مهاجمة الرموز التاريخية
إبراهيم العلوش
بعد ساعات من اقتحام متظاهري السويداء، في 28 من شباط الماضي، مقرًا لحزب “البعث”، أعلن الأسد عن تحذيره من مهاجمة الرموز التاريخية!
أسقط المتظاهرون صورة كبيرة لبشار الأسد وكومة من التقارير الأمنية التي يكتبها “البعثيون” بالناس استجابة لترسيخ هيمنة أجهزة المخابرات، التي ترتكب جرائم ضد الإنسانية في سبيل استمرار النظام، ما حدا ببشار الأسد أن يطلق تصريحه بمنع مهاجمة الرموز التاريخية أمام وفد شبابي روسي سوري. وعلى طريقة الرابط العجيب، فهو يربط مهاجمة الرموز التاريخية في السويداء بالحرب الروسية على أوكرانيا بصيغة مصطنعة، ولكنها تمنحه رضا بوتين، المشغّل الثاني للنظام مع الخامنئي.
لكل شعب رموز تاريخية يعتز بها وتمنحه طاقة إيجابية، مثل رمزية غاندي في الهند، ورمزية نلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، ورمزية ياسر عرفات لدى الشعب الفلسطيني، وغيرهم من الرموز التي رسخت مبادئ الحرية والتحرر الوطني وظلت محل احترام محلي وعالمي.
السؤال الذي يطرح نفسه، ما الرموز الوطنية والتاريخية التي يقصدها بشار الأسد، هل صورته الكبيرة، هي الرمز التاريخي التي يجب الحفاظ عليه؟ أم التقارير الحزبية الأمنية التي رماها المتظاهرون من نافذة شعبة الحزب، أم فروع المخابرات التي تحولت إلى نقاط تعذيب وإعدام لمن يحتج على الاستبداد؟
وعلى عكس المعنى الإيجابي للرموز التاريخية، وعلى اعتبار أن بشار الأسد كان استمرارًا للإرث المخابراتي الذي أسسه حافظ الأسد، يمكن اعتبار صورة بشار الأسد رمزًا تاريخيًا للوحشية في سوريا، بالإضافة إلى كونها تجسيدًا للحاكم السوري الذي سلم بلاده للإيرانيين والروس، الذين ينحني أمامهم كلما زاره وفد منهم مهما كان صغيرًا.
بعد سبعة أشهر من الاحتجاجات المتواصلة في مدينة السويداء والاعتصام في ساحة “الكرامة”، خطا المتظاهرون، في 28 من شباط، خطوة جديدة، وهي فرض رقابة على بقايا مؤسسات نظام الأسد وخاصة المؤسسات التي تخضع لإشراف السلطات “البعثية” والمؤسسات الأمنية، التي لم تجلب للشعب إلا الشر، كما قال الشيخ حكمت الهجري متزعم الحراك السلمي في السويداء.
بدأت التحركات الجديدة مع النقاش الذي جرى الأسبوع الماضي في نقابة المهندسين الزراعيين بالسويداء، بين الأصوات الجديدة التي ترفض الرضوخ لإشراف مندوبي “البعث” لانعقاد المؤتمر السنوي للنقابة، وبين نقيب المهندسين الزراعيين الذي يدافع عن حرفية القانون الذي يفرض حضور مندوب حزب “البعث”، وهذا ما أثار المحتجين الذي جاهروا برفض حضور المخبرين وتجار “الكبتاجون” ليكون المؤتمر شرعيًا، وقد تفاقمت الأمور لتصل إلى جرف رموز الفساد التاريخي إلى المزبلة.
وعلى إثر تلك الأحداث، لم ترهب المحتجين إعلانات النظام عن اكتشاف خلايا جديدة لـ”داعش” في محيط السويداء، وهي رسالة تهديد سبق أن اصطنعها النظام وجربها في العام 2018 ولم ترهب أهالي السويداء، الذين يؤكدون أن “داعش” صنيعة النظام ويستقدمها عندما يحتاج إليها.
نقطة أخرى أبرزها استمرار الاحتجاج في السويداء، هي كشف أكذوبة لجان المصالحة بعد قتل المتظاهر السلمي جواد الباروكي الأسبوع الماضي أمام مقرها في صالة “السابع من نيسان”، وكان الشهيد جزءًا من التجمع السلمي لانتزاع حرية التصرف بممتلكات المدينة ومؤسساتها التي تعج بالفساد والنهب العلني، وهكذا تتهشم ادعاءات النظام بالسعي إلى المصالحة، التي تنتهي بالقتل أو بالاعتقال، كما تهشمت قبلها شعاراته حول حماية الأقليات كما تردد وسائل إعلامه. وبعد هذه الحادثة، لا يبقى أمام النظام إلا أن يجرب الحلول الأمنية التي جرّبها على بقية المناطق السورية التي أثبتت فشلها وأفقدته الشرعية.
يستمر الأسد بخطاباته اللطيفة مع الروس والإيرانيين من جهة، وبتهديداته الأمنية ضد السوريين من جهة أخرى، ولا يحصل إلا على المزيد من الفشل ومن فقدان الشرعية التي يحاول نظامه بكل أجهزته استعادتها، ولكنه يفشل أمام إصرار السوريين على التخلص من هذا النظام ومن رموزه التاريخية المتوحشة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :