“تاريخ عالم مدمّر”.. حكاية حزينة لتاريخ سوري

  • 2024/03/03
  • 10:51 ص

في العام 2015، شهدت سوريا كارثة جديدة انضمت للكوارث التي عاشتها البلاد، بإعلان “تنظيم الدولة الإسلامية” نسف آثار تاريخية في مدينة تدمر، وسط سوريا.

في عام 260 قبل الميلاد، نشأت إمبراطورية تدمر، ووصلت في أقصى اتساع لها إلى أرمينيا في الشرق والأناضول شمالًا، ومصر غربًا، وبعض مناطق الجزيرة العربية جنوبًا، وحكمها ملك يدعى أذينة وزوجته زنوبيا، التي حكمت الإمبراطورية من بعده، كوصية على المُلك، نيابة عن ابنها الصغير وهب اللات، وذلك حتى انهيار الدولة على يد الرومان في عام 273 قبل الميلاد.

حكاية تدمر هي واحدة من مئات الحكايات والأساطير حول التاريخ القديم لسوريا، الذي تحدث عنه البروفيسور وعالم الآثار الألماني ميشائل زومّر، في كتابه “تاريخ عالم مدمّر”، ونقلته للغة العربية دار “أطلس”، بترجمة د.نبيل الحفار، ويروي من خلاله تاريخ الممالك السورية منذ العصر الكلاسيكي، أو عصر الإسكندر المقدوني ووصوله للمنطقة، وحتى القرن السابع الميلادي، عندما أصبحت المنطقة المعروفة باسم سوريا اليوم مركزًا للدولة الأموية.

يبدو التاريخ مملًا، خصوصًا لمن لا يحبه، وقد يبدو بلا أهمية في ظل ما تعيشه سوريا اليوم من تفتت وانقسام ومناطق سيطرة ممتدة على كامل الجغرافيا مع احتلالات عسكرية متعددة الشكل، مباشرة أو غير مباشرة.

يشرح زومّر أهمية سوريا السياسية والتاريخية والجغرافية والاقتصادية لآلاف السنوات، وهي أهمية لم تختلف كثيرًا اليوم، مع وجود سوريا في موقع يتوسط القارات الثلاث، آسيا وأوروبا وإفريقيا، وسواحل ممتدة على البحر الأبيض المتوسط، ووقوعها ضمن “طريق الحرير” الصيني، وخطوط نقل الغاز الطبيعي من وسط آسيا ومن الخليج العربي إلى أوروبا.

اسم الكتاب “تاريخ عالم مدمّر”، وهو عنوان يصيب قارئه بالحزن على تاريخ لم تعرفه شريحة واسعة من السوريين، في بلد سرقت آثاره على مدى سنوات وعقود، ثم نسف تنظيم “الدولة” ما لا يمكن نقله، ثم يصل القارئ لمعرفة أين الانتماء في ظل هذا التاريخ الطويل والظروف الحالية.

ربط زومّر هذا التاريخ كله بما وصلت إليه الحال اليوم، في ختام الكتاب المكوّن من 217 صفحة من القطع المتوسط وثمانية فصول، مشيرًا إلى تقسيم سوريا ضمن اتفاقية “سايكس- بيكو” في أعقاب الحرب العالمية الأولى، والسعي الحثيث لبريطانيا وفرنسا لإنشاء دول جديدة بمسميات مختلفة لا تشبه أحدًا من ساكنيها ودون أسس علمية- اجتماعية وسياسية، كان غرضها ألا تقوم لها قائمة بعد تاريخ طويل من الوجود والمساهمة في الحضارة البشرية.

يمكن النظر إلى الكتاب من زاويتين، زاوية تاريخية بحتة تهم الباحثين والأكاديميين ومتخصصي الآثار ومحبي التاريخ وهواة النوع، ونظرة أخرى تبدو حزينة، لكنها كذلك ترتبط ارتباطًا وثيقًا بما يجب أن يعرفه السوريون عن بلادهم، وإمكانية رسم مستقبل مختلف عما يُرسم خلف الأبواب المغلقة في دوائر صنع القرار بعواصم العالم، دون أن يكون للسوريين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والعرقية والدينية دور حقيقي في مستقبل بلادهم المجهول لهم، والمعروف سلفًا للسياسيين.

مقالات متعلقة

كتب

المزيد من كتب