قبل أكثر من عامين، شهدت مدينة الحسكة هجومًا واسعًا شنه تنظيم “الدولة الإسلامية” على سجن “الصناعة” في حي غويران شمالي المدينة، بغية تحرير أكبر قدر ممكن من عناصر التنظيم السجناء فيه، ونجم عن ذلك معارك عنيفة استمرت لأيام، وخلفت أضرارًا بممتلكات المدنيين في المنطقة.
الهجوم الذي وقع في 19 من كانون الثاني 2021، تمكنت خلاله خلايا التنظيم من دخول السجن، وقتل حراسه، والتحصن داخله مع السجناء، واستمرت المعارك بين عناصر التنظيم وقوات “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من التحالف الدولي لنحو شهر، وانتهت بشكل غامض.
عقب المواجهات التي شاركت فيها طائرات مروحية أمريكية، لم تتوقف العمليات الأمنية، إذ عمدت “قسد” لتدمير منازل كان يتحصن بها خلايا التنظيم، بينما تضررت منازل أخرى بفعل المواجهات العسكرية.
اليوم وبعد أكثر من عامين على انتهاء هذه المواجهات، لا يزال سكان الحي ينتظرون تعويضات وعدتهم بها “الإدارة الذاتية” (المظلة السياسية لـ”قسد”) ولم يتسلموا أيًا منها.
تعويض غير متناسب مع الضرر
يبلغ شادي العبد الله من العمر 31 عامًا، وهو ومن سكان مدينة الحسكة، قال لعنب بلدي إنه نزح من منزله الواقع في حي غويران مع اشتداد المواجهات المسلحة في كانون الثاني 2021، ولجأ مع عائلته إلى منزل أقاربه في حي بعيد عن منطقة المواجهات.
بعد أسبوع من النزوح عاد شادي إلى منزله ليأخذ بعض الحاجيات لأسرته، لكنه عثر على كومة من الركام عوضًا عن المنزل المكون من أربع غرف، دون معرفة الطريقة التي تدمر بها منزله.
وعقب نهاية المواجهات والعمليات الأمنية في المنطقة، زارت لجان تابعة لـ”الإدارة الذاتية” الحي، سجلت اسم والد شادي بعد أن أثبت ملكيته للمنزل المدمر، وتلقى وعودًا بالتعويض عن الدمار الذي لحق بمنزله، لكنه لم يتلقَ أي تعويض، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
شادي أضاف أن عائلته تلقت سلتين غذائيتين فقط، دون أي تعويض مالي، ومع مرور أكثر من عامين على الحدث، لم تلحظ عائلة شادي أي تقدم في تحقيق الوعد بتعويضات للأضرار التي لحقت بالمنزل.
ولسائدة عبد الحميد قصة مشابهة، إذ كان منزلها يقع في الشارع المجاور لمبنى كلية الاقتصاد بمدينة الحسكة، ويتألف من غرفتين وساحة صغيرة، لكنه تعرض للدمار خلال المواجهات العسكرية التي شهدتها المنطقة في كانون الثاني 2021.
سائدة قالت لعنب بلدي إنها عند وقوع الاشتباكات، لم تكن تعلم ماذا تفعل، فسارعت إلى جمع بعض الملابس لها ولأبنائها، ونزحت إلى منزل عائلتها في قرية قريبة من مدينة الحسكة، وبعد عشرة أيام عادت مع أخيها لتفقد منزلها واكتشفت أنه هُدم من قبل “قسد” بذريعة وجود أنفاق تحته.
وعلى الرغم من محاولاتها المتكررة للحصول على تعويض عبر “اللجان المحلية” التي شكلتها “الإدارة الذاتية”، لم تحصل على أي رد أو دعم مالي، ما أجبرها على الإقامة في منزل مستأجر يقع على طرف المدينة، وبتكلفة 40 دولارًا أمريكيًا شهريًا، رغم وضعه السيئ.
ولتأمين الإيجار الشهري الذي اعتبرته مكلفًا، أجبرت سائدة على العمل لساعات طويلة في قسم التنظيف بمستشفى في المحافظة.
وحاولت عنب بلدي التواصل مع مسؤولين في “الإدارة الذاتية” للاستفسار عن أسباب عدم تقديم تعويضات للمتضررين، ولم تحصل على رد حتى لحظة تحرير هذا التقرير.
ما هجوم سجن “الصناعة”
خلال هجوم تنظيم “الدولة”، اخترق المهاجمون أحياء غويران والنشوة والزهور، بالإضافة إلى مبنى كلية الاقتصاد المجاور للسجن.
وفقًا للرواية الرسمية لـ”قسد”، فإن اشتباكات عنيفة نشبت مع عناصر التنظيم الذين تمكنوا من الدخول للمنطقة، واستمرت العمليات العسكرية لأكثر من عشرة أيام.
وتمكنت “قسد” في النهاية من صد الهجوم، إذ أعلنت في 30 من كانون الثاني 2022، أنها أحبطت الهجوم بنجاح، مشيرة إلى أن المعارك أسفرت عن مقتل 374 عنصرًا من التنظيم، و121 من مقاتلي “قسد” والعاملين في السجن، إلى جانب أربعة قتلى مدنيين.
التنظيم قال من جانبه إنه تمكن من إخراج أكثر من 800 معتقل من عناصره السجناء في سجن “الصناعة”، على دفعات، بعد مرور ثلاثة أيام على بداية العمليات العسكرية، بحسب ما نقلته وكالة “أعماق” التابعة للتنظيم حينها.
ويقع سجن “الصناعة” الذي يعرف أيضًا باسم سجن “غويران” في أطراف حي غويران عند المدخل الجنوبي لمدينة الحسكة، وهو واحد من مجموعة سجون تحتجز فيها “قسد” آلاف المعتقلين الذين ينتمون لتنظيم “الدولة”، وبينهم قرابة أربعة آلاف أجنبي ينحدرون من حوالي 50 دولة.