في ظل التضييق الرسمي على قطاع الصرافة
لبنان وسيط الحوالات إلى سوريا
عنب بلدي – مارية الشعبان
يسعى النظام السوري إلى ضبط التعامل بالعملات الأجنبية والمحلية داخل البلاد منذ سنوات، مشرعًا ذلك عبر مراسيم وقرارات عدة أصدرها بصدد منع التعامل بالعملات الأجنبية لأي نوع من أنواع التبادل التجاري، والتشديد بمعاقبة من يزاول مهنة الصرافة وتحويل الأموال للخارج دون ترخيص، وآخرها المرسومان رقم “5” و”6″، الصادران مطلع العام الحالي.
ويحاول السوريون أفرادًا ومكاتب حوالات رسمية وغير رسمية الالتفاف على الشروط المفروضة عليهم لتفادي تهم “الإرهاب”، وسعيًا لاستمرار حركة الحوالات التي تشكل مصدر رزق لكلا الطرفين، المرسل والمرسل إليه، ويضاف إليهما الوسطاء.
ويعد لبنان البلد الوسيط، ومنفذًا لبعض الحوالات المالية من وإلى سوريا، إذ يشكل إحدى الطرق التي تعتمدها مكاتب التحويل في حال نقصت رؤوس الأموال في البلد، أو لتعزيز رصيدها من العملات.
لماذا لبنان
تعتمد مكاتب الحوالات السورية المنتشرة حول العالم على وكلائها أو وسطائها في لبنان كأحد منافذ تصريف الأموال وتخزينها، وجاء لبنان دون غيره من دول الجوار نظرًا إلى المعابر المفتوحة بين البلدين، وخطوط النقل الخاصة المتنقلة عبرها بشكل شبه يومي، بالإضافة إلى أسباب أخرى سردها “محمد”، وهو اسم مستعار لمهندس سوري يعمل بإحدى شركات الإنشاءات في تركيا، ويملك إلى جانب ذلك مكتبًا للحوالات المالية من وإلى سوريا، وطلب عدم ذكر اسمه الصريح لأسباب أمنية.
أضمن رقابيًا
يأتي العامل الأمني في مقدمة أسباب اعتماد أصحاب مكاتب الحوالات والصرافة، التي تحمل طابع السوق السوداء، على تحويل الأموال لوكلائها في لبنان كمرحلة أولية، تفاديًا للمساءلة القانونية، والتهديدات التي من المحتمل أن تواجه المرسل أو المرسل إليه في سوريا، في حال تبين حيازته عملة أجنبية أو مبالغ كبيرة تسلمها عبر منافذ غير رسمية.
ولا يمنع لبنان تداول وتسلم الحوالات بالعملات الأجنبية، بخلاف العقوبات المفروضة على المواطن السوري في حال ثبت تداوله لعملات أجنبية، وفقًا للمرسوم رقم “5” الذي أصدره رئيس النظام السوري، بشار الأسد، تأكيدًا على مرسوم سابق بمنع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري، وحافظ على العقوبات المتعلقة بالحبس أو السجن، وأتاح للمدعى عليهم حق “التسوية” أمام القضاء، لتسقط عنهم عقوبة السجن التي قد تصل في بعض الحالات إلى أكثر من سبع سنوات.
ويتم التعامل مع الحوالات المالية الموجودة في لبنان، إما بنقلها فيزيائيًا إلى سوريا عن طريق وسطاء وأشخاص على ارتباط بالجهاز الأمني السوري يغضون الطرف عن نقل الحوالات إلى سوريا، أو تُحفظ كسيولة في البلد الوسيط لبنان، لحين الطلب أو التبادل التجاري بين المكاتب.
نقص السيولة
يأتي نقص سيولة المكاتب في بعض القرى أو المدن السورية غير المزدحمة سكانيًا وفي العاصمة دمشق أحيانًا بالدرجة الثانية كسبب يدعو بعض مكاتب الحوالات للاعتماد على دولة لبنان كمحطة لحوالاتها.
نقص السيولة يستدعي تأجيل تسليم الحوالة إلى أن يتم تأمين المبلغ المطلوب ضمن المكتب، ويعد تحويل الأموال إلى سوريا عن طريق سائقي سيارات الأجرة العاملين على خط سوريا- لبنان إحدى طرق تأمين المبالغ المطلوبة، وفقًا لما ذكره صاحب مكتب الحوالات “محمد”.
وفي حال كانت المبالغ المحولة كبيرة، يجري التنسيق مع الضباط السوريين واللبنانيين على الحدود بين البلدين، ومع الحواجز العسكرية إن وجدت، لتوفير حماية وتيسير طريق حاملي المبلغ، مع دفع نسبة غير ثابتة للضباط والميسرين مقابل السماح لهم بالعبور.
أجور متفاوتة
تختلف أجور الحوالات المالية المرسَلة من مختلف دول العالم إلى سوريا، سواء عن طريق لبنان أو بشكل مباشر إلى المدن السورية، ويعتمد الاختلاف على عوامل عديدة، منها ما يتعلق بمقدار المبلغ والمدينة المطلوبة، كما تتفاوت الأجور من مكتب حوالات لآخر، وفقًا لما ذكره “محمد”، العامل بتحويل الحوالات المالية من تركيا إلى سوريا.
وتُستخدم عبارة “مكتب حوالات” في أغلب الأحيان مجازًا، لعدم اعتماد غالبية العاملين بهذا المجال على مكاتب حقيقية، وإنما على رؤوس أموال في نقاط ومدن وبنوك محددة وشبكة ضخمة من المعارف.
وتستوفى أجور الحوالات من المرسل، وتتراوح ما بين 0.3 و10%، بحسب المبلغ، وعدد الوسطاء ما بين المرسل والمستقبل، والعملة المطلوبة عند التسلم.
وغالبًا ما تتناسب أجور الحوالات عكسًا مع قيمتها، فترتفع نسبة الأجر كلما قل المبلغ، وتقل مع زيادته.
ويعتبر التغير المستمر وشبه اللحظي لسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي عاملًا مهما في أجور الحوالات وصرفها، وتحدد قيمتها أو أجورها تبعًا لسعر صرف الليرة في لحظة طلب العميل، ما يعني تغير سعر صرف الحوالات خلال اليوم الواحد مرات عديدة.
ويفضّل كثير من السوريين التحويل بـ”الأسود”، على اعتبار أن أسعار الصرف المحددة من قبل النظام بعيدة عن القيمة الحقيقية للعملات.
وخلال السنوات الماضية، وضع النظام السوري أسعار صرف متعددة للعملات الأجنبية أمام الليرة السورية في سبيل السيطرة على قيمة الليرة، والاستفادة من فروقات أسعار الصرف.
التضييق على العملات الأجنبية
طالت العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على أفراد ومؤسسات في سوريا البنك المركزي السوري، كما حظرت كل من كندا وتركيا التعامل معه.
ومن جهتها، علقت دول الجامعة العربية جميع التعاملات مع البنك المركزي والمصرف التجاري السوري المملوك للدولة السورية، بالإضافة الى وقف التعاملات المالية والاتفاقات التجارية مع سوريا، وأضافت الولايات المتحدة الأمريكية المصرف التجاري السوري إلى قائمة سوداء تضم شركات جُمدت أصولها.
أثرت العقوبات على سوريا حكومة وشعبًا، وجعلت منها بلدًا يقبع تحت شبه حصار اقتصادي، الأمر الذي زاد من حركة الحوالات المالية من المغتربين السوريين إلى ذويهم في الداخل بمحاولة منهم لدعمهم ماديًا، وبطبيعة الحال يتم إرسال الحوالات بالدولار أو اليورو.
نقص السيولة والتدهور الاقتصادي دفعا النظام السوري إلى إصدار مراسيم لضبط التعامل بالعملات الأجنبية، تهدف للتأكيد على منع التعامل بالقطع الأجنبي ضمن العمليات المالية التي لا تعود بنفع اقتصادي حقيقي عليه، مثل معاملات الصرافة اليومية، ونشاط مكاتب الحوالات المالية، وفقًا لما ذكره الباحث المساعد في مركز “جسور للدراسات” عبد العظيم المغربل لعنب بلدي في تقرير اقتصادي سابق، إذ أصدر في السنوات الأخيرة المراسيم التشريعية رقم “3” و”4″ و”5″ و”6″، التي تتمحور حول منع التعامل بغير الليرة السورية مع فرض غرامات مالية وعقوبة السجن.
وذكر المغربل أن نشاط حكومة النظام يركز على تحقيق أكبر قدر من المكاسب، من خلال الاستفادة من عوائد الغرامات، والتشديد النقدي لضمان عدم تسرب العملات الأجنبية خارج مصرف سوريا المركزي.
ويسعى النظام السوري إلى حصر خيارات المغتربين لتحويل أموالهم بطرق نظامية من خلال شركات الصرافة المرتبطة بالمصرف المركزي، رغم عرضه سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار بأقل من سعر الصرف في السوق السوداء.
ويلجأ بعض الأشخاص لإرسال الحوالات إلى مكاتب الصرافة المرخصة في سوريا، ومنها مكتب “الهرم” و”الفؤاد”، وشركة “ويسترن يونيون”، لتفادي المساءلة القانونية والعقوبات المفروضة عليهم في حال كُشف أمر تعاملهم مع المكاتب غير الرسمية، التي غالبًا ما يتم التعامل معها بشكل سري وفي لقاءات خاطفة لتسلم “الأمانة” (الحوالة).
وبلغ سعر صرف الليرة السورية 14650 مقابل كل دولار أمريكي واحد، لحظة تحرير هذا التقرير، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص برصد حركة العملات الأجنبية، بينما سجل سعر الصرف، وفقًا لنشرة السوق الرسمية للبنك المركزي في سوريا، 12625 ليرة سورية.
وتعتمد عائلات وأفراد في سوريا على الحوالات المالية المرسَلة إليهم من الأقارب والمُعيلين من مختلف دول العالم، نظرًا إلى شح الرواتب أمام غلاء الأسعار، ويدفعهم الفارق ما بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء لاختيار الحوالات بـ”الأسود”.
وفي أحدث زيادة على الرواتب، أقر مرسوم صادر عن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 5 من شباط الحالي، رفع أجور العاملين المدنيين والعسكريين والمعاشات التقاعدية بنسبة 50%.
وبذلك، ارتفع الحد الأدنى للأجور من 185.940 ليصل إلى 278.190 ألف ليرة (نحو 19 دولارًا أمريكيًا).
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :