اللاذقية – ليندا علي
تعرض وسام (21 عامًا)، وهو طالب في السنة الثالثة بكلية الهندسة المعمارية بجامعة “تشرين” في اللاذقية، لضغوط كبيرة نتيجة الخلافات المستمرة بين والديه بسبب الظروف الاقتصادية، بينما يحاول الشاب الطموح أن يجعل من تلك الضغوط دافعًا للنجاح والتخرج، ومن ثم الصعود على متن أول طائرة، تقلّه بعيدًا عن بلده المنكوب، على حد تعبيره.
قال وسام الذي يعيش في ضاحية بسنادا بمدينة اللاذقية، إن من المستحيل أن يمضي يوم عليه دون خلاف على النقود بين والديه، وسماع “الموشح” المسائي، “ما عنا شي ناكلو بكرا”، بينما يحاول الشاب الحصول على بعض التركيز لإعداد أحد المشاريع التي تقتضيها دراسته.
الشاب الذي يأخذ مصروفًا يوميًا لا تتجاوز قيمته أجور النقل، لا يتذكر متى آخر مرة اشترى فيها ملابس جديدة، ويحاول تحاشي إظهار الشعور بالخجل من زملائه لارتدائه الملابس ذاتها يوميًا تقريبًا، “بنطال وبلوزة وجاكيت من البالة”، هذا كل ما يملكه، رغم أنه تلقى وعودًا من أهله بشراء ثياب جديدة في موسم الحمضيات، إلا أن كرم العائلة تعرّض لخسائر كبيرة بسبب تدني الأسعار، وبالكاد حصلوا على نقود قليلة استغلوها لشراء مؤونة للمنزل.
ورغم أن الشاب تعلّم التصميم بهدف إيجاد فرصة عمل تساعده، فإنه واجه مشكلة كبيرة لعدم توفر حاسوب (لابتوب)، كما قال، وأضاف أن من “سابع المستحيلات” أن ينجح بتأمين ثمنه الذي يفوق ثمانية ملايين ليرة سورية بالحد الأدنى (الدولار الأمريكي يعادل 14650 ليرة).
تعكس حالة وسام واقع الفقر، والأزمات المعيشية والاقتصادية التي يصارعها المواطن السوري لتأمين أبسط احتياجاته، وتشكل حالته مثالًا على رغبة واسعة بالهجرة لدى شريحة الطلبة، وهذا ما تعكسه الأرقام الرسمية التي تصدر بين فترة وأخرى، عدا عن مشكلات تواجه الطلبة وتستنزف جهدهم ووقتهم وسط واقع تعليمي متردٍ.
دراسة على الشاحن الصغير
نبال (22 عامًا)، وهي طالبة في السنة الرابعة بكلية الهندسة الطبية، تحتضن الشاحن الصغير الذي حصلت عليه العائلة في الإعانة الإغاثية كونها متضررة من الزلزال، وتخفيه بعيدًا عن متناول اليد، فهو وسيلتها الوحيدة للدراسة مساء، بعد أن انتهى العمر الزمني لبطارية المنزل، ولم تستطع العائلة شراء واحدة جديدة، نتيجة سعرها الذي يبدأ من 400 ألف ليرة للنوع الصغير جدًا.
الشابة التي تحاول التركيز والدراسة، قالت إنها تشعر بالخجل الشديد من والدها سائق سيارة أجرة (تاكسي) ووالدتها الموظفة الحكومية، حين تطلب من أحدهما نقودًا لشراء المحاضرات، وتتحاشى مشاركتهما رغبتها بشراء ملابس جديدة، فالوضع لا يسمح، وبالكاد تحصل العائلة على الطعام.
ويبلغ متوسط تكاليف المعيشة في مناطق سيطرة النظام أكثر من 10.3 مليون ليرة سورية، والحد الأدنى لتكلفة المعيشة 6.5 مليون ليرة، بينما يبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية نحو 279 ألف ليرة.
العمل مع الدراسة
تدرّبت “سامية” (اسم مستعار)، طالبة بكلية الهندسة المعلوماتية بجامعة “تشرين”، على مهنة تزيين الأظفار، حتى أتقنتها وبدأت العمل بها، حيث تعاقدت مع عدة صالونات تجميل في مدينة اللاذقية، تأتي إليها عند الطلب أو بناء على مواعيد محددة مسبقًا.
المردود الجيد للمهنة ساعد “سامية” على إتمام دراستها، كما قالت، وذكرت أنه لم يتبقّ لها سوى سنة واحدة للتخرج، وبمجرد أن تحصل على شهادتها، ستسافر إلى العراق للعمل بمهنتها الجديدة، بعيدًا عن اختصاصها الجامعي كمرحلة أولى.
وأضافت “سامية” أن خططها تشمل السفر إلى العراق أولًا، وادخار الأموال الكافية للسفر إلى أوروبا، فربما تمتلك هناك فرصة العمل بمجال تخصصها، ففي سوريا لن تستطيع العمل بها لأن المردود سيئ للغاية ولا يكفي متطلبات الحياة.
ولا تخفي الشابة شعورها بالحزن، خصوصًا أنها دخلت التخصص الجامعي الذي تحبه، لكنها لم تكن تعتقد أن تصل بها الحال وهي جالسة عند أقدام الفتيات لتزين لهن أظفارهن.
ويواجه الطلاب في سوريا عمومًا تحديات كبيرة، مثل التقنين الكهربائي، والفقر، والضغوطات النفسية الناتجة عن عجز الأهالي عن تأمين مستلزمات أبنائهم من الطلاب.
كما يضطر كثير من الطلاب إلى التغيب عن جامعاتهم أحيانًا، نتيجة عدم توفر المال الكافي لأجور النقل، التي قد تصل إلى ثمانية آلاف ليرة يوميًا في حال كان الطالب يعيش بالريف، ويزداد الضغط أكثر على العائلات التي تضم ابنين أو أكثر يدرسون في الجامعة.
وباتت هجرة الكفاءات في سوريا ظاهرة تتفاقم مع مرور الأيام، خاصة الأطباء، وقال الدكتور في مستشفى “التوليد الوطني” خبات يوسف، لصحيفة “الوطن” المحلية، إن أغلب الأطباء الخريجين مستعدون لبيع ممتلكاتهم العقارية من أجل السفر.
وفي نيسان 2023، ذكر موقع “Global Economy“، المختص بدراسة الآفاق الاقتصادية للبلاد، أن سوريا تصدّرت الدول العربية في هجرة الكفاءات إلى الخارج عام 2023 بمعدل 8 من 10 نقاط.