عنب بلدي – حسام المحمود
أجرى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، خلال الأيام القليلة الماضية، جولة في المنطقة شملت ما يسمى بـ”محور المقاومة”، فإلى جانب لقاء المسؤولين في سوريا ولبنان، لإجراء مباحثات تتناول تطورات المنطقة والاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، والحرب على غزة، كان اللقاء بقادة الفصائل الفلسطينية قاسمًا مشتركًا بين الزيارات الثلاث.
شكّلت سوريا المحطة الوسطى في جولة عبد اللهيان، إذ وصل، في 11 من شباط الحالي، إلى دمشق، وأجرى لقاء مع نظيره فيصل المقداد، بالإضافة إلى لقائه برئيس النظام السوري، بشار الأسد.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك، قال المقداد، إن سبب اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة على الأراضي السورية هو مقاومة سوريا لإسرائيل ومخططاتها، وإن المقاومة تأخذ أشكالًا مختلفة، معتبرًا أن سوريا خاضت حروبًا عدة ضد الكيان الصهيوني، وهي على استعداد تام لخوض حروب أخرى تقرر فيها متى وأين وكيف، مع التشديد على أن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري أولوية ومهمة مقدسة للشعب السوري، وفق ما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا).
من جانبه، قال عبد اللهيان، إنه نقل دعوة رسمية وخطية من الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، للأسد، لزيارة إيران، وبحث معه آخر التطورات في المنطقة والمواضيع الإقليمية والدولية، مع التأكيد على ضرورة متابعة الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، لافتًا إلى تعزيز مستقبلي للعلاقات بين الجانبين في مختلف المجالات، مع التأكيد على مواصلة دعم سوريا في “مكافحة الإرهاب”.
في السياق نفسه، اعتبر الأسد أن سلوك الولايات المتحدة حيال ما وصفه بـ”التصعيد” الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، ينذر بتوسيع رقعة الصراع، وأن “الكيان الصهيوني والغرب في مأزق، والمطلوب غربيًا إنقاذ هذا الكيان، وليس التصعيد في فلسطين وسوريا ولبنان سوى محاولة للخروج من هذا المأزق”.
والتقى عبد اللهيان في دمشق نحو 15 مسؤولًا من مختلف الفصائل الفلسطينية، وناقشوا وتبادلوا الآراء حول آخر الأوضاع في فلسطين، وكيفية إنهاء الحرب على غزة، ووقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا).
وخلال اللقاء، أشاد عبد اللهيان بالدعم المقدم من “مقاومة” لبنان واليمن والعراق وسوريا للشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن القضية الفلسطينية أصبحت قضية العالم الأولى، كما شارك في احتفالات الذكرى الـ45 لما يسمى “انتصار الثورة الإسلامية” في إيران، وقال إن “المقاومة في أفضل حالاتها، وبلا أدنى شك فإن انتصار غزة قريب جدًا، ونهاية نتنياهو والمجرمين الصهاينة أقرب من ذلك”.
بالتزامن مع توترات ساخنة
تأتي الزيارة الإيرانية إلى سوريا في الوقت الذي تتواصل به الهجمات الإسرائيلية عبر الجو، على نقاط عسكرية وحيوية ضمن سيطرة النظام.
وأحدث ما جاء في هذا الإطار، هجومان متتاليان، في 9 و10 من شباط الحالي، على شكل غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية في محيط العاصمة السورية، دمشق.
كما أغارت الطائرات الإسرائيلية، في 7 من الشهر نفسه، على مواقع في محيط حمص، وسط سوريا، ما أسفر عن مقتل عنصرين لـ”حزب الله” اللبناني.
إسرائيل لم تتبنَّ الهجوم، لكن مركز “ألما” البحثي الإسرائيلي قال إن من المحتمل أن يكون هدف الهجوم في حمص مجمعًا لوجستيًا يضم مستودعات وموقف سيارات للشاحنات والجرارات ومداخل الطرق، جنوبي حمص، بمحاذاة الطريق السريع الذي يربط دير الزور شرقًا بحمص، وهو معبر مروري مركزي لـ”الممر البري الإيراني”.
الاستهدافات المتكررة أسفرت عن مقتل عديد من “المستشارين” بـ”الحرس الثوري الإيراني” في سوريا.
وفي 20 من كانون الثاني الماضي، قتلت غارة إسرائيلية في قلب العاصمة دمشق خمسة أفراد من “الحرس الثوري”، بحسب ما أعلنت عنه إيران حينها.
وجاء في بيان لـ”الحرس الثوري“ حينها، “جراء العدوان الصهيوني الوحشي والمجرم على دمشق، استشهد خمسة من المستشارين العسكريين لـ(الحرس الثوري) والمدافعين عن العتبات، وعدد من القوات السورية”.
وفي 25 من كانون الأول 2023، قصفت طائرة إسرائيلية منزلًا في بلدة السيدة زينب بمحافظة ريف دمشق، ما أسفر عن مقتل رضي موسوي، أحد أقدم مستشاري “الحرس الثوري” في سوريا.
هذه الاستهدافات المتكررة حدت بإيران لسحب ضباطها من سوريا، دون الإعلان عن نية انسحاب، إذ نقلت وكالة “رويترز”، مطلع شباط الحالي، عن مصادر مطلعة، أن “الحرس الثوري” قلّص انتشار كبار ضباطه في سوريا بسبب موجة الضربات الإسرائيلية، وسيعتمد أكثر على فصائل شيعية متحالفة معه للحفاظ على نفوذه في سوريا.
وذكرت المصادر أنه في الوقت الذي يطالب فيه المتشددون في طهران بالانتقام، فإن قرار طهران سحب كبار ضباطها يرجع جزئيًا إلى نفورها من الانجرار مباشرة إلى صراع محتدم في الشرق الأوسط.
وبينما قالت المصادر إن إيران ليست لديها نية الانسحاب من سوريا، وهي جزء رئيس من مجال نفوذ طهران، لم تذكر المصادر عدد الإيرانيين الذين غادروا، في الوقت الذي لم تحصل به الوكالة على رد من وزارة الإعلام في حكومة النظام السوري، ولم تتمكن من الوصول إلى “الحرس الثوري” للتعليق.
وبحسب مصدر آخر، فإن من بقي في سوريا من الضباط الإيرانيين، تركوا مكاتبهم وتواروا عن الأنظار، مشددًا على أن الإيرانيين لن يتخلوا عن سوريا، لكنهم قلصوا وجودهم وتحركاتهم إلى أقصى حد.
ومنذ مطلع شباط الحالي، نفذ الطيران الحربي الأمريكي عشرات الغارات والضربات على أهداف تابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني” وميليشيات تابعة له في سوريا والعراق، وفق وزارة الدفاع الأمريكية.
وجاءت الهجمات الأمريكية ردًا على هجوم بطائرة مسيّرة أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، وجرح أكثر من 40 آخرين في نقطة عسكرية تعرف باسم “البرج 22″ على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، في 28 من كانون الثاني الماضي.
ونقلت وكالة” رويترز” عن مسؤولين أمريكيين أن الولايات المتحدة تقدّر أن إيران هي التي صنعت الطائرة من دون طيار التي هاجمت القاعدة الأمريكية.
رسالة انزعاج من طهران
المحلل السياسي المتخصص بالشأن الإيراني مروان فرزات، أوضح لعنب بلدي أن السبب الرئيس لزيارة وزير الخارجية الإيراني إلى دمشق، قد يكون القصف الإسرائيلي المتواصل على دمشق، والاغتيالات المتكررة التي تطال قياديين في “الحرس الثوري”، وهو ما يشكل مصدر إزعاج للأخير.
فرزات بيّن أن “الحرس الثوري” على قناعة بتورط ضباط من النظام السوري بتسريب إحداثيات تسهل استهداف من تسميهم طهران والنظام السوري “مستشارين”، ووزير الخارجية الإيراني جاء لنقل هذه الرسالة.
مطلع شباط الحالي، نقلت “رويترز” عن مصادر لم تسمِّها أن “الحرس الثوري” أثار مخاوفه مع السلطات السورية من أن تسرب المعلومات من داخل القوات الأمنية السورية لعب دورًا في الضربات الأخيرة، التي دفعت “الحرس الثوري” إلى نقل مواقع العمليات ومساكن الضباط، وسط مخاوف من حدوث “خرق استخباراتي”.
كما لفتت المصادر إلى أن “الحرس الثوري” يجند مقاتلين شيعة من أفغانستان وباكستان للانتشار في سوريا، في تكرار لمرحلة سابقة حين لعبت فصائل مماثلة دورًا في تحويل دفة المعارك في سوريا، إلى جانب اعتماد كبير على الفصائل الشيعية السورية، وفق المصادر.
وحول الدعوة التي نقلها عبد اللهيان من الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، للأسد، لزيارة طهران، يرى الباحث أنها تتيح للأسد تبرير موقفه أمام القيادة الإيرانية، كما تندرج في إطار الاستراتيجية الإيرانية لربط المحاور وإرسال رسالة مفادها، أنه من طهران إلى بيروت إلى غزة إلى دمشق، محور واحد، وهناك جهوزية للتعاون إذا تطورت المعركة على حدود لبنان، فالوزير الإيراني زار بيروت قبل دمشق.
من جانبه، ربط الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي زيارة عبد اللهيان إلى دمشق بتعزيز الشراكة بين محور إيران بمكوناته والنظام السوري، كونها بدأت من بيروت، وهي جبهة ساخنة، ما يمنح الزيارة دلالات سياسية غايتها تعزيز مكانة إيران في هذا المحور أولًا، وتوجيه رسالة للإسرائيليين تقول فيها طهران، “نحن موجودون وحاضرون وقادرون على تغيير المشهد، ولن نتخلى عن أدواتنا في المنطقة”.
كما تمثل الزيارة رسالة للجانب الأمريكي، تعبيرًا عن الإصرار الإيراني على تعزيز القدرات العسكرية والقتالية، رغم سحب كثير من “الخبراء والمستشارين”، فطهران تباهي بقدرتها على تغيير المشهد السوري واللبناني والعراقي واليمني، وتوحي بأن الضغط عليها يعني توسيع دائرة الرد، ما يجعل الزيارة ذات هدف استراتيجي، يتمثل بدعم “الولائية” متعددة الجنسيات.
لبنان أولًا.. قطر في النهاية
بدأ عبد اللهيان جولته من لبنان، في 10 من شباط الحالي، والتقى فيها رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، ونظيره اللبناني، عبد الله بو حبيب، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، وأمين عام “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله.
وقال الوزير الإيراني إن “حزب الله” و”المقاومة” في لبنان قاما بدورهما المؤثر “بكل حكمة” في معركة “طوفان الأقصى”، كما شدد على دعم إيران للبنان، حكومة وجيشًا ومقاومة، معتبرًا أن أمن لبنان هو أمن إيران والمنطقة، وفق ما نقلته “إرنا“.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره اللبناني، اعتبر عبد اللهيان أن مفتاح الحل لاستقرار المنطقة هو وقف الحرب في غزة، مشيرًا إلى إجرائه جولة محادثات جديدة وبناءة ومهمة للغاية مع السلطات العليا في لبنان.
ووفق الوزير الإيراني، فإن حركة “حماس” تصرفت بحكمة ودقة، سواء على مستوى مواجهة الكيان الصهيوني وجرائمه، أو على المستوى السياسي، موضحًا أن الحرب في غزة لم تحقق نتائج ملموسة لإسرائيل وداعميها.
وفي الدوحة، التقى عبد اللهيان، في 13 من شباط الحالي، بأمير قطر، تميم بن حمد، بعد لقاء جمعه بنظيره، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
وفي اليوم نفسه، التقى رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، وتناول اللقاء حرب غزة على الصعيدين، السياسي والميداني، وضرورة وقف الحرب وإرسال المساعدات الإنسانية بشكل فوري إلى غزة.