عنب بلدي – ريم حمود
ارتفعت مؤخرًا وتيرة عمليات تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، وخصوصًا مناطق شمال شرقي سوريا، وفي الوقت الذي تسجل هذه العمليات أرقامًا قياسية بأعداد القتلى والمصابين، فإن العمليات الأمنية التي نظمتها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لردع التنظيم لم تكن تتناسب مع حجمها.
عمليات التنظيم شمال شرقي سوريا وصلت إلى مراكز المدن التي تسيطر عليها “قسد”، إذ قال التنظيم إنه نفذ هجومين داخل حي الصالحية في مدينة الحسكة، لأول مرة منذ سنوات واستهدف عنصرين من “قسد”، سبقه بنحو أسبوع هجوم مشابه في حي المفتي بالمدينة نفسها، إضافة إلى رمي مجموعة أشخاص قنبلة، في 27 من شباط الماضي، على “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) في القامشلي، دون وقوع إصابات.
منذ بدء تصاعد العمليات في شمال شرقي سوريا، نظمت “قسد” صاحبة السيطرة في المنطقة عمليتين أمنيتين لمكافحة هذا النشاط، إحداهما في مخيم “الهول” والأخرى في مدينة الحسكة”، في ظل إشاعات سابقة نقلتها مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، في 25 من كانون الثاني الماضي، عن مسؤولين أمريكيين لم تسمّهم، أن البيت الأبيض لم يعد مهتمًا بمواصلة المهمة التي يرى أنها “غير ضرورية” في سوريا، وتجري مناقشات داخلية نشطة لتحديد كيف ومتى يمكن أن يحصل الانسحاب.
العمليات ضد “قسد” لم تكن مغايرة لتلك التي ينفذها التنظيم على امتداد السنوات الماضية، لكن كثافتها كانت مختلفة وشملت مناطق بمحافظات لم تسجل فيها هجمات منذ نحو عام، كالرقة والحسكة.
ضغوط من عدة أطراف
حالة عدم التناسب بالرد على الهجمات التي يشنها تنظيم “الدولة الإسلامية” في مناطق شمال شرقي سوريا من قبل “قسد” كانت لافتة للانتباه، وخاصة عند تغلغله بالمدن بعدما كانت الاستهدافات المشابهة تتركز في المناطق الريفية وضواحي المدن وأطرافها.
الباحث في مركز “عمران للدراسات” أسامة شيخ علي، قال لعنب بلدي، إن “قسد” رسمت قواعد اشتباك مع التنظيم، وتتغاضى عن بعض العمليات وفرض الإتاوات التي يطلبها التنظيم من المزارعين في مدينة دير الزور ويطلق عليها التنظيم “الزكاة”، لعدم استفزازه أكثر، ما قد يؤدي إلى خوضه عمليات بشكل أوسع خصوصًا أن البيئة مهيأة بعد الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي و حركة “المقاومة الإسلامية” (حماس)، التي ما زالت مستمرة منذ 7 من تشرين الأول 2023.
غياب ضغط “قسد” على التنظيم له أسباب عدة، منها عدم دفعه نحو تصعيد العمليات في عمق مناطق سيطرتها وخاصة أن الميليشيات الإيرانية مستعدة لتقديم الدعم، الذي يسهم بدوره بالضغط على القوات الأمريكية للانسحاب عبر فتح أبواب أمام التنظيم لإضعاف “قسد”، وفق الباحث أسامة شيخ علي.
ويرى الباحث أن “قسد” تحاول الحفاظ على قواعد الاشتباك وتمتص هذه العمليات لعدم انتقال الفوضى الأمنية لعمق مدينة الرقة من الأطراف الشمالية وأطراف الرقة ومدينة الحسكة، إذ إن الفوضى في حال انتشرت تؤثر بشكل كبير على وجود “قسد” في المنطقة كونها حدودية مع تركيا وممكن أن تستغلها ما يصل إلى خسارة مؤكدة لـ”قسد”.
الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ قال من جهته، لعنب بلدي، إن ازدياد معدل عمليات تنظيم “الدولة الإسلامية” في مناطق سيطرة “قسد” بشكل عام وخاصة في دير الزور، يرجح لخفض “قسد” أنشطتها المتعمد في هذه المناطق.
خفض الأنشطة تضمن تقليص عدد الدوريات التي مهمتها مراقبة تحركات وأنشطة تنظيم “الدولة”، إضافة إلى عدد القوات العسكرية في النقاط المكلفة بأداء عمليات المراقبة، يعود لسببين، وفق الباحث أنس شواخ.
وتابع الباحث أن أول الأسباب لانسحاب “قسد” يعود لهجمات مقاتلي العشائر والميليشيات الإيرانية من جهة مناطق سيطرة النظام السوري في دير الزور، بينما يعود السبب الثاني لتعزيز صفوفها في أقصى مناطق شمال شرقي في مدينة القامشلي ومدينة المالكية شرقي محافظة الحسكة ومحيطها.
وذكر أنس شواخ أن سحب القوات جاء بسبب الهجمات التركية التي تعرضت لها المناطق، مستندًا إلى تقرير إحاطة منذ بداية تشرين الأول وحتى نهاية كانون الأول 2023، صادر عن قوات التحالف الدولي.
ازدياد حدة عمليات التنظيم كان نتيجة طبيعية ومتوقعة منذ أكثر من نحو ثلاثة أشهر بعد انسحاب “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من بعض المناطق بطريقة ممنهجة.
أنس شواخ
باحث في مركز “جسور للدراسات”
“قسد” تحاول لفت النظر
أشار الباحث أنس شواخ إلى أن الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية دفع “قسد” لتحركات يمكن وصفها بـ”الابتزازية” عبر تقليص أنشطتها ضد “التنظيم” لاستعراض قيمتها وأهمية عملياتها الأمنية والقوات الأمريكية في مناطق سيطرتها.
ومن وجهة نظر أنس شواخ، فإنه لا قرار أو نية حقيقية لانسحاب القوات الأمريكي، إذ إن قوات التحالف الدولي موجودة في سوريا لتولي مهمة هزيمة التنظيم الذي ما زال موجودًا وينفذ استهدافات، إضافة إلى وجود مخيمات وسجون تضم عناصر وعوائل عناصر تنظيم “الدولة”، وتعتبر التحدي الأكبر الواجب على أمريكا التفكير فيه قبل الإقدام على أي خطوة للانسحاب من شمال شرقي سوريا.
أما الباحث أسامة شيخ علي فيرى أن “قسد” تستغل عمليات تنظيم “الدولة الإسلامية” للتأثير على الرأي العام الغربي، عبر تخويفه من خطورة استمرارية وجود التنظيم ونشاطه في مناطق شمال شرقي سوريا.
التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” (يضم 86 دولة) ويساعد “قسد” التي يقود مفاصلها قياديون كرد وتضم مقاتلين وفصائل عربية على طرد تنظيم “الدولة” من مساحات شاسعة من الأراضي في شمال شرقي سوريا على مدى السنوات السبع الماضية.
التنظيم ضمن المشهد
حادثة رمي أشخاص قنبلة على “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) في مدينة القامشلي، التي لم تشهد اشتباكات واسعة بالفترات السابقة، لبعد المدينة عن مناطق الاشتباكات، تعتبر مؤشرًا واضحًا من التنظيم على انتظاره اللحظة التي يستطيع من خلالها إعادة ترتيب صفوفه العسكرية وعمليات الحشد لزيادة انضمام العديد من الأشخاص، وخاصة بعد حرب قطاع غزة التي تساعده على موضوع التحشيد الشعبي، بحسب الباحث في مركز “عمران للدراسات” أسامة شيخ علي.
وتابع الباحث أن التنظيم يحاول إظهار نفسه للمكونات المحلية في شمال شرقي سوريا، وما زال في المنطقة، عبر شنه العمليات وطلب الإتاوات من المزارعين في مدينة دير الزور، وأي خلل أمني أو خفض الضغط الأمني سيعود التنظيم، وخاصة بعد الحديث عن انسحاب أمريكي محتمل.
وبحسب ما قاله الباحث أنس شواخ لعنب بلدي، فإن احتمالية أن يكون جزء من معدل ازدياد الاستهدافات من “قسد” مرتبطًا بقرار من “التنظيم” نفسه وارد، وذلك لاستغلاله الحالة الأمنية المعقدة وزيادة نشاطه وتعزيز نفوذه في مناطق شمال شرقي سوريا.
وكانت “قسد” أعلنت، في 27 من كانون الأول 2023، عن أن قواتها تمكنت بدعم من التحالف الدولي من تنفيذ عملية أمنية دقيقة مشتركة ضد من وصفته “أحد أخطر عناصر تنظيم (داعش) الإرهابي”.
وأضافت أن العملية نفذتها في مخيم “الهول” شرقي الحسكة، داخل إحدى الخيام فيه، وتمكنت من القبض على “أبو عبيدة العراقي”، وهو المسؤول عن المخيم في تنظيم “الدولة”.
ارتفاع بالوتيرة
على مدار السنوات الماضية، كان تقدير عمليات التنظيم الأسبوعية ممكنًا، إذ لم تتجاوز 20 استهدافًا أسبوعيًا، وفي أقصى حالاتها كانت 10 منها تقع في مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا.
ومنذ مطلع العام الحالي، تجاوزت عمليات التنظيم حدودها السابقة، إذ أعلن الأخير عن تنفيذ 32 عملية في الأسبوع الأول من 2024، وعاد ليعلن عن 34 عملية خلال الأسبوع الذي تلاه، وتوزعت هذه العمليات بين مناطق سيطرة النظام السوري و”قسد”.
ويرى خبراء أمميون أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يمتلك بين 5000 و7000 عنصر في سوريا والعراق، وأن مقاتليه في أفغانستان يشكلون اليوم أخطر تهديد “إرهابي”، في حين يحاول التنظيم إعادة بناء نفسه وتجنيد أشخاص جدد وتحديدًا من مخيمات شمال شرقي سوريا، بحسب تقرير نشرته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، وكذلك من “المجتمعات الضعيفة” في الدول المجاورة لسوريا.