عاشت لجين (اسم مستعار) قلقًا كبيرًا امتد لنحو نصف شهر، وهي تفكر بكيفية الحصول على راتبها من أحد منصات البث المباشر حيث تعمل، بعد أن وصلت قيمة الدعم الذي حصلت عليه إلى 3800 دولار أمريكي، إذ عادة ما تستلمه باليد في الشارع.
وقالت الشابة البالغة من العمر 24 عامًا، وتعيش في أحد الضواحي الشعبية بمدينة اللاذقية، إنها تستلم المبلغ بالليرة السورية، وتجاوزت قيمته هذه المرة 40 مليون ليرة، لم تكن تدري كيف ستحملها وتحضرها للمنزل، وسط مخاوف من تعرضها للسرقة أو الاحتيال من قبل مسلم النقود.
كما أنها لن تستطيع إحضارها إلى منزلها، تجنبًا لمعرفة أهلها الذين لا يعلمون مقدار ما تتقاضاه شهريًا.
حين جاء الموعد المحدد للتسليم، مطلع شباط الحالي، طلبت لجين من مُسلم النقود أن تستلم المبلغ في سوق الذهب، ودخلت إلى أحد محال الصياغة اشترت بجزء منه ذهبًا، وتركت مبلغًا يكفي مصاريفها ريثما تحصل على راتبها للشهر المقبل.
سجلت قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي انخفاضًا كبيرًا منذ عام 2011، ما جعل من أكبر فئة نقدية سورية (خمسة آلاف ليرة سورية) في الأسواق اليوم تساوي أقل من نصف دولار واحد، بينما كانت قيمة أكبر فئة مطروحة مطلع 2011 (ألف ليرة سورية) تعادل نحو 20 دولارًا أمريكيًا.
الوزن بديلًا عن عد النقود
يلجأ العديد من الباعة لاستخدام الميزان لعد النقود، وبات من المتعارف عليه استخدام تلك الطريقة، إذ تزن الورقة النقدية الواحدة من أي فئة كانت غرامًا كاملًا، وبالتالي تختصر هذه الطريقة الوقت اللازم لعد النقود يدويًا، كما قال صاحب أحد محال الذهب في مدينة جبلة، لعنب بلدي.
صاحب المحل أشار إلى أن هذه الطريقة في عد النقود غير دقيقة تمامًا، إذ قد يزداد الوزن قليلًا بسبب الرطوبة، إلا أن مقدار الزيادة يكون أجزاء من الغرام لذا يمكن ملاحظة السبب استنادًا إلى مقدار زيادة الوزن.
وبينما يستخدم تلك الطريقة من يبيع مواد تستلزم وجود ميزان، لا يستطيع اتباعها أصحاب المحال الأخرى، مثل الملابس والأحذية، والذين يمتلك غالبيتهم آلة خاصة لعد النقود، تعمل على البطارية غالبًا بسبب التقنين المستمر للتيار الكهربائي.
وفي أحد محال الأحذية في سوق هنانو بمدينة اللاذقية، كانت لمى (29 عامًا) موظفة لدى إحدى مؤسسات الدولة، تشتري حذاء بلغ ثمنه 240 ألف ليرة، وحين همّت بعد النقود، طلب إليها صاحب المحل أن تذهب معه إلى محل جاره صاحب الألبسة، حيث اشتريا معًا آلة لعد النقود يستخدمانها سويًا، لسهولة التعامل مع الزبائن وعدم قضاء الوقت بعد النقود، خصوصًا حين تكون من فئات أقل مثل 500 أو 1000 ليرة.
ويشكل حجم الأموال عبئًا على شركات الحوالات، وغالبًا ما يتعرض زبائنها لحالات غش، حيث يكتشفون أن مبلغ الحوالة ناقص بعد أن يصلوا منازلهم ويعدون أموالهم.
رفض للعملات القليلة
يبدي الكثير من أصحاب المحال التجارية استيائهم حين يكون الدفع بفئات نقدية قليلة، ويفضل غالبيتهم الحصول على نقود من فئة الـ5000 ليرة.
علي (38 عامًا) موظف في القطاع الخاص، يقيم في مدينة اللاذقية، حصل على راتبه شهر كانون الثاني الماضي من فئة الـ1000 والـ2000 ليرة، وحين استخدم فئة الـ1000 ليرة لشراء مستلزمات من محل تجاري يجاور منزله بقيمة 238 ألف ليرة، تأفف صاحب المحل ولم يقبل البيع، ليغادر علي المكان دون أن يشتري بعد أن كاد الخلاف يتطور لدرجة التشابك بالأيدي والصراخ.
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، علي كنعان، قال في تصريحات لإذاعة “شام إف إم” المحلية، في كانون الثاني الماضي، إن الواقع الاقتصادي في سوريا يحتاج لطرح فئات نقدية أعلى من 10 آلاف ليرة، لتلبية نظام المدفوعات في الاقتصاد المحلي.
واقترح الخبير، إصدار عملة من فئة الـ100 ألف ليرة سورية، مشيرًا إلى أن إصدارها لن يؤثر على قيمة العملة التي ترتبط بالإنتاج وليس بالأوراق المالية، وقال إنه بحال شراء منزل أو بضاعة بقيمة 5 مليارات، فإن المشتري بحاجة لسيارات حتى ينقل الأموال.
وتعد ثقافة التعاملات البنكية في سوريا “شبه غائبة”، بسبب القوانين التي تفرضها حكومة النظام، كسقف سحب يومي محدد من جهة، وتدهور قيمة الليرة من جهة أخرى، ما سيؤدي إلى خسارة قيمة المال في حال الاحتفاظ به في البنوك بعملة متعرضة باستمرار للانخفاض.
كما تعتبر بعض التعاملات الإلكترونية في هذا السياق غير متاحة، نتيجة لغياب البنية التحتية والبرمجية، وسط مشكلات شبه يومية يعانيها المقيمون في سوريا تتعلق بضعف وصول الكهرباء والإنترنت.
اقرأ أيضًا: تُنقل بالشاحنات.. تعاملات الليرة تربك السوريين دون حلول