الحسكة – ريتا الأحمد
تتزايد هجرة السوريين غير الشرعية باتجاه أوروبا، بمن في ذلك القاصرون المهاجرون دون أهلهم، جراء تداعيات الحرب المستمرة في البلاد.
وفقًا لمركز “يوروستات” التابع للاتحاد الأوروبي، بلغت نسبة القاصرين من طالبي اللجوء لأول مرة في 2022 ما نسبته 25% من إجمالي الطلبات، 20% منهم سوريون، ومن بين 222.100 قاصر طالب لجوء، كان 19% منهم دون مرافق.
تتعدد أسباب رحيل الشباب من مناطق شمال شرقي سوريا باتجاه أوروبا، وإلى جانب المصاعب الاقتصادية والأزمات المعيشية، تبرز عملية “تجنيد الأطفال” ضمن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) كسبب إضافي لا يقل أهمية عن الأسباب الأخرى.
من القامشلي إلى النرويج
“يضيق صدري كثيرًا حين أشتاق إلى ابني، وكنت أتمنى عدم ابتعاده عني، ولكن لم يعد هناك مستقبل له في محافظة الحسكة، التجنيد الإجباري ونقص الفرص التعليمية يجعلان حياته صعبة”.
تتألم الأم هدى عبد اللطيف (41 عامًا)، من سكان بلدة القحطانية بريف مدينة القامشلي، من شوقها لابنها فهد الحمدي الذي يبلغ 15 عامًا، إذ غادر بلدته إلى النرويج شمالي أوروبا قبل عام وخمسة أشهر.
وصفت هدى شعور الحزن العميق الذي يسكنها، خلال حديثها لمراسلة عنب بلدي، بعد سفر ابنها في رحلة تهريب صعبة ليصل إلى حيث يسكن عمه في النرويج، باعت ما تملك من ذهب، وأضافت إليه ما ورثته من أهلها من نقود، ليسافر فهد، عله يحصل على تعليم جيد، وينجو من التجنيد الإجباري.
وقالت إن مدرسة ابنها التابعة لـ”الإدارة الذاتية” تعتمد مناهج غير معترف بها، ما يجعل الحصول على تعليم جيد أمرًا صعبًا.
ويعكس الواقع التعليمي في شمال شرقي سوريا صراعًا مستمرًا بين مناهج “الإدارة الذاتية” ومناهج النظام السوري، منذ سيطرة الأولى على المدارس في المنطقة عام 2014، وحظرها استخدام مناهج الثاني، بينما لا تعترف “حكومة دمشق” بالشهادات الصادرة عن مدارس “الإدارة الذاتية”.
بحسب مديرية تربية محافظة الحسكة، تسيطر “حكومة دمشق” على قرابة 10% فقط من إجمالي مدارس المحافظة، والباقي تديره “الإدارة الذاتية”.
ويبلغ عدد المدارس في المحافظة 2285 مدرسة، تعرض عديد منها لأضرار متفاوتة، فيما تحول بعضها لمخازن للأسلحة ومقار عسكرية لـ”قسد”.
فيما توجد في القامشلي خمس مدارس حكومية مجانية للمرحلة الابتدائية، تتركز في المنطقة “المؤمّنة” وحول المطار، وفقًا لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، تواجه المدارس في المناطق التي تسيطر عليها “قسد” صعوبات كبيرة، حيث أغلقت أكثر من 90% من مدارس المحافظة ومنعت التدريس فيها، ما يؤدي إلى تدهور الوضع التعليمي وانتشار الجهل والتخلف بين الأطفال.
ولم تقدم وزارة التربية في حكومة النظام أي حلول أو تسهيلات لأبناء شمال شرقي سوريا، حيث تبقى غالبية المدارس تحت سيطرة “الإدارة الذاتية”، ويقتصر اعتراف النظام على المربعين الأمنيين في مدينتي الحسكة والقامشلي والمطار في القامشلي.
الهجرة حلم لمستقبل أفضل
محمود بدر (55 عامًا) يقيم في بلدة الجوادية، روى لعنب بلدي تجربته حين ساقت “قسد” ابنه عبد الرحمن قبل عام وثلاثة أشهر إلى التجنيد الإجباري، وكان عمره 18 عامًا، إذ تم تجنيده خلال حملة قامت بها “قسد” في المنطقة، وتبين للأب أن ابنه يخدم بقطعة عسكرية في تل براك بالحسكة.
بعد ثلاثة أشهر من فراق ابنه، قرر محمود بيع محل الخضار الذي كان مصدر رزقه واستدانة مبلغ آخر من أخيه لدفع تكاليف رحيل ابنه نحو ألمانيا.
وصل عبد الرحمن إلى ألمانيا بعد عام كامل، في رحلة عبر مهربين بدأت بالانتقال لمدينة رأس العين، ومنها إلى تركيا ثم اليونان، وأخيرًا ألمانيا.
وقال محمود، إنه ورغم مرور ابنه برحلة شاقة ومليئة بالمخاطر، فإنه نجح في تجاوز التحديات، على الرغم من أن صحته تأثرت بالتهابات جلدية ناتجة عن المياه الملوثة في غابات اليونان، مشيرًا إلى أن الظروف الصعبة وغياب التعليم وتدهور الأوضاع المعيشية في محافظة الحسكة دفعت الكثير من العوائل إلى اتخاذ قرار الهجرة كخيار أفضل من البقاء في سوريا.
بالرغم من فقدانه لمحل الخضار وشوقه لابنه، يعتبر محمود قرار الهجرة خطوة ضرورية، ويأمل أن يحظى عبد الرحمن بحياة أفضل في ألمانيا.
ينتظر محمود أن ينجح ابنه بلم شمل العائلة، ليكون للجميع مستقبل أفضل، في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها في قريتهم، حيث تغيب الكهرباء والماء منذ شهر ونصف.
المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شنيك، أعرب عن قلق ألمانيا، إثر التقارير المتعلقة بالتجنيد القسري للقاصرين في الجماعات المسلحة من أطراف النزاع في سوريا.
وأضاف المبعوث الألماني أنه يجب أن تتحمل جميع الأطراف المسؤولية، ومن الضروري أن تتوقف هذه الممارسات دون تأخير.
وأشار شنيك عبر حسابه في موقع “إكس“، في 31 من كانون الثاني الماضي، إلى أن الأطفال يستحقون حماية خاصة في النزاعات المسلحة.
ووثقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة“ في تقرير لها تجنيد 52 طفلًا في مناطق “الإدارة الذاتية” (المظلة السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية”) بشمال شرقي سوريا عام 2023.
حالات التجنيد شملت 23 فتاة و29 طفلًا قاصرًا، وحدثت أغلبية الحالات في القامشلي بـ22 حالة، يليها حي الشيخ مقصود بحلب بـ13 حالة، ومنبج بسبع حالات وست حالات في الرقة، بينما جند في عين العرب (كوباني) أربعة قاصرين.
ووثقت المنظمة 49 حالة تجنيد أطفال في مناطق نفوذ “الإدارة الذاتية” بشمال شرقي سوريا خلال 2022، من قبل منظمة تدعى “حركة الشبيبة الثورية”، مرخصة لديها.
ولم تحد أجهزة الأمن التابعة لـ”الإدارة الذاتية” من نشاط الحركة المكشوف، والمعروفة باسم “جوانن شورشكر”، وأكد مواطنون سوريون للمنظمة أن “حركة الشبيبة الثورية” مسؤولة عن 43 حالة تجنيد، بينما كانت وحدات المرأة ومجموعات عسكرية أخرى تابعة لـ”قسد” متورطة في بقية الحالات.