى كركج، مدرس سابق في ثانوية “عبد الله رجب” بمدينة اعزاز، إن هناك مجموعة قضايا تراكمت ودفعته للاستقالة، أبرزها ضعف المنحة المالية المقدمة من الحكومة التركية، إضافة إلى أنها تصل بالعملة التركية، وارتفاع أسعار معظم السلع.
وذكر كركج لعنب بلدي أن هناك ضعفًا في نظام الامتحانات، وزيادة عدد الحصص للمدرسين وإهمال المدارس، وعدم توفير الكتب ومستلزمات العملية التعليمية.
مدارس خاصة وجهة المستقيلين
قام معلمون بعدة محاولات لإيجاد الحلول، والتقوا مع الجهات المختصة، لكن دون الوصول إلى حل مرضٍ، بحسب معلمين تحدثت إليهم عنب بلدي.
وتوجه المدرسان مصطفى كركج وحسين الخلف إلى المدارس الخاصة بعد الاستقالة، وهو حال معظم المستقيلين، وذكرا أن العملية التعليمية أكثر “تيسيرًا” مقارنة بالمدارس العامة، إذ وجدا تحسنًا ومرونة باتخاذ القرارات وحرية في ممارسة المهنة.
وقال المدرس حسين الخلف، إن قرار الاستقالة لم يكن سهلًا، لكنه كان مجبرًا على ترك المدارس العامة والطلاب الذين عرفهم على مدى 15 عامًا، بعد اليأس من الوصول إلى حل آخر.
أما مصطفى كركج فقال لعنب بلدي، إن تأثير قرار استقالته على حياته الشخصية ظهر في اختلاف نظام الرواتب بين المدارس العامة والخاصة، ففي المدارس العامة يبقى الراتب ثابتًا سواء في فترات العطل أو الدوام طوال العام.
وذكر أن الراتب في المدارس الخاصة لا يُمنح خلال فترة العطل، بل يتركز فقط على فترة الدوام الفعلي.
ويتراوح راتب المعلم بين 150 و250 دولارًا أمريكيًا شهريًا، حسب المرحلة التي يدرسها وفترة الدراسة، إذ يحصل على 250 دولارًا إذا كان يدرس في الفترة الصباحية والمسائية، أما إذا كانت لديه دروس في الفترة الصباحية فقط فيمكن أن يكون الراتب بين 125 و150 دولارًا.
آثار سلبية
تحمل استقالة المعلمين من المدارس العامة آثارًا سلبية على العملية التعليمية ككل، وحذر معلمون تحدثت إليهم عنب بلدي من خطر قد يهدد آلاف الطلاب بسبب نقص الكوادر، ومن تحول المدارس العامة إلى خاصة.
المعلم محمد نور في مدرسة “بدر الكبرى” باعزاز، قال لعنب بلدي، إن التفكير بهموم المعيشة ولقمة العيش ومتطلبات الأسرة وعدم الحصول على الراتب الكافي قد يؤثر على شرح الأستاذ نفسه للمواد التعليمية.
ولفت إلى أن المدارس العامة تفتقد إلى الجاهزية، وسط غياب المخابر والأساتذة المختصين بالنسبة للغة الإنجليزية والتركية، والمواد الأخرى كالرياضة والموسيقا.
وتكررت الإضرابات والوقفات الاحتجاجية والمظاهرات التي نظمها المعلمون في ريف حلب الشمالي والشرقي، رغم تعدد أسبابها، كالمطالبة بزيادة الدخل الشهري، وعدم التعدي على حقوق المعلمين، ومظاهرات مناهضة للفساد الإداري في المنطقة، وتردي العملية التعليمية.
وعلى الرغم من استمرار المطالب لأكثر من عامين في مناطق سيطرة “الحكومة السورية المؤقتة”، لا تزال المشكلات موجودة حتى اليوم.
وتعاني منطقة شمال غربي سوريا ترديًا في الأوضاع الاقتصادية، الأمر الذي انعكس سلبًا على جميع مناحي الحياة.
وكانت أحدث زيادة على رواتب المعلمين بمناطق سيطرة “الحكومة المؤقتة” في كانون الأول 2022، وبلغت 75%، لكن ذلك لم يوقف الاحتجاجات والمطالب.
وتتشابه حال المعلم المعيشية والاقتصادية في معظم مناطق الشمال السوري، إذ قدّر مكتب تنسيق الأمم المتحدة أن ما يقارب من ربع المعلمين في إدلب لا يتلقون رواتب، ويبلغ عددهم 2380 معلمًا من أصل عشرة آلاف و853 معلمًا، وفق تقرير في تشرين الأول 2023.