طرق إثبات فرضية التحقيق الاستقصائي

  • 2024/03/03
  • 3:52 م
الصحفي علي عيد

علي عيد

لجأ أحد الصحفيين السوريين مرة إلى مغافلة موظف في إحدى الدوائر الحكومية، وسرق وثائق بهدف الوصول إلى إثبات فرضية وجود فساد في تحقيق كان يجريه حول نشاط تلك الدائرة، وتسبب الكشف عن هذه السرقة في تلطيخ سمعة الصحفي.

في مرة أخرى، لجأ صحفي في جريدة سعودية إلى التخفي خلال تحقيق لكشف انتشار تجارة وتعاطي المخدرات في أحد أحياء مدينة جدة، وانتهى الأمر بضربه وإصابته بجروح خطيرة مع تكسير الكاميرا التي كان يستخدمها لتصوير المكان، وكاد الصحفي أن يفقد حياته في هذه المخاطرة غير المدروسة.

المثالان السابقان يدفعان للبحث والتفكير في طرق إثبات فرضية التحقيق الاستقصائي، والقواعد المهنية والأخلاقية التي يجب اتباعها.

لا ينتهي العمل الصعب في الصحافة الاستقصائية عند كتابة الفرضية، ووضع محددات الاستقصاء الدقيقة (الفعل “القضية أو الحدث”، والفاعل “المسؤول أو المتسبب”، والمفعول به “الضحايا أو المتضررون”، ثم تأثير المشكلة أو القضية واتساعها وحجمها)، والتوصل إلى “حقائق وافتراضات”، والمطلوب بعد كل ذلك إثبات الفرضية بطرق وأدوات مدروسة.

يتحدث دليل الصحافة الاستقصائية في معهد “الجزيرة للإعلام” عن عشر طرق لإثبات الفرضية قمت بمراجعتها واختصارها مع بعض التعديلات الضرورية وهي:

  • تقاطع المصادر والشهادات من مصادر أولية مختلفة ومستقلة ذات صلة بموضوع الاستقصاء، بحيث تكون متقاطعة وتقدم روايات دقيقة ومتطابقة، على أن يتم تأمين مصدرين أوليين ومعلومين ومستقلين على الأقل لتأكيدها.
    وكجميع معايير التعامل مع المصادر وفق القواعد المهنية في العمل الإعلامي، يجب مقارنة المصادر وتدقيقها، واختبار صدقها، والتأكد من دوافعها لتقديم الشهادة، ومنطقيتها، وأهليتها.
    ولا يجوز انتزاع الشهادات أو أخذها من ضحايا تحت تأثير الصدمة في الكوارث والحروب وغير من الأحداث الصادمة.
    كما يجب تحقيق التوازن في الشهادات من الفاعل والمفعول به وجهات أخرى مستقلة ذات اطلاع وصلة بموضوع الحدث أو التحقيق.
    وتبقى المصادر المجهلة خيارًا أخيرًا، وخلال الضرورات، مثل أمن وسلامة هذه المصادر، وفي حال القدرة على الاستعاضة عنها بمصادر معروفة لا يجب الاستناد إلى مصادر مجهّلة.
    وأضيف أن من أهم القواعد الالتزام بما ورد على لسان تلك المصادر، أو عدم الإفصاح عنها عند الطلب بمبررات وافية، على أن تتماشى مضامينها مع المعايير التي تضمن صحة ما ورد فيها.
  • بناء قواعد البيانات وتحليلها، ويمكن الحصول على البيانات من المصادر المفتوحة، كتلك التي تنشرها الحكومات أو الشركات أو المنظمات، أو غيرها من الجهات المهتمة برصد البيانات والأرقام والميزانيات، مع التأكد من صحة البيانات.

وقد يكون الهدف اكتشاف التضليل أو الخلل في البيانات لأسباب سياسية أو اقتصادية، وهذا غالبًا ما تهتم به صحافة المساءلة وملاحقة وكشف الفساد.
وهناك بيانات من مصادر غير مفتوحة، يتم طلبها من الحكومات أو الجهات الخاصة مثل الشركات أو المنظمات، كما يمكن أن يقوم الصحفي ببناء قواعد بيانات مستندة إلى استطلاعات أو استبانات تستهدف بيئة عينة تتلاءم مع هدف الاستقصاء وفرضيته. وتحتاج عملية جمع البيانات إلى مهارة في قراءة الأرقام والجداول وتحليلها، واستخلاص المعلومات والاستنتاجات المنطقية منها.

  • المسوحات الميدانية، وهي قريبة من طريقة بناء قواعد البيانات، وتصنف على أنها من الضرورات في الصحافة الاستقصائية لأنها توفر أدوات القياس، وتعتبر دليل إثبات شرط الدقة والموضوعية والمنهج العلمي.
  • الأدلة الكتابية، كالوثائق الرسمية الصادرة عن السلطات المسؤولة والمؤسسات والشركات، أو الأوراق والوثائق التي ينتجها الشخص الطبيعي مثل الرسائل الشخصية، والوصايا، والمذكّرات الشخصية.

كما تعتبر رسائل البريد الإلكتروني من الأدلة الكتابية المهمة في الصحافة الاستقصائية. ومن الأدلة أيضًا، قرارات المحاكم القطعية المصدقة والمصرح بنشرها واستخدامها.
ومن الأدلة الكتابية ما لا يمكن اعتباره دليلًا بل قرينة، الأوراق والوثائق غير المصدقة والموقعة، والقرارات غير القطعية وملفات التحقيق في المحاكم ودوائر التحقيق لاحتمال أن تتضمن اعترافات انتُزعت بالقوة.
وتحتاج الجوانب المدعومة بأدلة كتابية تشكل قرينة لا دليلًا إلى وسائل إثبات أخرى تدعم صحة ما ورد فيها.

  • التجربة الشخصية، عبر قيام الصحفي، في إطار ما يسمح له القانون ودون إخفاء الهوية إذا طلب منه ذلك، بعملية فحص الالتزام بالقانون، والكشف عن الفساد أو الأخطاء والانتهاكات، على أن يتم تكرار التجربة للتأكد من سبب المشكلة.
  • التحليل المخبري، عبر الدفع بعينات من ماء أو تربة أو مواد غذائية وسلع إلى مخابر متخصصة ومرخصة وموثوقة، وينطبق الحال على عينات من دم أو بول ضحايا تسمم أو تعرض لمواد خطرة، ويعتبر هذا من الأدلة الدامغة في العمل الاستقصائي، لكنه جزء من العمل يتطلب الربط والتحليل ورأي المتخصصين، مع النزاهة في اختيار العينات المدفوعة للمخابر.
  • الخبرة الفنية، وهي تستخدم في فحص الوثائق أو مضاهاة التوقيع أو تقييم أسعار العقارات أو الأملاك في حال الشك بوجود بيوع تحتمل الفساد، ويجب أن تكون الخبرة المقدمة مدعومة بتقارير بأختام الخبراء وتوقيعهم، مع عدم الاكتفاء بخبير واحد فقط لضمان الاستقلال والنزاهة.
  • التخفي وعدم كشف الهوية الصحفية، وهو إجراء أخير قد يلجأ له الصحفي بعد استنفاد كل الوسائل الممكنة السابقة، بهدف البحث والاستقصاء في قضية تهم الرأي العام، وتخدم الصالح العام.

يشترط في التخفي عدم انتحال شخصية أخرى أو صفة مهنية، أو ارتداء زي رسمي خاص بوظائف كالجيش أو الشرطة أو القضاء.
وعلى الصحفي تحضير خطة طوارئ في حال جرى القبض عليه، أو في حال تعرضه للخطر، وأن يكون قد استبق خطوة التخفي باستشارة محامٍ وتوثيق كل خطوات عمله لتقليل الضرر ما أمكن.
– وتوصي القواعد المهنية الصحفي بأن يكشف ضمن التحقيق الذي ينشره حقيقة التخفي والأسباب والدوافع، مع منح الجهة التي تأثرت بعمله الصحفي حق الرد.
وتطبق شروط طريقة التخفي على استخدام التسجيل السري، عبر الكاميرا أو آلة تسجيل الصوت في أثناء التخفي، أو العمل العادي.
ولا يجوز التسجيل السري في مكان خاص محمي بالقانون، كالمنازل.

  • حشد المصادر وجمع البيانات من خلال الاستعانة بالجمهور، وذلك عبر توجيه سؤال مباشر للجمهور عبر موقع إلكتروني أو مواقع التواصل، وهي طريقة لها محاذيرها، لأنها لا تأخذ بالاعتبار انحياز الجمهور غير المستند إلى معرفة وافية بالقضية التي يتم طرحها في غالب الأحيان، فإذا كان الهدف هو كشف قضايا غامضة أمام الجمهور فهذا يعني بالضرورة أنه ليس على اطلاع على حقائق مؤكدة، أو ليس على علم بطبيعة هذه الحقائق.. وللحديث بقية.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي