عنب بلدي – رزام السوادي
تواجه نساء في محافظة إدلب صعوبات وضغوطات مجتمعية في حال قررن إجراء عملية إجهاض للجنين.
وتأتي هذه الضغوطات من الأقارب أو الجيران وحتى الأطباء، رغم حاجة السيدة في بعض الحالات لإجراء العملية.
ويرى البعض أن الإجهاض محرم شرعًا في الإسلام وأديان أخرى، ولا ينطبق هذا فقط على إدلب، بل على دول عديدة تجرم فيها عمليات كهذه، باعتبارها عملية قتل روح.
وترى عدة منظمات وجمعيات حقوقية داعمة للصحة الإنجابية، أن الإجهاض هو قرار يخص صحة المرأة، وهي وحدها من تقرر وجوب القيام به أم لا.
ومن جانب آخر، يتعرض الطبيب للمساءلة والمحاسبة القانونية، والاتهامات الاجتماعية من الوسط المحيط، في حال أجرى عملية من هذا النوع، لذا يفضّل بعض الأطباء عدم المجازفة بإجرائها ويكتفون بالرفض، وهو ما يخلق مشكلة الإجهاض غير الآمن، إذ تتجه النساء لأساليب قد لا تكون صحية، خاصة إن كانت من دون استشارة الطبيب، أو يقمن بإجرائها ضمن مكان أو عيادات غير مخصصة أو غير معقمة.
“أنا لا أشارك بجريمة”
قررت “سهاد” (اسم مستعار لأسباب اجتماعية) بالاتفاق مع زوجها عدم الإنجاب لفترة، كون تجربة الحمل الأخيرة عرضتها لهبوط بالمشيمة وفقر الدم، كما أصيبت بمرض الضغط طيلة فترة الحمل.
في حديث لعنب بلدي قالت “سهاد” (24 عامًا)، إنها كانت تود التوقف عن الحمل لمدة خمس سنوات على أقل تقدير، خاصة أنها أنجبت طفلين وهي لا تزال في الـ24 من العمر.
وتفاجأت عندما علمت بأنها حامل في أسبوعها الأول، خلال زيارتها إلى الطبيبة النسائية لتحديد وسيلة منع الحمل.
لم تُرِد سهاد طفلًا في ذلك الوقت، لأن طفلتها الأخيرة كانت لا تزال صغيرة، إضافة إلى أن الحمل اتسم بالضعف، وفق ما قالته الطبيبة لها.
ومع أن الطبيبة أخبرتها بضعف الحمل وإمكانية سقوطه في أي لحظة، فإنها رفضت إجهاض الجنين، وأنّبت “سهاد” بعبارات قاسية “ولا رحمة فيها” على حد وصفها، مثل، “ستقتلين روحًا، وأنا لا أشارك في جريمة”، معتبرة الإجهاض “حرامًا”.
كلمات الطبيبة أشعرت “سهاد” بالخوف من أنها إن استمر الحمل قد تتعرض لخطر ما يهدد صحتها أو يزيد آلامها.
سعت السيدة للحصول على حبوب تساعد في الإجهاض من إحدى جاراتها، وذلك بعد أن رفض الصيادلة بيعها تلك الحبوب، وخلال 10 أيام كان كل شيء قد انتهى وبأقل الأضرار، بحسب قولها.
تزوير تقرير طبي
إنصاف (43 عامًا) مهجرة من دمشق، كانت تستعد لتجهيز ابنتها ذات الـ18 عامًا لتزفها عروسًا خلال أشهر قليلة، ومن ثم جاء خبر حملها ليشتت حياتها.
لم تتقبل إنصاف فكرة مواجهة المجتمع بخبر حملها، أو حتى مواجهة نفسها، من جهة بسبب عمرها الذي تجاوز الـ40، ومن جهة أخرى زفاف ابنتها، وقالت “كيف راح يكون شكلي قدام الناس”.
رفضت القابلة وصف حبوب الإجهاض لها، لأن الحمل كان طبيعيًا ولا توجد فيه مشكلات، لكن مشكلة إنصاف لم تكن مع خطر الحمل، بل بنظرة المجتمع إليها، وعدم استعدادها نفسيًا لاستقبال خبر كهذا.
لجأت في البداية لوصفات الأعشاب المغلية كالقرفة والزنجبيل والبردقوش، إذ تعتقد النساء أن تناولها بكميات كبيرة في أثناء فترة الحمل يسبب الإجهاض أو الولادة المبكرة، وانقباض في الرحم، إلا أنها تعرضت لنزيف دون أن يحدث إجهاض.
استطاعت إنصاف لاحقًا الحصول على ورقة بيضاء من أحد مستشفيات التوليد في إدلب وعليها ختم رسمي، وكتبت ابنتها الوصفة لتتمكن من شراء الدواء من الصيدلية، وحدث الإجهاض بعدها بأسبوع، دون أعراض جانبية خطرة على حد قولها.
حالات الإجهاض
تحدثت عنب بلدي مع الاختصاصية بالأمراض النسائية والتوليد الدكتورة خولة الشيخ، لمعرفة الحالات التي يجري فيها الطبيب عملية الإجهاض.
قالت الشيخ، إن إنهاء الحمل يجري الاستطباب فيه مع وجود تهديد لحياة المرأة، مثل الأمراض القلبية أو قصور الكلى، وأمراض مزمنة أخرى تتفاقم في أثناء الحمل.
ولا يقتصر إنهاء الحمل على حالة المرأة، إذ يجب أن تؤخذ حالة الجنين بعين الاعتبار، كأن يكون الجنين مشوهًا بشكل لا يسمح له أن يبقى على قيد الحياة بعد الولادة، مثل انعدام الجمجمة وحالات أخرى.
ويرفض الطبيب عملية الإجهاض إذا كانت حالة الأم والجنين جيدة، ولا يوجد أي سبب يستدعي إنهاء الحمل.
حكم الإجهاض والقانون
في مناطق سيطرة حكومة “الإنقاذ”، المظلة السياسية لـ”هيئة تحرير الشام”، يجري الاعتماد على ما يشرعه الفقهاء ورجال الدين.
وحسب دار “الإفتاء المصري“، اتفق الفقهاء على أنه إذ بلغ عمر الجنين في بطن أمه 120 يومًا، وهي مدة نفخ الروح فيه، فإنه لا يجوز إسقاط الجنين، ويحرم الإجهاض قطعًا في هذه الحالة.
أما إذا لم يبلغ عمر الجنين في بطن أمه 120 يومًا، فاختلف الفقهاء في إطلاق الحكم، إذ قال بعضهم إنه محرم، وهو المعتمد عن المالكية والظاهرية، وبعضهم قال بالكراهية مطلقًا، وهو رأي بعض المالكية، وقسم آخر قال بالإباحة عند وجود عذر، وهذا رأي بعض الأحناف والشافعية.
وجاء في حكمه النهائي بالاستناد إلى عدة آراء، أن إجهاض المرأة، في حال كان الحمل يشكل خطرًا عليها، مباح بغض النظر عن عمر الجنين.
أما بالنسبة للقانون السوري، فيعتبر جريمة تعاقب عليها الأم وكل من ساعدها من أطباء وصيادلة، أو شخص آخر.
وتختلف مدة العقوبة من حالة لأخرى، إذ تسجن الأم التي قامت بإجهاض نفسها بالحبس من 6 أشهر إلى ثلاث سنوات، ومن أقدم بأي طريقة كانت على إجهاض المرأة وبرضاها يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات أيضًا، وتختلف مدة العقوبة في حال وفاة المرأة وقد تصل إلى 10 سنوات.
ولكن القانون السوري أوجد عذرًا مخففًا من العقوبة للمرأة أو من ساعدها على القيام بعملية الإجهاض، وهذا العذر هو إجراء عملية الإجهاض لـ”المحافظة على الشرف”، ففي هذه الحالة تستفيد المرأة ومن أسهم معها بعملية الإجهاض من العذر المخفف، سواء كان الإجهاض برضا المرأة أو من دون رضاها.
وفرض القانون السوري شروطًا قاسية على الأطباء في حالة القيام بعملية الإجهاض للضرورة القصوى، وذلك في حال كان الجنين يشكّل خطرًا على حياة الأم، بحسب ما قاله المحامي علي العمر في حديث سابق لعنب بلدي.
“الإجهاض قرار شخصي”
قال الاختصاصي الاجتماعي والتربوي الحاصل على الدكتوراة بعلم الاجتماع فادي رجب لعنب بلدي، إن المرأة تضطر لإجراء عملية الإجهاض لأسباب قد تكون صحية، لكن لجوءها للإجهاض غير الآمن يكون سببه اجتماعيًا بنسبة 80%.
تلعب أيضًا طبيعة المنطقة التي تعيش فيها المرأة دورًا بتحديد قراراتها ومنها المتعلقة بالإجهاض، مع أنه قرار شخصي لا يجوز أن يتدخل فيه أحد سوى السيدة وزوجها.
ويأتي قرار الإجهاض أيضًا لوجود حمل لا يتعذر على المرأة والرجل تحمل مسؤوليته، بعد علاقة جنسية لم يأخذا بعين الاعتبار ما سينتج عنها.
الطبيب هو ابن المجتمع، لذا يوجد أطباء تسيرهم القوانين المجتمعية وتقيدهم، إضافة إلى معتقداتهم الدينية والمهنية التي تمنعهم من إجراء عملية الإجهاض، بحسب ما قاله الاختصاصي رجب.
الإجهاض غير الآمن
قالت الطبية خولة الشيخ، إن عملية الإجهاض خطرة، وقد تتسبب بمخاطر تهدد حياة الأم في حال أُجريت بيد غير خبيرة، وبمكان لا تتوفر فيه الظروف المناسبة للعمل الجراحي، كالتعقيم والتخدير.
وقد تلجأ بعض السيدات لاستخدام وسائل غير آمنة، تسبب نزفًا صاعقًا ناتجًا عن تمزق الرحم، جراء إدخال بعض الأدوات أو المواد داخله، أو يتعرضن لإنتان من المحتمل أن يتطور ويدخل بصدمة إنتانية تودي بحياتهن.
ومن المحتمل أن تتعرض السيدة لمشكلات تستدعي استئصال الرحم وخسارة الوظيفة الإنجابية.
وبحسب منظمة الصحة العالمية (WHO)، إن ما يقرب من نصف حالات الإجهاض غير آمنة، وتتحمل البلدان النامية عبء 97% من حالات الإجهاض هذه.
أما على الصعيد العالمي فتمثل عمليات الإجهاض غير الآمن ما بين 4.7 إلى 13.2% من جميع وفيات الأمهات، ويتم علاج ما يقدّر بنحو 7 ملايين امرأة في البلدان النامية كل عام في مرافق المستشفيات بسبب مضاعفات الإجهاض غير الآمن.
“تقييد الوصول”
ترى منظمة الصحة العالمية أن تقييد الوصول لإجراء عملية الإجهاض لا يقلل من عدد الحالات، فقط يؤثر بشكل كبير على ما إذا كانت هذه العمليات جرت بشكل آمن.
كما تشير إلى أن العوائق التي تحول دون توفير رعاية الإجهاض الآمنة وفي الوقت المناسب والتي يمكن الوصول إليها وبأسعار معقولة وغير تمييزية، يمكن أن تسبب ضائقة عاطفية وتنتهك حق النساء والفتيات في الخصوصية.
وتشير إحصائيات المنظمة إلى أن نصف حالات الحمل في العالم تكون غير مقصودة، وأن ما يقرب من 3 من كل 10 حالات تنتهي بالإجهاض “المستحث” (المتعمد).
شارك في إعداد المادة مراسل إدلب شمس الدين مطعون