قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مؤتمر “الشرق الأوسط الثالث عشر لنادي فالداي”، إن روسيا تواصل العمل مع الدول العربية لـ”إعادة بناء سوريا”.
وأضاف لافروف، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الروسية (تاس) أمس، الثلاثاء 13 من شباط، أن بلاده تعمل مع الدول العربية، لتشجيع مشاركتها بشكل أكثر نشاطًا في إعادة إعمار سوريا، مذكرًا أن دمشق عادت بالفعل إلى الجامعة العربية.
وأشار الوزير إلى أن صيغة “أستانا” للتسوية في سوريا لا تزال تعمل، قائلاً، “في نهاية كانون الثاني الماضي، عُقد الاجتماع الدوري الحادي والعشرين في أستانا، وتم تأكيد الإجراءات المشتركة لثلاثي روسيا وإيران وتركيا، بمساعدة الدول المراقبة، بما في ذلك العراق ولبنان والأردن.
عين روسيا على “إعادة الإعمار”
لا يعتبر الاهتمام الروسي بإعادة إعمار سوريا جديدًا، إذ لطالما تكررت المطالب بإطلاق هذا المشروع منذ سنوات.
وسبق أن قال وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف، في كانون الأول 2018، إن المساهمات الروسية في إعادة إعمار سوريا تساعد على “تحسين الأزمة الإنسانية”، وناشد البلدان الغربية الاستثمار في عملية إعادة الإعمار.
سبق ذلك في أيلول من العام نفسه، حديث لافروف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن ضرورة إعمار سوريا من أجل السماح بعودة اللاجئين من دول اللجوء.
عام 2019، ومع تكرار التصريحات الروسية في الإطار نفسه، أصدرت مؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي” تقريرًا قالت فيه إن عين روسيا وقعت على إعادة الإعمار في سوريا لعدة أسباب، أبرزها الإستفادة الاقتصادية من تدفّق الاستثمارات الخارجية إلى سوريا.
ورأى التقرير حينها أن الاهتمام الروسي المتزايد بعملية إعادة الإعمار السورية، يسلط الضوء على هدفَين استراتيجيين أساسيين، هما ربط سوريا من جديد بالأسواق المالية العالمية، ليتمكّن بشار الأسد من ترسيخ قبضته على السلطة، ويبدأ بجمع مبلغ 400 مليار دولار الذي يعتبره ضرورياً لإعادة إعمار البلاد.
إضافة إلى سعي موسكو للإستفادة من تموضعها التدريجي في موقع الطرف الأساسي في عملية إعادة الإعمار السورية، فمن شأن تدفّق الرساميل الأجنبية إلى الاقتصاد السوري أن يؤمّن العملات الأجنبية التي تشكل أهمية حيوية للشركات والأعمال الروسية.
وخلص التقرير إلى أن تطلعات موسكو لبدء عملية إعادة الإعمار ستدفع بالسياسة الروسية إلى التركيز على هذا الشأن في المستقبل المنظور، على الرغم من أن الموارد المادّية المحدودة المتوافرة لروسيا ورغبتها في تجنب التشنجات مع إيران، قد يقفان حائلًا أمام نجاح هذه الأجندة.
وفي الوقت الذي أبدت فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عدم استعداد لتلبية الطلبات الروسية بتقديم مساعدات مالية واسعة النطاق لإعادة إعمار سوريا، تحوّلت روسيا نحو التفكير في مقاربة الموضوع مع السعودية والصين اللتين رأت فيهما بديلَين أكثر استعدادًا للتعاون، بحسب التقرير.
وعلى الرغم من أن عدم شرعية الأسد في نظر السعودية كانت تشكل عائقًا طويل الأمد أمام استثمار المملكة في سوريا، انخرطت روسيا لاحقًا في مفاوضات ديبلوماسية مع الرياض حول سوريا، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز” حينها.
ملف اقتصادي دسم
لطالما اعتبرت إعادة الإعمار من أبرز الملفات الاقتصادية التي يعاد الحديث عنها في الملف السوري، بين الحين والآخر، كما أنها تعتبر أحد التحديات الصعبة في حال خروج سوريا من مرحلة الحرب إلى الانتقال السياسي.
ويعتبر الملف دسمًا لما فيه من مكاسب ومصالح كبيرة للأطراف التي ستنخرط فيه، ما يجعله وسيلة منافسة للسيطرة على إعادة الإعمار ومنها على المستقبل الاقتصادي السوري، بحسب ما خلص إليه ياحثون ضمن “المؤتمر الثالث للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية”، في نهاية نيسان 2023، حضرته عنب بلدي.
ويرتبط ملف إعادة الإعمار بشكل رئيس بالانتقال السياسي الذي لا وجود لمؤشرات قريبة عليه خلال المرحلة الحالية على الأقل، ما يجعل الحديث عن آلية أو أدوار الأشخاص والحكومات في مرحلة إعادة الإعمار بعيدًا عن الواقع، بحسب ما يعتقده عديد من الخبراء السوريين.
وفي آب 2018، مع بداية مسار تبريد الجبهات السورية، قالت الأمم المتحدة خلال اجتماع عقدته اللجنة الاقتصادية التابعة لها في بيروت، بحضور ما يزيد على 50 خبيرًا سوريًا ودوليًا، إن تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا تصل إلى 400 مليار دولار.
وبحسب التقرير النهائي للجنة، فإن الرقم يشمل حجم الدمار في سوريا فقط، ولا يشمل الخسائر البشرية، والمقصود بها الأشخاص الذين قتلوا خلال المعارك، والأشخاص الذين نزحوا وهجّروا من منازلهم.
وعلى مدار السنوات الماضية، حصلت موسكو على ميزات اقتصادية طويلة الأمد عبر توقيع اتفاقيات مع النظام، كان أهمها في قطاع النفط والغاز وتوريد القمح، إضافة إلى عشرات الاتفاقيات مع تجار وشركات روسية، لكن ذلك لا يؤهلها لحمل ملف إعادة الإعمار بمفردها.