“يأتي العاشقون إليك”.. غناء متواصل للحرية
تتمحور كثير من قصائد الشاعر السوداني محمد الفيتوري حول القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية التي تشكل هواجس ومطالب ثابتة لدى العالم على طول الزمن، وأبرزها الحرية، ما يمنح قصيدة الفيتوري استمراريتها، وحصانتها ضد الوقت، فمفعول الفكرة لا يبطل، طالما أن المطالب لم تتحقق، والعالم الذي ينشده الشاعر لا يزال رهين التمني والشاعرية.
في ديوانه “يأتي العاشقون إليك”، وفي قصيدة يخاطب بها السياسي الثوري نيلسون مانديلا، يقول الفيتوري، “مانديلا، إن حريتي هي ميراث أرضي، ومعجزتي وتوهج دربي، مانديلا، إن حريتي هي حريتي، في خلود نضالي وفي عبقرية شعبي، مانديلا، إن حريتي هي بدئي وخاتمتي، وهي ديني العظيم وربي”.
الشاعر يرسم خطوطًا عريضة وتعريفًا دقيقًا للمعاني السامية التي ينادي بها، من تحرر وعدالة اجتماعية ومساواة وحرية، متأثرًا بالحالة الاجتماعية والنشأة والأفكار التي تبناها في وقت مبكر من الصبا، ومنها ما يتعلق بالتمييز العرقي، والمفاضلة بين البشر على أساس اللون.
يعتبر الفيتوري الوقوف أمام حاجز اللون سذاجة وبساطة، مع الإشارة إلى حواجز أخرى تحول بين الإنسان وتاريخه الشخصي، وبين الإنسان وكرامته الاجتماعية، وبين الإنسان والإنسان، كالغنى والفقر والامتلاك والاستلاب، والمعرفة والجهل، والحرية والقهر، والعبودية والانعتاق، وفق الاعتراف الذي افتتح به الديوان، بما يشكل حالة مكاشفة مع القارئ.
القصيدة لدى الفيتوري متمردة، ورافضة وثائرة، وتتقمص الكثير من شخصية كاتبها، انطلاقًا من الفكرة والموضوع، وصولًا إلى المعالجة وآليتها، فالاستبداد والطغيان والقضايا المصيرية للأمة العربية، كالقضية الفلسطينية، والحديث عن مصر وبغداد والقدس، موضوعات تثبت حضورها في “يأتي العاشقون إليك”، مع تحرر في الأسلوب برره الكاتب على لسانه أولًا وأثبته بلسان القصيدة ثانيًا.
وتلتقي كل هذه القيم النبيلة التي ينادي بها الشاعر تحت إطار الحرية، فانتقاد الطغيان والاستبداد مديح غير منطوق للحرية وتحرر الناس، وسيادتهم على ذواتهم، وإعلاء لكرامتهم البشرية التي يمتهنها حاكم مستبد أو طاغية، ولأجل هذا يلقب الفيتوري بـ”شاعر إفريقيا والعروبة”.
حاول محمد الفيتوري تجريد نصوصه من هموم الشكلانية، والتنميقات الزخرفية والأصباغ الطقسية الخاوية من إيقاع اللحم والدم، وفق تعبيره، فلم يمنح الشكل الفني والإيقاع الموسيقي أولوية في النص، رغم حضور لافت ومتفاوت لهذه العناصر بين نصوص الديوان.
على كل ما فيه من مناداة بالحرية وتحرر الشعوب، لكن الديوان ضم قصيدة باسم “الرجل المتحدر تحت الصنوبر”، وامتدح فيها الخميني، ووصفه بـ”آية الشعب”، بمعزل عن الحالة التي نقل إليها إيران منذ وصوله إلى السلطة عام 1979، تحت مسمى “الثورة الإسلامية”، التي شكلت إطاحة بحكم محمد رضا بهلوي (الشاه)، ونقلت إيران وشعبها من المدنية إلى حياة أكثر تشددًا، عادت فيها أحكام الإعدام والرجم وبتر الأعضاء، مع تضييق متصاعد للخناق على الحريات، وتدخل في سياسات دول معينة بمشاريع توسعية، وهذا كله من مفرزات انتقال سياسي عاشته إيران على يد الرجل الذي لم يبلغ السلطة بقانونية وشرعية صندوق الاقتراع والانتخاب.
محمد مفتاح رجب الفيتوري، شاعر سوداني ولد عام 1936، في بلدة قرب الحدود الغربية للسودان، وتوفي عام 2015، وفي أرشيفه نحو 20 عملًا بين الشعر والمسرح، منح نصيبًا جيدًا منها لإفريقيا، فجاء ديوانه الأول بعنوان “أغاني إفريقيا”، وصدر عام 1955، ولديه ديوانان باسم “عاشق من إفريقيا” (1964)، و”اذكريني يا إفريقيا” (1965).
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :