مهجرون يحيون طقوس الفرح في الشمال السوري

  • 2024/02/22
  • 2:52 م
عقد قران لشاب مهجر من جنوبي حلب إلى شمالي إدلب - شباط 2024 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

عقد قران لشاب مهجر من جنوبي حلب إلى شمالي إدلب - شباط 2024 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

وأنت تجلس في خيمة الرجال التي جهزها والد العريس لحفل عقد قران ولده، منتظرًا حضور العريس والمأذون، تأتي لمسامعك أصوات زغاريد النساء من بين الكتل السكنية المتواضعة التي بنيت مؤخرًا للنازحين في شمال غربي سوريا، لتبث في قلبك وروحك السعادة التي فٌقدت طيلة سنوات التهجير، وتخبرك بأن الحياة مستمرة رغم كل المآسي والحروب.

هكذا وصف أحد الحضور في حفل عقد قران الشاب العشريني حسن، بعد أن دعاه والد العريس خلف الحسين، أجواء الفرح.

خلف مهجر من جنوبي حلب إلى مخيم “البر” في منطقة جبل كفر كرمين بريف حلب الغربي، دعا أقرباءه وأصدقاءه المهجرين في مختلف مناطق إدلب، ليشاركوه الفرحة في عقد قران ولده البكر حسن، والذي كلفه بالتواصل مع المدعوين عبر تطبيق المحادثة التواصل “واتساب”.

فرصة لتجديد الحياة

قال مصطفى الحميد، وهو أحد أقارب خلف، لعنب بلدي، إنه حريص على تلبية الدعوة رغم أنه لا يملك سيارة، فاستعان بسيارة أحد أقربائه لتوصيله للحفل، معربًا عن أسفه بأنه لم يجتمع معهم إلا في أوقات التعازي طيلة سنوات التهجير، وهذه المناسبة فرصة ليفرحوا ويعيدوا لأنفسهم جانبها المشرق في الحياة، بعد مسيرة عقد من الزمن تحمل الكثير من المآسي والأحزان.

وبحسب مصطفى، فإن قريبه خلف الحسن يعيش ظروف تهجير صعبة، ويجب الوقوف معه في فرحه بولده البكر، فقد خسر شقيقه الوحيد وولديه الاثنين بانفجار لغم أرضي من مخلفات قوات النظام في بلدة النيرب شرقي إدلب، منذ عدة سنوات عندما كانوا نازحين إليها، كما فقد ولده الثالث إحدى عينيه في التفجير ذاته، لذلك اعتبر مصطفى أن مشاركته الفرح واجبة، ليعيد لقريبه توازنه النفسي ويشعر بوجود الناس حوله، على حد قوله.

وترك خلف خيمته التي بقي فيها نحو خمس سنوات في منطقة كفر يحمول شمالي إدلب، وانتقل حديثًا إلى كفر كرمين بريف حلب الغربي، بعد استلامه كتلة سكنية بنتها إحدى المنظمات الإنسانية، لافتًا إلى أن المكان ضيق لا يتسع لبضع أشخاص، مضيفًا أن هناك فسحة أمام الكتلة السكنية، فقام باستئجار خيمة كبيرة بطول 16 مترًا، وليوم واحد بمبلغ 50 دولارًا أمريكيًا.

سيارات تصطف خلال عقد قران لشاب مهجر من جنوبي حلب إلى شمالي إدلب – شباط 2024 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

إحياء طقوس وذكريات

قال حسن الخلف (العريس)، إن عائلته لم تكن تريد تكليف الحضور بأي شيء من الهدايا، لأن حضورهم للحفل أكبر مكسب، وفرحة الاجتماع بالأصدقاء منتظرة ولا توصف بعد سنوات التهجير.

وذكر لعنب بلدي أن عائلته أقامت حفلة بسيطة داخل المنزل للتعبير عن الفرحة وإعادة ذكريات الفرح وطقوسه، لافتًا إلى أنه حاول ووالده قدر الإمكان أن يقيما عقد القران في مكان سكن العريس في كفر كرمين، لأن من عاداتهم وطقوسهم، أن يُقام العقد في منزل العروس، لكن سكن أهلها الحالي في ريف عفرين شمالي حلب، فأتى ولي أمر العروس لمكان أهله في كفر كرمين، كي لا يكلف الناس عناء السفر.

ويعمل خلف الحسن سابقًا في الزراعة  ولديه نحو 20 هكتارًا، ولكن في النزوح لم يستطع أن يعمل في أي مجال، فباع جرارين زراعيين يملكهما، لتأمين متطلبات المعيشة ويصرف على عائلة أخيه الذي توفي بانفجار اللغم، إضافة لتكاليف العمليات لولده الذي فقد عينه، وتكاليف زواج ولده البكر، آملًا في أن يعود لبلاده وأرضه في القريب العاجل، و”يترك الجمل بما حمل”، على حد وصفه.

ورغم ظروف الحرب والتهجير، لا تزال عائلات كثيرة في الشمال السوري تحافظ على عادات وطقوس الفرح المتوارثة، وتتكبد عناء السفر لمسافات بعيدة لأجل حضور مناسبة فرح لأحد الأقارب أو الأصدقاء، بالمقابل فإن الحرب وتبعاتها أثرت بشكل كبير على تلك الطقوس والعادات بكل المحافظات دون استثناء.

وبمعدل وسطي تتراوح المهور في الشمال السوري بين 500 دولار و3000 آلاف دولار أمريكي، ويختلف بحسب الوضع المادي للعائلة، في حين كان المهر الذي قدمه حسن هو 1000 دولار أمريكي كمقدم و1000 دولار أمريكي كمؤخر.

“نفرح رغم الحرب”

خالد عطا الله، وهو أحد المهجرين من ريف حلب الغربي إلى منطقة الدانا شمالي إدلب، قال إن أقرباءه حريصون أن يقيموا الأفراح عند زفاف أحد أولادهم، لتنسيهم مرارة النزوح والحرب، ويجتمعوا بأقاربهم ويطمئنوا عليهم من خلال الدعوة.

وأضاف، في أماكن سكننا في النزوح لا نستطيع إقامة الخيم الكبيرة لعدم وجود مساحات واسعة كما في قريتهم سابقًا، ولكن نعمل على استئجار صالات للرجال وصالات للنساء، بقيمة 100 دولار تقريبًا لليلة الواحدة لكل صالة، وإدارة الصالة متكفلة بتقديم الضيافة كاملة للحضور.

وذكر أنه في السابق كانوا يبنون بيوت الشعر العربية أو الخيم الكبيرة، وتتوسطها الساحات الواسعة لأجل الدبكات وأهازيج الفرح، ويتشارك جميع الأقارب بتحمل تكاليف العرس وتقديم الضيافة.

بدوره قال صافي الجبل، وهو مهجر من منطقة أبو الظهور بريف إدلب الشرقي، إنه قدم منذ فترة إلى إدلب بعد سفر دام نحو عشر سنوات، وتمت دعوته لحضور عرس لأولاد أخته.

وأوضح أنه من شدة فرحه بعد سنوات الغربة، أطلق النار في الهواء خلال حفل الزفاف، لتأتي دورية شرطة وتغرمه مبلغ  100 دولار أمريكي وتصادر المسدس، مضيفًا أنه لم يكن يعرف بأن هذا الأمر ممنوع، لأنه كان معتادًا عليه قبل النزوح من أرياف إدلب الشرقية.

وأعاد الحفل لصافي ذكريات الزمن الجميل على حد وصفه، فمنذ عقد من الزمن لم يشعر بهذه الفرحة التي تجمع الأحباب والأصدقاء، ولكن ما يميز الأفراح الحالية وفق ما قال، هو صالات الأفراح للرجال والنساء، والتي خففت بشكل كبيرة من أعباء الحفل كما في السابق.

وأشار إلى أن هناك الكثير ما زالوا يقيمون الولائم بعد الأعراس، فيقومون بذبح الذبائح لتقديمها للضيوف بعد حفل العرس، مضيفًا أن الناس تساعد بعضها في المشاركة في التكاليف، وأكثرهم من الأقرباء المغتربين، الذين يساعدون بمشروع الزواج.

وتختلف العادات والتقاليد وطقوس الزواج بين المناطق السورية، ولكنها اجتمعت في الشمال الغربي بعد تنقلات كثيرة من النزوح والتهجير، وباتت أعراس لأبناء إدلب أو شمال حلب، تشهد العراضة الشامية أو الحمصية.

وانتشرت المجالس العربية التي تتوسطها المناقل والدلال للقهوة العربية في أثناء ولائم العرس أو عقد القران، وكلها عادات وتقاليد نقلها المهجرون إلى شمال غربي سوريا.

ويسكن شمال غربي سوريا 4.5 مليون شخص، 4.1 مليون منهم بحاجة إلى مساعدة، و3.3 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 2.9 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.

مقالات متعلقة

  1. أعراس بطقوس "القوصر" ودبكات "الكبارية" في إدلب
  2. ستون عريسًا يتزوجون بحفل جماعي في الشمال السوري
  3. أعراس "على قد الحال" تغزو المجتمع السوري
  4. رغم كل الألم، يعود الفرح

مجتمع

المزيد من مجتمع