يحلم كل من يقطن المخيمات في الشمال السوري بالانتقال من خيمته التي رافقته لسنوات إلى بيت له جدران، يقيه برد الشتاء وحر الصيف، إلا أن بعضهم بات مؤخرًا لا يفضّل الانتقال إلى منازل أسمنتية، بسبب غياب المساعدات الإنسانية عنها، ومنهم من فضّل العودة إلى الخيام التي كانوا يتلقون فيها مساعدات شهرية.
ويسكن شمال غربي سوريا 4.5 مليون شخص، منهم 4.1 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.3 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 2.9 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.
حسين عمايري، فلسطيني مهجر منذ 2018 من مخيم “اليرموك” إلى الشمال السوري، انتقل مؤخرًا إلى مسكنه الجديد في قرية حيفا الكرمل السكنية بمنطقة كللي شمالي إدلب، بعد أن مكث خمس سنوات في خيمته المتواضعة في مخيمات جنديرس بريف عفرين شمال غربي حلب.
في حديثه مع عنب بلدي، قال حسين عمايري، إن المساعدات الشهرية لم تنقطع عن مخيمهم في منطقة جنديرس طيلة السنوات الماضية، بينما في قرية حيفا الكرمل لم يتلقَّ أي نوع من المساعدات منذ قدومه للقرية قبل عام.
وذكر أن القرية تفتقد أغلب الخدمات الإنسانية، فلا يوجد مركز صحي ولا مدرسة ولا دعم للمياه والخبز والقسائم الغذائية، إضافة إلى غياب خدمات النظافة بعد انتهاء عقد إحدى المنظمات الداعمة لهذا القطاع.
وأضاف حسين أنه كان يأمل أن يتحسن وضع عائلته في القرية، لكن الوضع المعيشي في تردٍ مستمر، لافتًا إلى أنه يعمل على “بسطة” صغيرة أمام الكتلة السكنية يبيع فيها الفلافل كمصدر دخل، وقدّم طلبات عديدة للمنظمات من أجل دعمه بمعدات تساعده على تحسين مهنته، لكن دون جدوى.
فيما فضّل محمد رأفت من سكان قرية حيفا الكرمل العودة إلى خيمته في جنديرس، وقال إن المبنى طابقي لكنه رديء من ناحية البناء، ويبعث على الخوف الدائم بأن يسقط، كما أن العائلات تسمع كل ما يتحدث به الجيران، نتيجة عدم وجود عزل حقيقي للجدران.
وأضاف محمد أن خيمته كانت مزينة ومصممة كأنها حديقة، وتوجد مساحة متباعدة بينها وبين الجيران، وهذا ما افتقده في القرية السكنية، إضافة إلى غياب المساعدات، مشيرًا إلى أن القرية لا توجد فيها مقومات الحياة الأساسية، فلا فرص عمل ولا مساعدات ولا خدمات.
وازداد مؤخرًا نشاط المنظمات الإنسانية في بناء الكتل السكنية الحجرية كسكن بديل للنازحين القاطنين في المخيمات، وخصوصًا بعد العواصف التي ضربت مناطق شمال غربي سوريا، والتي كانت لها نتائج كارثية على قاطني الخيام، لكن ذلك أبعد معظمهم عن تلقي المساعدات الغذائية والإغاثية.
الأكل أهم من السقف والجدران
خالد عطاوي مهجر من جنوبي حلب انتقل مؤخرًا إلى كتل سكنية في جبل كفركرمين غربي حلب، قال إن ما يميز الكتل السكنية هو سكنه مع أقربائه وشعوره أنه في قريته.
ورغم ذلك، فالقرية الجديدة التي يسكنها خالد في تجمع “النور” بجبل كفركرمين تعاني غياب المساعدات الإنسانية، فلا يوجد سوى بناء أسمنتي بمساحة 40 مترًا للعائلة الواحدة.
وأضاف أنه من المتعارف عليه أن الكتل السكنية بعد تجهيزها وسكن الناس بها، تحتاج لمدة سنة كاملة لكي تدخلها المنظمات وتقدم المساعدات لها، الأمر الذي أرهق الكثير من سكانها بسبب تلقيهم مساعدات سابقة في المخيمات التي انتقلوا منها، والذي جعلهم يفضلون العودة لها، فالأكل والشرب بنظرهم في ظل وجود الخيمة أهم من بيت “بيتوني”، وفق خالد.
ويتفق مع وجهة النظر هذه خلف الحسن الذي يقطن في نفس التجمع السكني في كفر كرمين، قائلًا إنه انتقل من مخيم في منطقة كفر يحمول، وكان يتلقى مساعدات شهرية، فيما لا يتسلم أي نوع من المساعدات في سكنه الجديد رغم مرور عدة أشهر له فيه.
وذكر أن الوضع المعيشي يزداد صعوبة يومًا بعد يوم، في ظل انتشار البطالة والغلاء الكبير في الأسعار، فقد باع عدة آليات وممتلكات من أجل تأمين متطلبات الحياة الباهظة، وليس له أمل سوى العودة لبلاده، وإلى الآن وبعد عدة سنوات من النزوح لم يشعر يومًا بالاستقرار، وفق ما قاله لعنب بلدي.
قرية “أجيال”
تسبب الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية في 6 من شباط 2023 بتأثر أكثر من 376 ألف مدني، منهم 51 ألف شخص ما زالوا يقيمون في مخيمات ومراكز الإيواء، وفي الوقت نفسه هناك عائلات بالفعل بدأت تسكن في بيوت سكنية بنتها منظمات إنسانية، وفق إحصائية لفريق “منسقو استجابة سوريا” العامل في المنطقة.
وتسلمت نحو 40 عائلة من مختلف المناطق التي ضربها الزلزال منازل سكنية في قرية “أجيال” بمنطقة البردقلي شمالي إدلب، حيث بنت منظمة “إنسانية من أجل العالم” القرية، بهدف التخفيف عن الأطفال وطأة الحرب والزلزال، ويوحي تصميمها أنها مخصصة للأطفال، وتتوسطها حديقة مليئة بألعاب الأطفال.
السبعيني رجب الحسين يشتكي من غياب المساعدات عن القرية، فهي تفتقد كل أنواع المساعدات الإنسانية على حد قوله، ولا يوجد فيها مياه ولا مدرسة ولا محال تجارية، ولا مساعدات غذائية أو تدفئة، ومعظم الأطفال يخرجون للمخيمات المجاورة للدراسة وبظروف جوية صعبة، كما أن حالة الطرقات خارج القرية سيئة جدًا، فالمكان يعج بالمخيمات العشوائية.
وقال رجب لعنب بلدي، إنه يعاني أمراضًا مزمنة مع زوجته، وفقدا عددًا من أحفادهما وأولادهما في الزلزال، ويضطر للذهاب بدراجته النارية لجمع الكراتين من أمام المحال التجارية في المنطقة وبيعها، لشراء متطلبات المعيشة والأدوية اللازمة لهما، مشيرًا إلى صعوبة الوضع المعيشي، وإرهاقه بتأمين متطلباته اليومية بسبب ضعف جسده نتيجة التقدم بالعمر.
أفضل من الخيمة
عبد السلام النايف، أحد المتعهدين في مشاريع بناء الكتل السكنية قال لعنب بلدي، إن البيوت الأسمنتية التي بنيت مؤخرًا أفضل من الخيام، لأن الخيام بحاجة إلى تبديل عوازل وشوادر بشكل دائم، ولكن من مساوئ الكتل أن مساحتها صغيرة وأحيانًا لا تلبي حاجة العائلات كبيرة العدد.
وأضاف أن المنظمات المانحة تبحث عن بناء أكبر عدد من المنازل الأسمنتية وبأقل التكاليف ولو على حساب الجودة، وأعطى مثالًا أن المنازل الأسمنتية باتت أشبه بالمدن بجانب المدن الرئيسة في الشمال السوري، خاصة في المناطق الحدودية بالقرب من تركيا، وتشكلت مجتمعات جديدة، وهي بحاجة إلى جميع أنواع الخدمات والمساعدات الإنسانية.
ويعاني معظم القاطنين شمال غربي سوريا من تردي الأوضاع المعيشية، ووصل حد الفقر المعترف به إلى 9314 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع إلى 6981 ليرة تركية.
ووصلت نسبة البطالة إلى 88.74% بشكل وسطي (مع اعتبار أعمال المياومة ضمن الفئات المذكورة)، بينما يبلغ الحد الأدنى للرواتب في إدلب حيث تسيطر “الإنقاذ” وأرياف حلب حيث تسيطر “الحكومة المؤقتة” بين 1140 و1500 ليرة تركية (الدولار 31 ليرة تركية).
–