بدأت فوق ركام الأبنية المدمرة
“الباركور”.. رياضة خطرة تشق طريقها بإدلب
عنب بلدي – ريم حمود
صعوبة حركاتها المحفوفة بالمخاطر، وخاصة وسط الأبنية المدمرة، لم تمنع الشبان السوريين من ممارسة رياضة “الباركور” في مناطق شمال غربي سوريا، لأهداف تشابهت في غالبيتها.
تُصنّف رياضة “الباركور”، وتسمى “الوثابة” باللغة العربية، على أنها فن من الفنون القتالية، وتعتمد بطبيعتها على سرعة الحركة عند الانتقال من نقطة إلى أخرى، بأسهل الطرق وأسرعها، وتعتمد على مجموعة من الحركات الصعبة التي تستغرق سنوات من ممارسة هذه الرياضة للقدرة على تنفيذها، والحركة الأساسية فيها تسمى “مونكي” أو “الكونك”.
إقبال متزايد
ظهرت في السنوات الأخيرة فرق رياضة “الباركور” في شمال غربي سوريا، رغم قلة الإمكانيات والفرص المتاحة في المنطقة، على الرغم من الصعوبات التي تواجه لاعبيها وجاهزية أماكن التدريب، وانتقادات ورفض المجتمع، ما جعل الإقبال على ممارستها غير كبير، لكنه بدأ يزداد مع مرور الوقت.
أحمد السواس، مدرب رياضة “الباركور” في فريق “الوثبان”، قال لعنب بلدي، إن الإقبال على الرياضة لم يكن واسعًا، لكونها مختلفة بشكل كامل عن بقية الرياضات المنتشرة في المنطقة.
وعن تجربة عبادة جبارة، مؤسس ومدرب فريق “تفاني“، قال لعنب بلدي، إن تأسيس الفريق جاء بالاشتراك مع الشاب عامر سمسوم، وكان الإقبال ضعيفًا، واقتصر على الأشخاص الذين يتدربون وحدهم، وازداد بعد إعلان افتتاح الفريق دورات تدريبية للراغبين بالانضمام.
وأضاف عبادة أنه مع الاستمرار وانتشار الرياضة، أصبحت نسبة الانضمام أفضل، وجرى تنظيم دورات تدريبية للإناث بين 5 و12 عامًا.
لا تحتاج اللعبة إلى عدد محدد من اللاعبين خلال تقديم التحديات الودية أو البطولات، ولكن كثرة اللاعبين يزيد من جماليتها ومتعة تأدية العرض، وفق وصف مدرب فريق “تفاني”.
على الرغم من الإقبال المتوسط للرياضة وبدء تقبل المجتمع لممارسيها وتأسيس فرق ضمت أطفالًا وشبانًا، فإن لاعبيها لم يحصلوا على فرص للعرض أو المشاركة في بطولات خارج البلاد، لكن طموحهم بتحقيق ذلك مستمر، وفق ما أكده المدربان لعنب بلدي.
مخاطر محتملة
تحمل رياضة “الباركور” مخاطر كبيرة، وترتفع نسبة الإصابة لدى ممارسيها في شمالي سوريا، وتعود الأسباب لغياب المعدات والصالات المؤهلة لممارسة الحركات، ما دفعهم نحو التدرب على أسطح الأبنية المدمرة إثر قصف قوات النظام السوري وحليفها الروسي للمنطقة.
مخاطر الإصابة في حال تعرضت الأبنية للانهيار مرتفعة وكثيرة، وخاصة لاعتمادها على الطبيعة، مثل القضبان الحديدية والأشجار والجدران والقفز من المرتفعات، والإصابة قد تترك أثرًا على المدى الطويل، وفق أحمد السواس.
تحتاج الرياضة إلى معدات خاصة، من إسفنجات ضغط عالٍ للحماية وتخفيف نسبة الإصابة، كما تحتاج إلى حواجز خشبية مختلفة الارتفاعات و”منطات الراصور” (تساعد على تعليم الحركات بشكل أسرع)، ولكن غلاء أسعار المعدات في المنطقة يعوق القدرة على اقتنائها من قبل فريق “الوثبان”، بحسب أحمد السواس.
وتابع مدرب فريق “الوثبان” أن غياب معدات الحماية الكافية في أثناء تنفيذ الحركات دون خوف أو رعب من الإصابة، أدى إلى انتقالهم للتدرب على أسطح الأبنية المدمرة رغم خطورتها، لاعتبارها المكان الوحيد المناسب الذي يشعر فيه اللاعب بأريحية الحركة، لضيق المساحة في الصالة وغياب القدرة على التدرب بالحدائق العامة أو الأبنية السكنية.
وجهة نظر مدرب فريق “تفاني” عبادة جبارة كانت مختلفة عما تحدث به أحمد، إذ يعتبر أن مخاطر الرياضة لا تختلف عن الرياضات الأخرى، والانتباه يقلل من حوادث الإصابة، وخاصة بعد اتباع أساليب الأمان ورفع اللياقة البدنية للدرجة اللازمة، وتفقد المنطقة قبل البدء، بالإضافة إلى احتراف الحركة المقرر التدرب عليها.
ومن الحركات المستخدمة المتعارف تدريبها للاعبين المبتدئين في رياضة “الباركور”، الدحرجة الآمنة لتحمي اللاعب من إيذاء ظهره وكتفه وأقدامه في حال تعرض للسقوط، والقفز الصحيح لمسافة بعيدة، ويمكن للجميع تأدية الحركتين خلال تعلم أساسيات الرياضة، وفق مدرب فريق “تفاني”.
اتباع الخطوات المطلوبة للسلامة لا ينفي تعرض بعض أعضاء فريق “تفاني” لإصابات طفيفة، منها رضوض والتهاب أوتار وغيرها، وفق عبادة.
أما بالنسبة للتدريب فوق الأبنية المدمرة بفعل الحرب في سوريا فازدادت خطورته بعد تأثر المنازل بالزلزال الذي ضرب أربع محافظات سورية وجنوبي تركيا في شباط 2023، ما أجبرهم على الانتقال لخيارات أخرى.
غير مقيدة بسن
المدرب أحمد السواس قال لعنب بلدي، إن “الباركور” غير مقيدة بعمر للانضمام وبدء ممارستها، كونها رياضة حرة، لكنه يفضّل دخولها منذ الصغر.
وأضاف أن أهمية الانضمام بعمر مبكر لكون الاحتراف يستغرق ثلاث سنوات من التدريب دون انقطاع، أما عبادة جبارة فيرى أن الاحتراف يلزم الممارسة المستمرة لنحو أربع سنوات على الأقل.
من يرغب بممارسة رياضة “الباركور” لا يستطيع الانضمام بعد أن يبلغ الـ30 من العمر كحد تقريبي، ولكنه يستطيع الاستمرار بممارستها في حال كان لاعبًا سابقًا ولكن بشكل خفيف، كونه قد يتعرض لإصابات مكثفة في المفاصل خلال الممارسة، وبعد بلوغه 30 عامًا، بإمكانه أن يتابع ولكن كمدرب رياضي للأجيال القادمة، بحسب أحمد السواس.
ويحدد كل من الفريقين شروطًا لقبول المتقدمين، أهمها رؤية قدرة اللاعب على التطور في حال انضم إلى الفريق، بالإضافة إلى خضوع المقدم لاختبارات عملية تخوله الانضمام.
نظرة إلى “الباركور”
تعود نشأة رياضة “الباركور” أو “الوثابة” إلى ثمانينيات القرن الماضي، وكلمة “باركور” مشتقة من مصطلح فرنسي كان يستخدم في تدريب عسكري تقليدي بالجيش الفرنسي، ليأتي الجندي ديفيد بيل، ويضع إضافات لما تعلمه من مهارات قتالية ورياضة “الجمباز”، ويخرج التدريب من إطاره العسكري وينشئ الرياضة، وفي أواخر عام 2016، كانت بريطانيا الدولة الأولى التي تعترف برياضة “الباركور” رسميًا.
وأشهر الحركات في الرياضة الهبوط (ثني الركبتين عند ملامسة أطراف القدمين الأرض)، والقفزة الدقيقة (القفز من نقطة إلى أخرى)، وتوازن القط (المشي باتزان على حاجز باستخدام الأطراف الأربعة)، وقفزة القرد (وضع اليدين على الحاجز ومن ثم القفز مع ضم الجسم وتمرير القدمين والجذع بين اليدين المثبتتين على الحاجز حتى مرور الجسم)، وقفزة 360 درجة (دوران الجسم 360 درجة حول محوره والهبوط على الجانب المقابل من الحاجز).
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :