عاد اسم الرجل الثاني في “هيئة تحرير الشام” المسيطرة عسكريًا على إدلب، “أبو ماريا القحطاني” إلى الواجهة الإعلامية، عقب الإفراج عنه بعد ستة أشهر من اعتقاله على خلفية ملف “العمالة والاختراق والتواصل مع جهات معادية داخلية وخارجية”.
أفرجت “الهيئة” عنه وبرأته من تهمة “العمالة”، بعد أن جمدت صلاحياته ومهامه، وسلّطت عليه إعلامها الرديف، الذي تقاذفه بالشتائم والكلام المسيء، وطالب بالقصاص منه ومحاكمته، وأطلقت العنان لتسريبات دون نفي أو تأكيد تحمل اتهامات لـ”القحطاني” بالعمالة والتخطيط لانقلاب وتسليم المنطقة للنظام وروسيا.
مسار شائك لحياة عضو مجلس الشورى، ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”، زاده اضطرابًا بيانان من قيادة “تحرير الشام” كانا فاصلين في حياته، فالأول وضعه خلف قضبان الفصيل بعد أن كان في رأس الهرم، والآخر أعاده خارج السجن، وسط توقعات بأن القادم لن يكون سهلًا ومرنًا.
“أبو ماريا” و”أبو الحمزة” هو ميسر بن علي الجبوري القحطاني، الملقب بـ”الهراري” نسبة إلى قرية هرارة العراقية، التي انتقل إليها من قرية الرصيف بعد ولادته فيها عام 1976.
شارك في تأسيس “جبهة النصرة” (“تحرير الشام” حاليًا) في تشرين الأول 2011، بعد ثماني سنوات من عمله داخل تنظيم “القاعدة” في العراق، وصار نائبًا لزعيمها “الجولاني”، ويعد الرجل الثاني في الفصيل.
عمل شرعيًا في “النصرة” و”أميرًا” للمنطقة الشرقية من سوريا مع بداية العمل المسلح عام 2012، وهو حاصل على دبلوم في الإدارة من جامعة “بغداد”، وبكالوريوس في الشريعة، ويُعرف بعدائه لتنظيم “الدولة” الذي يهاجمه باستمرار.
تتلمذ على يد مشايخ أبرزهم “أبو عبد الله المياحي” والشيخ فارس فالح الموصلي، كما أجازه الشيخ عبد الرزاق المهدي، الذي انشق عن “تحرير الشام”، ثم عمل مستقلًا في كانون الثاني 2017.
قبل اعتقاله من “الهيئة”، كان يقود ملف محاربة تنظيم “الدولة”، وغالبًا ما كان يتم تقديمه من قبل أتباع “تحرير الشام” على أنه عالم دين أو شيخ، لكنه قائد ومنفّذ ورجل أعمال أكثر من كونه عالمًا.
ولعب في الفترة ما بين 2014 و2015 دورًا رائدًا كمنظر أيديولوجي يهاجم “متطرفي” تنظيم “الدولة” حتى حصل على لقب “قاهر الخوارج“.
منذ عام 2016، كان “القحطاني” من أبرز المدافعين عن “إصلاح (النصرة) وتوطينها”، ولم يحافظ فقط على عدائه الصريح لتنظيم “الدولة” بل أصبح ناقدًا صريحًا لـ”القاعدة“.
بعد معارك درعا توجه “القحطاني” إلى إدلب، في عملية انتقال غامضة أثارت استغراب كثيرين، لأنه لا طريق بين المحافظتين إلا بالمرور من مناطق سيطرة النظام السوري.
قال ناشطون حينها إن الطريق كان مرورًا بإزرع ثم درعا إلى إدلب، بصفقة توسط فيها أشخاص من دير الزور ودمشق.
في السنوات الماضية، شارك “القحطاني” مع القيادي المنشق عن “الهيئة” جهاد عيسى الشيخ في قيادة “جهد سري” لتوسيع نفوذ “تحرير الشام” في أرياف حلب، من خلال التفاوض والتوسط في ترتيبات مواتية مع الفصائل “المرنة” في “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.
كان “القحطاني” ملازمًا لـ”الجولاني” في مناسبات كثيرة، وكان يصفه في منشوراته بـ”الأخ الشيخ”.
وقال “القحطاني” للصحفي في قناة “فرانس 24” المتخصص في الحركات الجهادية وسيم نصر، خلال زيارة الأخير لإدلب عام 2023، إن “تحرير الشام” ليست لديها مشكلة مع الغرب إنما مشكلتها هي مع روسيا والنظام السوري.
وأضاف أن “تحرير الشام” تحارب تنظيم “الدولة” ونحارب “القاعدة”، وأنه دعا عدة مرات لحل “القاعدة” وبجهد “الهيئة” منع شباب إدلب من دخول هذه التنظيمات.
اتهامات
رغم خروج القحطاني من سجن “الهيئة” لا تزال الشكوك والاتهامات له بـ”العمالة” حاضرة، ومنها ما نشره الشرعى المصري المستقيل عن “تحرير الشام” ، يحيى الفرغلي (أبو الفتح)، والذي قال إنه رفع دعوى مفصلة إلى اللجنة القضائية المختصة بالنظر في قضية “عمالة أبو ماريا”.
وذكر أن الدعوى متضمنة جرائم قتل مباشر وغير مباشر للمجاهدين لصالح “أعداء الدين”، وأنه قدّم للمحكمة أكثر من 30 دليلًا، تتضمن شهادة أكثر من 35 شاهدًا أغلبهم معدّل عند اللجنة، بالإضافة إلى أدلة وقرائن أخرى، لكن اللجنة لم تناقش إلا دليلين فقط من أصل 30، وسمعت ثلاثة شهود من أصل أكثر من 35.
قبل اعتقاله، قال “أبو ماريا القحطاني” في 10 من تموز 2023، إن الأخبار المتداولة عن اتهامات مرة بـ”الإرهاب” ومرة بـ”العمالة” هي محاولة لـ”تقويض البناء وهدم الثقة وتشكيك الناس بحملة المشروع الإسلامي”، حسب قوله.
واعتبر “القحطاني” أنه ليس من المعيب أن “يكشف أهل الإيمان في أحد جيوشهم عينًا للأعداء، وأن تطهير أي جماعة لصفها من فرد تدور حوله شبهات لهو دليل طهر وصدق”.