الفرضية في الصحافة الاستقصائية
علي عيد
يجد معظم الصحفيين، بمن فيهم صحفيون ذوو خبرة، صعوبة في كتابة فرضية استقصاء صحفي، والسبب أن هذا النمط من العمل الصحفي يلامس أنماط البحث العلمي في مفهومه وأدواته، ويتقاطع معها في كثير من الجوانب، كما أنه يحتاج إلى فهم عميق للموضوع المطروح، مع عدم استسهال في كتابة الفرضية، ما يخرجها عن هدفها، ويضيع الهدف الأساسي من التحقيق.
وليس عيبًا مهنيًا أن تسقط الفرضية، أو تتغير، لكن العيب المهني هو أن تُكتب بطريقة عشوائية، أو ألا تضع محددات الاستقصاء الأساسية بدقة، وهي الفعل (القضية أو الحدث)، والفاعل (المسؤول أو المتسبب)، والمفعول به (الضحايا أو المتضررون)، ثم تأثير المشكلة أو القضية واتساعها وحجمها.
بناء على ما سبق، يسمي بعض الدارسين الفرضية “دستور التحقيق”، ويؤكدون أن أفضل التحقيقات هي تلك التي تستند إلى فرضية جيدة.
من النصائح المفيدة للصحفيين في كتابة فرضيات القصص الاستقصائية، الابتعاد عن الطروحات الفضفاضة، وتحديد زاوية معينة وواضحة، كما يجب أن تكون قصيرة، نحو سطرين أو ثلاثة أسطر بحد أقصى، وهو ما يشير إليه دليل “التحقيق المبني على القصة: دليل للصحفيين الاستقصائيين”، الذي وضعته مجموعة من المتخصصين على رأسهم مارك هنتر، أحد أهم المنظرين للصحافة الاستقصائية.
تقديم فرضية تقول فيها، “أريد التحقيق في الفساد”، يعتبره الدليل اقتراحًا غير جيد، لأن الفساد موجود في كل مكان بالعالم، وعندها ستواجه فرضيتك بالرفض، لكن، “إذا قلت بدلًا من ذلك: “لقد دمر الفساد في النظام المدرسي آمال الآباء في أن يعيش أطفالهم حياة أفضل”، وأن لذلك آثارًا مدمرة على مجموعتين على الأقل من الناس، الآباء والأطفال، فإنك تحكي قصة محددة، وهذا أكثر إثارة للاهتمام، وهي فرضية غير مثبتة بالعموم، وتحتمل الصواب والخطأ، وهنا يتعين عليك الحصول على الحقائق.
من هذا التحديد، ننطلق إلى القول إن الفرضية تتكون من “حقائق وافتراضات”. الحقائق: هي معلومات قوية ومؤكدة وموثقة.
الافتراضات: هي المعلومات التي لم يتم تأكيدها بعد، ويعمل الصحفي على إثباتها أو دحضها.
ينصح الدليل أولًا بوضع الفرضية، ثم فصل مصطلحاتها، والوصول إلى الأسئلة التي يولدها كل مصطلح.
فإذا كانت الفرضية، “لقد دمر الفساد في النظام المدرسي آمال الآباء في أن يعيش أطفالهم حياة أفضل”، ينبغي تجزئة مصطلحاتها إلى الآتي:
الفساد:
- ماذا نعني بالضبط بكلمة “الفساد”؟
- الرشى والمحسوبية في التوظيف؟
- كيف يتم ذلك في المدارس، إن وُجد أصلًا؟
النظام المدرسي:
- أي نوع من المدارس، كم عددها؟
- هل الفساد يعمل بنفس الطريقة في كل منها؟
- ما القواعد التي من المفترض أن تمنع الفساد؟
- لماذا لا تنجح هذه القواعد؟
- ما الأنواع المختلفة من الأشخاص الذين يعملون في النظام، وكيف يتم توزيع السلطة والمكافآت بينهم؟
حطمت آمال الآباء:
- من الآباء الذين عانوا الفساد؟
- ما آمالهم؟
- كيف اعتقدوا أن التعليم يساعد على تحقيق تلك الأحلام؟
يعيش أطفالهم حياة أفضل:
- هل الأطفال على علم بما يحدث؟
- هل التعليم حقًا يجعل الحياة أفضل للأطفال؟
- كيف؟
هذه مجموعة من مزايا وفوائد كتابة الفرضية، بالاستناد إلى آراء متخصصين، وكذلك دليل هنتر ومجموعته:
- تمنحك شيئًا للتحقق منه، بدلًا من السعي وراء سر مجهول.
- تزيد من فرصك في اكتشاف الخفايا.
- تسهل إدارة مشروعك.
- تمكنك الفرضية من تنظيم عملك والقيام به دون فوضى في المرات المقبلة.
- تضمن تقديم قصة، وليس مجرد كتلة من البيانات.
- تسهل جمع البيانات وجمع وتنظيم الحقائق والأدلة الجديدة وتحليلها.
- الحفاظ على السيطرة على التحقيق وإدارته بفعالية.
- تساعد في التركيز والدقة ووضع حدود وأهداف التحقيق.
- تساعد في التوصل إلى حلول في حالة ظهور المشكلات.
- تساعد في تسويق الفكرة للآخرين.
- تساعد على وضع الميزانيات.
- تساعد على الانضباط والتحكم في الوقت والموارد.
- تساعد في تحديد مصادر التحقيق.
تبقى الفرضية قابلة للتغيير، وهو ما يتطلب المرونة من الصحفي لتعديلها، وعليه ألا ينساق إليها إذا ظهرت معلومات تناقضها، فهي في النهاية “خدعة عقلية”، يمكن في حال فشلها العودة إلى نقطة الصفر وكتابتها من جديد.
على الصحفي ألا ينسى أنه يقدم في النهاية قصة، يسعى من ورائها للتغيير، وعليه أن يقدم القصة من لحظة ما قبل حصول الفساد أو الانتهاك أو الظاهرة، والهدف هو فهم خلفياتها، ثم النظر إلى واقعها الحالي، ولا يكتفي الصحفي بذلك، فالمطلوب منه أن ينتقل إلى مستقبل القصة المحتمل، بناء على المعطيات وآراء الخبراء، والتحليلات الرقمية والبيانات المتوفرة بين يديه.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :