“الإدارة الذاتية” تلزم وسائل الإعلام بـ”معلومات شاملة” عن موظفيها
فرضت “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا على وسائل الإعلام المرخصة والعاملة في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا، تزويدها بمعلومات حول الموظفين والعاملين فيها، والكشف عن خلفية الموظفين لديها عند الطلب.
التقت عنب بلدي مع صحفيين وعاملين في مؤسسات إعلامية في المنطقة ممن اشتكوا من “القيود” التي فرضتها “الإدارة الذاتية” على الصحفيين والعاملين في القطاع الإعلامي بالمنطقة.
صحفية تعمل في مؤسسة إعلامية مرخصة بمدينة الحسكة، أبدت مخاوفها من ذكر اسمها أو اسم المؤسسة التي تعمل بها، قالت لعنب بلدي إن قرارات وقوانين “الإدارة” فيما يتعلق بممارسة العمل الإعلامي “تعسفية”، وتقيد قدرة الصحفيين على ممارسة عملهم بشكل مستقل.
وفي حالة مخالفة أي من الشروط المفروضة يتعرض الصحفي للمسائلة، وقد تؤدي المخالفة لاعتقاله، بحسب الصحفية.
الاعتداء على الصحفيين من صلاحيات الأمنيين
تكررت حالات الاعتداءات من عاملين في مؤسسات “الإدارة الذاتية” الأمنية بالسب والشتم، ويتعرض البعض للتشهير، وهو ما يتعارض مع “المادة 32” من قانون الإعلام التي تحمي الصحفيين من التهجم بسبب عملهم، بحسب الصحفية.
وسبق أن استولت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، في آب 2023، على مبنى “وكالة باز” الإخبارية في حي الكلاسة بمدينة الحسكة، بعد اعتقال بعض كوادرها، وحولته إلى مقر عسكري لقواتها.
مدير “وكالة باز” في ألمانيا، سليمان الناصر، قال لعنب بلدي حينها، إن “قسد” اعتقلت مدير “الوكالة” في سوريا، أحمد عجور، إلى جانب الصحفي والمعد ملحم معيشي، إضافة إلى متدرب جديد أُبلغ فقط باسمه الأول (نضال)، تبع ذلك، في 2 من أيلول 2023، اعتقال المدير القانوني للوكالة، مروان الشيخ عيسى، ولا يزالون قيد الاعتقال حتى اليوم.
مدير “الوكالة” المعتقل حاليًا تحدث سابقًا لعنب بلدي عن طرد صحفيي “باز” من مكاتبهم مطلع آب 2023، عبر قوى “الأمن الداخلي” (أسايش) التي أغلقت الطرقات وأخرجت الإعلاميين الموجودين بالمبنى بطريقة “غير أخلاقية”، بحسب عجور، معتبرًا أن التعامل مع مؤسسة إعلامية بطريقة “لا تحترم معايير الإعلام ، أمر مخجل”.
الصحفية التي تحدثت إلى عنب بلدي لفتت إلى أن احتمالية حجز الأجهزة الشخصية للصحفي، مثل الكاميرات والهواتف المحمولة، وحذف المحتوى دون رادع، أمر وارد، حتى مع امتلاك الصحفي مهمة إعلامية، مشيرة إلى أن بعض الانتهاكات تتجاوز الحجز، وقد تصل إلى الضرب وتكسير المعدات وتعليق عمل الصحفيين، وإغلاق مكاتب بعض المؤسسات الإعلامية.
ليس الصحفيين فقط
عامل في مجال تعديل الفيديو (مونتير)، بمؤسسة إعلامية مرخصة شمال شرقي سوريا، قال لعنب بلدي إنه يمضي عمله داخل مكتبه وأمام شاشة الحاسوب، دون الحاجة إلى التصوير أو الخروج في مهام يومية.
العامل الذي تحفظ على ذكر اسمه أو اسم الوسيلة الإعلامية التي يعمل بها لمخاوفه الأمنية، قال لعنب بلدي إنه تفاجأ قبل أيام بمطالبته بتقديم سيرة ذاتية وبعض الوثائق الثبوتية لمكتب الإعلام، ثم اكتشف لاحقًا أن هذا الطلب لا يتعلق به فقط، بل يشمل جميع العاملين في المؤسسات الإعلامية، بمن فيهم العاملون عن بعد (أونلاين).
فاديا أيضًا تعمل في مؤسسة إعلامية مرخصة بمدينة الحسكة، قالت لعنب بلدي إن التضييق ليس جديدًا، إذ يفرض قسم الإعلام في “الإدارة الذاتية” على الصحفيين شرط الانضمام إلى “اتحاد الإعلام الحر”، والذي يعد أشبه بنقابة مقربة من “الإدارة”.
ويتوجب على الصحفيين دفع مبلغ 50 ألف ليرة سورية للانضمام، إضافة إلى 25 ألف ليرة سورية لتجديد بطاقة الاعتماد، ودون هذه البطاقة الرسمية يصبح من الصعب جدًا على الصحفيين مزاولة مهنتهم، إذ تظل بطاقاتهم مجمدة تحت إشراف قسم الإعلام في “الإدارة الذاتية”.
وكشرط للحصول على بطاقة العمل الصحفي، يطلب من الصحفي تقديم دليل على أنه صحفي، مثل آخر الأعمال، وغيرها من التفاصيل، كما يتعين على المصورين الصحفيين أيضًا تقديم عشرة تقارير أعدوها مسبقًا.
وأضافت فاديا أن نهج “الإدارة الذاتية” يظهر التحكم الذي تمارسه على قطاع الإعلام، بدءًا من فرض الانضمام إلى النقابة وتحديد شروط الحصول على تصاريح جزءًا من سياسة التنظيم والسيطرة على نشاطات الصحافة في تلك المنطقة.
توظيف للنشاط الإعلامي
في 9 من كانون الثاني الماضي، طرحت “الإدارة الذاتية” تعديلات على قانون الإعلام في مناطق سيطرتها، بما يتماشى مع النسخة الأحدث من “العقد الاجتماعي” التي طرحتها نهاية 2023.
وقالت “الإدارة” إنها عقدت اجتماعها السنوي بحضور الرئيس المشترك لـ”دائرة الإعلام” جوان ملا إبراهيم، والرؤساء المشتركين لمكاتب الإعلام في جميع المقاطعات، لطرح تعديلات على القانون.
واختتم الاجتماع بعدة مخرجات، أبرزها العمل على تعديل قانون الإعلام بما يتناسب مع “العقد الاجتماعي”، وتسليط الضوء على “العقد” نفسه، وشرحه بشكل مفصل، وتوحيد الرؤية الإعلامية بما يتناسب مع خصوصية كل منطقة.
ورفع سوية التنسيق ما بين المكاتب الإعلامية ودائرة الإعلام في “الإدارة الذاتية”، والتأكيد على الالتزام بالعمل الصحفي بموجب المهمات الممنوحة من قبل دائرة الإعلام ومكاتب المقاطعات وعدم استخدامها بغير مكانها.
“الإدارة” تتوعد
في 5 من تشرين الثاني 2023، توعدت “الإدارة الذاتية” الصحفيين العاملين بوسائل إعلام “غير مرخصة” في مناطق سيطرتها بالمحاسبة في حال إعداد تقارير صحفية من المنطقة.
وقالت “الإدارة”، في تعميم حصلت عنب بلدي على نسخة منه عن طريق أحد العاملين في دائرة الإعلام لديها حينها، إن أي صحفي يعد مادة إعلامية بطريقة غير المنصوص عليها في قانون الإعلام يعرض نفسه للمسائلة القانونية.
وأضافت أن بعض الصحفيين يعملون لدى وسائل إعلام غير المسجلين بها، وأخرى غير مرخّصة لدى “الإدارة الذاتية”، ولم يبلغ الصحفي أو المؤسسة الصحفية، دائرة الإعلام بالمواد التي يجري العمل عليها، وهو “عمل مخالف للقانون”.
التعميم الذي حمل رقم “12” أشار إلى أن الصحفيين أو الإعلاميين العاملين شمال شرقي سوريا، ولم يبلغوا “الإدارة” بالمواد الصحفية المنتجة مسبقًا، يعرضون أنفسهم للمسائلة القانونية، وسيتم التعامل معهم وفق اللائحة التنفيذية لقانون الإعلام.
وقبل نحو عامين، مع اشتداد الانتقادات لـ”قسد” حول انتهاكات لحقوق الصحفيين، أصدرت بيانًا قالت فيه إنها تدير “قانونًا عصريًا” يكفل حرية العمل الصحفي لديها.
وتكررت حالات اعتقال إعلاميين وصحفيين من قبل “قسد” في شمال شرقي سوريا، وكان أحدثها اعتقال “أسايش”، لكادر “وكالة باز” الإخبارية من محافظة الحسكة، وإغلاق مكتبها هناك.
شاركت في إعداد هذه المادة مراسلة عنب بلدي في القامشلي ريتا الأحمد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :