إدلب – عبد الكريم الثلجي
بعد رصده عدة تجارب في الزراعة المحمية بالبيوت البلاستيكية، تشجع المهندس الزراعي أحمد بركات، ابن مدينة حزارين جنوبي إدلب، على بدء تجربته الأولى في زراعة الخضراوات، إذ انتشرت هذه الزراعة بشكل ملحوظ في مناطق شمال غربي سوريا.
بدأ بركات تجربته بزراعة الخيار في البيت البلاستيكي الذي جهزه بمنطقة معرة مصرين التي هُجر إليها منذ عدة سنوات، إضافة إلى عمله في زراعة الشتلات للأشجار المثمرة من تين وعنب وزيتون وحمضيات، فاستأجر أرضًا، وأنشأ البيت وجهزه بشبكة تنقيط.
بركات قال لعنب بلدي، إنه يأمل أن يحقق البيت البلاستيكي مردودًا جيدًا في ظل ارتفاع أسعار جميع المواد والسلع الذي تشهده المنطقة.
ويحاول المهندس توسيع عمله في زراعة الشتلات، معتبرًا أن هذه الزراعة تساعد الناس على تحقيق اكتفائها الذاتي من الخضراوات، وهي أفضل من الاستيراد من الخارج.
بات انتشار البيوت البلاستيكية ملحوظًا في مناطق شمال غربي سوريا، ويلاحظ وجودها على أطراف الطرق في الأراضي الزراعية، ولجأ إليها كثير من المزارعين لاستغلال المساحات الزراعية الضيقة للحصول على أكبر كمية من الإنتاج.
تكلفة تقابلها أرباح
تكمن أهمية الزراعات ضمن البيوت البلاستيكية في كونها تنتج الخضار في غير موسمها، لكنها مكلفة وتحتاج إلى معدات.
قال المهندس الزراعي شمالي سوريا موسى البكر، لعنب بلدي، إن تجهيز هيكل البيت البلاستيكي المصنوع من الحديد والشوادر هو بداية العمل، ومن ثم ينبغي تجهيز الأرض وحرثها ورشها بالمبيدات والأسمدة العضوية، ومن ثم مد خطوط التنقيط، إضافة إلى قلع الحشائش الضارة لتكون جاهزة للزراعة، وتكون متنوعة بالبندورة أو الخيار أو الفليفلة.
وأضاف أن لتجهيز البيت البلاستيكي نظامين في الشمال السوري، ففي النظام التركي تكون المسافة بين العمود والآخر مترين ونصفًا، وبين القوس والآخر خمسة أمتار، وعرضه خمسة أمتار ونصف، أما في النظام السوري فعرضه متران ونصف، وطول “الهنكار” ثمانية أمتار.
وأشار إلى أن تكلفة الدونم الواحد تصل إلى 6000 دولار أمريكي، من تجهيز “الهنكار” بالحديد وشادر البلاستيك، ويختلف السعر بحسب سماكة الحديد وجودة البلاستيك، إضافة إلى تجهيز البيت من الداخل والخارج، لكيلا تتكون مستنقعات تسبب أمراضًا للشتلات.
وأضاف البكر أن المزارع إذا اهتم بالأرض بشكل مناسب، فستكون الأرباح عالية، لأن الدونم الواحد من البندورة ينتج وسطيًا 30 طنًا، وتباع بحسب أسعار السوق، فليس لها سعر ثابت.
ميزات “المحميات”
تعد البيوت البلاستيكية المحمية من الأساليب الحديثة في الزراعة، والتي تسهم في زيادة الإنتاجية، وتوفير أصناف متنوعة من الخضراوات بشكل مستمر على مدار العام، وتُنشأ هذه البيوت بهدف توفير بيئة مناسبة لنمو المحاصيل، وتؤمّن حماية النباتات من جميع الآفات وتقلبات الطقس، وتتيح التحكم بظروف نموها.
المهندس الزراعي عماد جمال، وهو أحد المستثمرين في البيوت البلاستيكية، قال لعنب بلدي، إن هذه الزراعة من الزراعات المحدثة لحماية النبات من تقلبات الجو من ارتفاع وانخفاض الحرارة، لإنتاج محاصيل من الصعب إنتاجها بالطرق التقليدية، ويطلق عليها عالميًا اسم “المحميات”.
واعتبر جمال أن لـ”المحميات” ميزات يمكن الاستفادة منها، فمن ناحية يمكن تكثيف الزراعة، كون المساحة المزروعة قليلة، لذلك يحاول استغلالها بأكبر قدر من أجل تكثيف الإنتاج، ومن ناحية أخرى تخفف هذه الزراعة من مخاطر الإنتاج في حال كانت هناك تقلبات عالية وأمراض وحشرات كثيرة، أو انخفاض وارتفاع في درجات الحرارة.
وأضاف أن هناك أنواعًا من المحاصيل جودتها عالية جدًا، ولا يريد المزارع أن يخاطر بزراعتها بأماكن تخفض من جودتها أو تتعرض لأمراض أو حشرات لا يمكن السيطرة عليها، لذلك يزرعها في “المحميات”، ليستطيع تقدير جودة الصنف، ويسيطر على الآفة إذا ما أصابت المحصول.
وأوضح جمال أن من مميزات زراعة “المحميات” استغلال المساحة الزراعية على مدار السنة، إذ يدفئ المزارع البيت البلاستيكي أيام الشتاء، وفي أيام الربيع يبقي الزراعات ضمن مجال مغلق، ويحصل على منتجات ليس بالأمر السهل الحصول عليها في أي وقت.
وبحسب وزارة الزراعة والري في حكومة “الإنقاذ” بإدلب، فقد أسهمت البيوت المحمية في خفض نسبة استيراد الخضار في المناطق المحررة من 95 ألف طن إلى 75 ألف طن، وفي حال توسعت تلك الزراعة بشكل أكبر ستوفر فرص عمل جديدة، وتقلل من الاعتماد على الاستيراد، وستكون بمنزلة داعم قوي للاقتصاد.
مخاوف وعيوب
تحدث المهندس عماد جمال عن عزوف كثيرين عن الزراعة في البيوت البلاستيكية بسبب ارتفاع تكاليفها، لذلك يلجأ عديد من مستثمري هذه الزراعة لتجهيزات بسيطة للبيوت البلاستيكية.
ولا يعتقد جمال أن أي مزارع يمكن أن يزرع ضمن البيت البلاستيكي المتطور، لأنه مكلف جدًا وتقنياته وتجهيزاته كبيرة جدًا، إضافة إلى قلة المهارات والخبرات خاصة من ناحية العمال والمهندسين، فهم قادرون على العمل، لكن تفاصيل هذه البيوت كثيرة وتحتاج إلى خبرات واسعة.
ومن معوقات الزراعة بالبيوت البلاستيكية في الشمال السوري استخدامها في منطقة غير منطقتها، لكن المزارعين يجتهدون أملًا بالاستفادة، لأن البيوت البلاستيكية تزرع في مناطق ساحلية وتكون تكاليف تدفئتها أقل، فالبندورة تحتاج إلى حرارة عالية وإلى تسميد، ففي إدلب يكون جو الشتاء باردًا، ويضطر فيه المزارع للتدفئة التي تستهلك نحو 70% من قيمة تكلفة الإنتاج، وفق المهندس عماد جمال.
أما في مناطق الساحل فتكون التكلفة أقل، فحرارة الليل تكون أعلى منها في مناطق أخرى.
وتبدأ زراعة “المحميات” في الشمال في الشهر السابع أو الثامن (تموز أو آب)، ويحصل المزارع على الإنتاج في الشهر الأول (كانون الثاني)، فتكون التدفئة في الأيام الأخيرة فقط.
وعن محصول البندورة، قال جمال، إنها أكثر المحاصيل المستهلكة في الشمال، وأي مزارع يريد أن ينتج محاصيل في “المحميات” يفكر بالبندورة، لأن فيها متعة للعمل على حد تعبيره، مشيرًا إلى أن مردودها جيد والعمل مشوّق فيها رغم تكلفتها العالية، إضافة إلى عدم وجود مخاطر فيها، ولكن يعاب عليها أن دورتها بطيئة وطويلة الأمد مقارنة بأصناف أخرى، لذلك أول موسم يعتبر تغطية للتكاليف ولا يوجد فيه أرباح.
وتتأثر الزراعات ضمن البيوت البلاستيكية بالهطولات المطرية الغزيرة والعواصف، التي تؤدي إلى إلحاق الضرر بها.
فرص عمل
يرى المهندس عماد جمال أن البيوت البلاستيكية أثبتت فعاليتها في التوسع الزراعي، وأصبح هناك مجال أكبر في التنوع والتكثيف الزراعي، وهذا خلق فرص عمل كبيرة، وفرصًا لمهن جديدة، مثل إنشاء البيوت الذي يحتاج إلى حدادين وعمال لصناعة الشوادر والفلين، فالتوسع الزراعي أدى إلى توسع تجاري وصناعي.
وخلقت هذه الزراعات فرصًا كثيرة للعمال والشركات التي تعمل في مجال الزراعة، فالصيدليات الزراعية سابقًا لم تكن تعمل على رفد البيوت البلاستيكية باحتياجاتها الزراعية، أما اليوم فهناك طلب على البذور المحمية وإنتاج الشتلات للبيوت المحمية، وعمال ربط الخيوط، فكل عمل يتعلق بـ”المحميات” البلاستيكية يكون في فصل الشتاء أو الخريف أو آخر الصيف، وهي أوقات لا يمكن للعامل العمل فيها بكثرة، كذلك المزارع ليس لديه عمل في أرضه.
وأضاف جمال أن البندورة تحتاج إلى بذور وأسمدة وأدوية وبعض المكملات، وتحتاج إلى رعاية من شد الخيوط وتقليم ومعالجة وسقاية وأسمدة ومبيدات، ويمكن الحصول على مردود جيد إذا ما اتبع المزارع الخطوات الصحيحة، فالمتر الواحد ينتج من 6 إلى 12 دولارًا (الدولار 30.2 ليرة تركية).
وتعتبر الزراعة في محافظة إدلب شمال غربي سوريا مصدر دخل رئيسًا لسكان المنطقة، إلا أن ظروف الحملات العسكرية وعدم الاستقرار، مع عدم اهتمام الجهات المسيطرة بالقطاع الزراعي، أثر فيها بشكل ملحوظ، وسبب تراجعًا بالإنتاج وقلة في تنوعه.