اعزاز – ديان جنباز
على الرغم من الزيادة الأخيرة على رواتب عناصر “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، فإنها لا تزال أدنى من الحد اللازم لتحسين مستوى المعيشة في نظر المنتسبين لهذا الفصيل العسكري، مع تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي في المنطقة ككل، واضطرار كثير منهم إلى اللجوء للعمل بمهن مختلفة لسد احتياجات عائلاتهم، كما تفاوتت الزيادة مع غموض في نسبتها.
“مصطفى” وهو أحد عناصر “الجيش الوطني”، اعتبر أن فرصة العثور على عمل آخر إضافي ليست سهلة أو من اختيار الباحث عن العمل، فالظروف السيئة تفرض نفسها للقبول بكل عرض قد يجلب القليل من المال، وهذه حال معظم المقاتلين مع قلة الرواتب الشهرية، حسب قوله.
بات يحصل “مصطفى”، وهو متزوج ولديه أربعة أطفال، على راتب شهري قدره 1000 ليرة تركية (32 دولارًا أمريكيًا)، بعد أن كان 600 ليرة تركية سابقًا، يتسلمه من قائد المجموعة، مشيرًا إلى أن رواتب بعض العناصر المقربين من القادة قد تصل إلى 3000 ليرة تركية.
وقال “مصطفى” (اسم مستعار لأسباب أمنية)، إنه إلى جانب عمله العسكري في صفوف “الفيلق الثالث”، يحاول العمل في عدة مهن لكيلا يحتاج إلى أحد، إذ جرب العمل بالكهرباء والزراعة والإنشاءات، ويحتاج إلى 200 دولار أمريكي مصروفًا شهريًا، ورغم ذلك أجبر في كثير من الأوقات على الاستدانة من الأقرباء والأصدقاء.
وأوضح العنصر لعنب بلدي، أن بقاءه كل الوقت ضمن المنزل وعدم مناوبته بمبنى قيادة الفيلق يسهل عليه العثور على عمل آخر، ولكنه في حالات الاستنفار يخرج إلى “المركزية” (موقع تجمع عناصر الفصيل)، لافتًا إلى أن هذه الآلية تجري بالاتفاق بين العنصر والقيادة، بينما تختلف الرواتب للأشخاص الذين يبقون على الحواجز أكثر بـ300 ليرة تركية، وفق حديثه.
لا آلية للزيادة
مطلع شباط الحالي، تداولت قنوات وغرف “تلجرام” (واسع الانتشار بالمنطقة) أخبارًا حول زيادة رواتب المقاتلين ضمن صفوف “الجيش الوطني” بنسبة 100%، ليصبح راتب العنصر 2000 ليرة تركية، دون قرار رسمي بذلك.
وبحسب ما علمته عنب بلدي من مقاتلين التقتهم فإن الزيادة كانت متفاوتة، وتراوحت بين 80 و90%، كما تواصلت مع وزير الدفاع في “الحكومة المؤقتة” للتأكد من هذه الزيادة وتوضيح آلية منح الرواتب للمقاتلين، لكنها لم تتلقَّ ردًا حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
وتعد رواتب مقاتلي الفصائل هي الأدنى في مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري”، التي تشمل ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي تل أبيض ورأس العين شمال شرقي سوريا، مقارنة بجميع رواتب الموظفين في اختصاصات الصحة والإفتاء والعدل والجمارك وغيرها.
مهن إضافية.. الديون لا ترحم
تختلف رواتب عناصر “الجيش الوطني” حسب الفصيل والمنصب، ويتم تسليمها عبر قادة الكتائب أو المجموعات، أو حتى بالتسليم الشخصي في المقار، وتصل الرواتب من الجانب التركي إلى غرفة العمليات في قرية حوار كلس بريف حلب، وتعمل هذه الغرفة بالتنسيق مع القيادات في “الجيش الوطني” والقوات التركية.
ويزيد انخفاض الرواتب من الصعوبات التي تواجه عناصر “الجيش الوطني” في ظل الأوضاع المتدهورة اقتصاديًا، حالهم كحال بقية السكان في شمال غربي سوريا، ما يجعل بعضهم يتوجه لمهن أخرى في أوقات فراغهم المتوفرة لزيادة دخلهم الشهري.
وتتراوح يومية العامل بمهن مختلفة كالزراعة والإنشاءات بين 70 و100 ليرة تركية، بينما وصل حد الفقر المدقع المعترف به إلى 7844 ليرة تركية شهريًا.
حسن، عنصر من مقاتلي “الجبهة الشامية”، كان يحصل على راتب قدره 700 ليرة تركية، قبل رفع الرواتب الذي حدث، ليصبح راتبه الشهري مع الزيادة 1300 ليرة.
بعد الزيادة النسبية كان المبلغ مخالفًا للقرار الصادر عن القيادة، إذ يفترض أن تصبح الرواتب 2000 ليرة للمقاتل، حسب قوله، دون وجود دليل أو تصريح من مصدر مسؤول حول هذا الرقم.
يعيش حسن مع عائلته المكونة من ستة إخوة ووالدته (والده مقاتل متوفى)، ويحصل على راتب والده من “هيئة تحرير الشام”، ويبلغ 2150 ليرة تركية، ويعادل تقريبًا ضعف راتب الشاب بعد قرار الرفع، حسب قوله.
ظروف حسن العائلية ودخله الشهري القليل يجبرانه على اللجوء إلى الاستدانة من المعارف والأقرباء، كونه الابن الأكبر والمجبر على تأمين حياة كريمة لعائلته، مضيفًا أن تكلفة المعيشة الشهرية للعائلة تصل إلى 200 دولار أمريكي، وهي أدنى المتطلبات.
ولم تتوفر فرصة أمام الشاب للعمل بمهنة أخرى تضيف مردودًا إلى دخله الشهري وتحسن ظروفه، بالإضافة إلى التخلص من المطالبات باسترداد الدَّين من بعض الأشخاص، ما يضع الشاب بموقف محرج، حسب تعبيره.
وتندرج طبيعة عمل حسن في “الجبهة الشامية” تحت أغراض معينة، منها التدخل في حال حصل نزاع أو مشكلات وما شابه ذلك من حوادث في المنطقة.
وقال حسن لعنب بلدي، إن نظام عمله يكون بدوام ثلاثة أيام في مبنى “مركزية الفصيل”، مقابل البقاء بالمنزل لستة أيام دون عمل، أو البقاء في “المركزية” خمسة أيام مقابل 20 يومًا دون عمل.
قلة الرواتب دافع للفساد
تحسنت رواتب ومكافآت عناصر “الجيش الوطني”، وفقًا للمقاتلين الذين تحدثت معهم عنب بلدي، إلا أن الذين يرابطون على الجبهات لا يشهدون تحسنًا في رواتبهم، وفي الوقت نفسه، يتلقى بعض القادة رواتب تتجاوز أضعاف رواتب العناصر العاديين والمرابطين.
وفي هذا السياق قال “فراس” (اسم مستعار لأسباب أمنية)، وهو من مقاتلي “فيلق المجد”، لعنب بلدي، إنه ترك نقاط الرباط على الجبهات وانضم للحواجز و”المركزيات”، نظرًا إلى اختلاف مستوى الرواتب بين المناطق، فرواتب المقاتلين في نقاط الرباط أقل من نظرائهم في المدن الخالية من النزاعات، بالرغم من التحديات والمخاطر التي يواجهونها.
وأضاف أن وظيفته الحالية “أمنية”، ويحصل على 1200 ليرة تركية، بينما كان في نقاط الرباط يحصل على 800 ليرة تركية، وهذا ما دفعه لترك الجبهات، معتبرًا نفسه مثالًا لكثير من المقاتلين الذين تخلوا عن نقاط الرباط واختاروا إما العمل “الأمني” وإما مرافقة القادة وغيرهما من الخيارات المتاحة، حسب قوله.
وأفاد “فراس” أن قلة الرواتب دفعت بعض العناصر لكسب المال بطرق غير شرعية، لافتًا إلى أن بعضهم بات يطلب أموالًا من العابرين على الحواجز.
وجاء في دراسة بعنوان “مجموعة الأدوات حول نزاهة الشرطة” لمركز “جنيف لحوكمة قطاع الأمن” (DCAF)، أنه في حال كانت أجور العناصر أقل بكثير من تلك التي يمكنهم تقاضيها في وظائف أخرى، سيبرر البعض السلوك غير الأخلاقي أو غير الملائم على أساس أن صاحب العمل لا يعاملهم كما يجب.
وبالنسبة للأفراد الذين يتقاضون أجرًا ضئيلًا ويواجهون مشكلات مالية في حياتهم، فمن الصعب أن يقاوموا الإغراء الناتج عن الفساد، وفق الدراسة.
وقال “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، إن عدد مقاتلي “الجيش الوطني” وصل إلى 80 ألفًا في 2019، في حين ذكر تقرير لمعهد “الشرق الأوسط”، في تشرين الأول 2022، أن التشكيل يجمع من 50 ألفًا إلى 70 ألف مقاتل.