حول قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد

  • 2024/03/03
  • 11:29 ص
غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

في سياق تعاطي الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع المسألة السورية، التي صار واضحًا أنها تتعاطى معها بمنطق إدارة الأزمة لا حلها، أصدرت حزمة من القوانين بهدف الضغط على النظام السوري للتغيير من سلوكه بهدف إيجاد مخارج وحلول ترقيعية لهذا الصراع، بدأتها بقانون ” قيصر” الذي أصدرته إدارة ترامب أواخر العام 2019، والذي يفرض كما هو معروف عقوبات على الدول والكيانات والأفراد وكل من يقدم دعمًا ماليًا أو تقنيًا أو ماديًا للحكومة السورية أو لأي شخصية سياسية عليا فيها، وكذلك على كل من يعمد إلى توفير السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا أو المعلومات أو أي دعم من شأنه توسيع الإنتاج المحلي في مجالي الغاز الطبيعي والنفط والمشتقات النفطية، بالإضافة إلى الإسهام في مشاريع إعادة الإعمار.

في أواخر العام 2022 أيضًا، أصدرت إدارة الرئيس بايدن ما يعرف بقانون “الكبتاجون”، وهو القانون الذي يهدف أساسًا إلى تطوير استراتيجية منسقة بين الوكالات الفيدرالية الأمريكية لتعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها، المرتبطة بالحكومة السورية أو التي لها علاقة برئيس النظام السوري، بشار الأسد، حيث تعتقد الإدارة الأمريكية أن اتجار الحكومة السورية بـ”الكبتاجون” يمثل “تهديدًا أمنيًا عابرًا للحدود الوطنية”.

مؤخرًا، وتحديدًا في منتصف شباط الماضي، أقرّ مجلس النواب الأمريكي مشروع “قانون مناهضة التطبيع مع نظام بشار الأسد” بتأييد كبير من الحزبين “الجمهوري” و”الديمقراطي”، ما يسهل غالبًا عملية إقراره أيضًا من مجلس الشيوخ ومن ثم تصديق الرئيس عليه وتوقيعه حتى يصبح قانونًا نافذًا.

هذا القانون يهدف، كما يؤشر عنوانه الرئيس، إلى منع أي إجراء رسمي للاعتراف بالعلاقات أو تطبيعها مع أي حكومة سورية يقودها بشار الأسد، ويوسع من نطاق العقوبات المفروضة على النظام والكيانات والأدوات والمؤسسات والشخصيات التي تقدم أي شكل من أشكال الدعم له بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر شركات وهمية أو أطراف ثالثة غير سورية استخدمت كواجهات بهدف الالتفاف على العقوبات، ولتشمل أيضًا، وهي إضافة جديدة على نسق العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر”، كل من يشارك أو يحاول أن يشارك، وهو يعلم، في عمليات الاستيلاء أو المصادرة أو السرقة أو انتزاع الملكية لتحقيق مكسب شخصي أو لأغراض سياسية، للعقارات الموجودة في سوريا أو التي يمتلكها مواطنون سوريون، وكذلك من يشارك أو يحاول أن يشارك، بشكل مباشر أم غير مباشر وهو يعلم، في أي صفقة أو صفقات تخص تلك الممتلكات التي تم الاستيلاء عليها أو مصادرتها أو سرقتها أو انتزاع ملكيتها.

إذًا، لدينا الآن ثلاثة قوانين أمريكية يتم استخدامها وتوظيفها لممارسة الضغوط على النظام السوري بهدف خلق حالة انصياع لديه لمتطلبات إنجاز عملية سياسية ارتسمت خطوطها الدولية منذ بيان “جنيف” والقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن التي رسمت معالم ما يفترض أنها خريطة طريق للسلام في سوريا، فهل حققت تلك القوانين وهل سيحقق القانون الأخير بعد إقراره وإصداره رسميًا هذا الهدف؟

لا يحتاج المرء إلى كثير من الحصافة لاكتشاف أن الهدف لم يتحقق، وأزعم أنه لن يتحقق طالما ليست هناك إرادة أمريكية أولًا ودولية في المقام الثاني لإحداث تغيير جوهري في بنية النظام السوري، يسمح بالاستجابة لمطالب السوريين في التحول الديمقراطي الحقيقي والمأمول، فالإدارة الأمريكية لا تزال تحتاج إلى هذا النظام، بصرف النظر عمّن يقوده، ليس لخدماته الاستخبارية والمهمة في مجال تفكيك المنظومات الجهادية فقط، وإنما أيضًا لكونه من أهم حماة حدود إسرائيل بموجب اتفاقية فصل القوات المبرمة عام 1974، وهو بالتالي لا يشكل أي تهديد على طمأنينة إسرائيل وأمنها، وخاصة في مناطقها الشمالية، وما لم تجد الولايات المتحدة وكل القوى المنخرطة في الوضع السوري بديلًا مماثلًا للنظام بهذا الشأن تحديدًا فلن تتخلى عن هذا النظام مهما قتل أو شرد من سوريين، فسياسات الدول لا تقيم وزنًا إلا للمصالح الاستراتيجية، وليس للعويل والنواح ولا لخرق مواثيق حقوق الإنسان أو وطئها بالبساطير! كما أن هذا النظام واحد من أهم أدوات إطباق “الهلال الشيعي” الذي يتيح لإيران مجالًا حيويًا واسعًا لمصالحها الإقليمية، وهو شيء لا يتناقض أبدًا ولا يتصادم مع المصالح الحيوية الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وإلا ما غضت أمريكا الطرف عن سيطرة إيران على لبنان والعراق وسوريا واليمن ومضيقي هرمز وباب المندب، ولا ميعت قضية اغتيال الحريري التي شكلت مدخلًا لا بد منه للبدء بفرض هذا النفوذ.

قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد ليس، ولن يكون، أكثر من حلقة ضمن سلسلة من القوانين والقرارات والإجراءات، التي تسعى من خلالها الإدارة الأمريكية لتطويع إرادة النظام للامتثال لموجبات حل سياسي هو لا يلبي بالتأكيد ما كنا نأمله أو نسعى إليه، لكنه غالبًا يمثل مدخلًا لصناعة مرحلة انتقالية لا بد من العبور منها لمرحلة التأسيس للجمهورية الثانية، ومن لا يزال يعيش أوهام الحصول على كل ما سعى إليه الثوار ابتداء، فهو مدعو للنظر والتبصر بواقع حال الناس في عموم الأرض السورية أولًا، وفي المناطق التي يزعم أنها “محررة” ثانيًا، ويمحّص في حال معارضتنا المرتهنة ثالثًا، ولا يفوته خلال ذلك أن يراقب هذا اللهاث والتهافت العربي والإقليمي على التطبيع من نظام الإبادة.

ربما لا يروق لنا مشروع للحل من هذا القبيل، لكن عند التبصّر فيما حولنا يمكن أن ندرك أن الموقفين الأمريكي والأوروبي، اللذين لا يزالان يمثلان حائلًا دون إعادة تعويم النظام حتى الآن، هو الجدار الوحيد المتبقي لنسند إليه ظهرنا في حمأة الجنون والتهافت العربي والإقليمي لخطب ودّ سلطة العصابة، وعلينا الاشتغال عليه وتدعيمه واستثماره كما ينبغي لخدمة قضيتنا الوطنية.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي