السويداء.. “رجال الكرامة” و”لجان شعبية” لكبح طوفان المخدرات
تستمر “حركة رجال الكرامة”، وهي واحدة من كبرى الفصائل المحلية بالسويداء، بحملة عسكرية تستهدف مهربي وتجار المخدرات في مناطق جنوب وشرقي المحافظة على مقربة من الحدود السورية- الأردنية، وسط مبادرات محلية لإنشاء “لجان شعبية” تساند هذه الحملة.
الحملة جاءت على خلفية الاستهدافات الأردنية المتكررة لمناطق مأهولة بالسكان في أرياف المحافظة، غالبًا ما كانت تخلف قتلى وجرحى من المدنيين، أحدث هذه الغارات وأبرزها كان في بلدتي عرمان وملح، وقتل فيها عشرة مدنيين.
ويعود تاريخ إطلاق الحملة، إلى 26 من كانون الثاني الماضي، عندما داهمت “الحركة” قرية ذيبين واعتقلت ستة أشخاص متورطين بأعمال نهب وسرقة وتجارة مخدرات بحسب تسجيل مصور نشرته الحركة عبر صفحتها في “فيس بوك“.
ولم تخطُ “الحركة” باتجاه ملاحقة المطلوبين حتى حصلت على تفويض عشائري في من وجهاء قرية ذيبين بحسب ما نشرته “الحركة”.
حملة مستمرة
في 10 من شباط، أعلنت “رجال الكرامة” عن إتلاف كمية كبيرة من الحبوب المخدرة التي سبق وضبطتها بالتعاون مع الفعاليات الأهلية والإجتماعية في محافظة السويداء، استمرارًا للحملة الأمنية نفسها.
الناطق باسم “حركة رجال الكرامة”، الملقب بـ”أبو تيمور”، قال لعنب بلدي إن الحملة الأمنية ضد مروجي وتجار المخدرات ستظل مستمرة طالما هناك تفويض من أهالي القرى والبلدات في السويداء.
وتلجأ “الحركة” للحصول على تفويض للتغطية الشعبية للعمل، وتهدف من خلال هذه الآلية لضمان عدم حدوث إشكالات عشائرية نظرًا لتشابك وحساسية الوضع العشائري في السويداء، بحسب “أبو تيمور”.
وتهدف الحملة لاجتثاث عصابات الخطف، والسرقة، وتجارة المخدرات، بحسب الناطق باسم “الحركة”، الذي أشار إلى أن الحملة مستمرة ولن تتوقف كما أنها غير مرتبطة بأطراف خارجية كالأردن، أو غيرها.
أُسّست حركة “رجال الكرامة” عام 2013، وخرجت من رحم التوترات الأمنية التي عاشتها المنطقة حينذاك، وملاحقة النظام للمطلوبين للخدمة الإلزامية في المحافظة الذين وصلت أعدادهم إلى عشرات الآلاف، وأمّن الشيخ وحيد البلعوس قائد “الحركة” ومؤسسها حماية هؤلاء المطلوبين.
مبادرة “رجال الكرامة”
منتصف كانون الأول الماضي، طرحت “رجال الكرامة”، مبادرة من تسعة بنود موجهة إلى الأردن، للتعاون في القضايا المتعلقة بمكافحة المخدرات التي تصدّر من المنطقة نحو الأردن، لا تزال المبادرة دون ردود رسمية وسط نقاش عن مدى إمكانية تطبيقها.
وأعلنت “الحركة” خلال المبادرة التي طرحتها، في 20 من كانون الثاني، استعدادها لملاحقة جميع المتورطين بتهريب وتجارة المخدرات، بعد تقديم الجانب الأردني قوائم بأسماء المتورطين.
وانتقدت “الحركة” في بيانها النظام السوري وحملته المسؤولية المباشرة عن ملف “المخدرات” من تسهيل تحويل جنوبي سوريا إلى منطقة تخزين وتهريب، ودعت “الحركة” المجتمع المحلي والوجهاء والمرجعيات الدينية للوقوف عند مسؤولياتهم من المشكلة.
الناشطة في حراك السويداء لبنى الباسط (من سكان شرقي السويداء) قالت لعنب بلدي إن تحرك “رجال الكرامة” في محاربة تجار المخدرات ضرورة ملحة تفرضها الأحداث القائمة، وخاصة بعد قصف الأردن لمنازل المدنيين في السويداء.
وأضافت أن المجتمع كان يعول على تدخل مبكر لـ”الحركة” في محاربة تجار المخدرات، لكن هذا التدخل لم يأتي إلا مؤخرًا، معتبرة أن التحركات مجدية في حال كانت جدية وتستهدف من وصفتهم بـ”رؤوس تهريب المخدرات”.
“لجان شعبية” لحماية المناطق الحدودية
بعد إطلاق “حركة رجال الكرامة” حملتها، وإثر استهداف الطيران لمدنيين في السويداء، شكل متطوعون ما أطلق عليه محليًا اسم “لجان شعبية” مهمتها حراسة المناطق الحدودية في كل بلدة أو قرية على حدة، والإبلاغ عند رصد أي تحرك لتجار المخدرات.
وتقتصر مهمة هذه “اللجان” بحسب الناطق باسم المكتب الاعلامي لـ”رجال الكرامة”، على عمليات الرصد والإبلاغ لأن المهربين مسلحون، وتحتاج مكافحة نشاطهم إلى قوة عسكرية.
وتنسق هذه “اللجان” مع “الحركة” بشكل مباشر، على مدار الساعة.
غرز الدي، الملقب بـ”أبو ماجد”، هو أحد شيوخ قرية خربة عواد الحدودية مع الأردن، شرقي محافظة السويداء، قال لعنب بلدي إنه مع انطلاق حملة “رجال الكرامة” لمكافحة نشاط تجار المخدرات، شكّل سكان القرية “لجانًا شعبية” لحماية مناطقهم من تهريب المخدرات، بالتنسيق مع “الحركة”.
وأضاف أن هذه “اللجان” مشكلة من أبناء البلدة نفسها، وهي عبارة عن شباب من مختلف التوجهات السياسية.
“أبو ماجد” أضاف أن التصدي لمهربي المخدرات هو قرار اتخذه سكان البلدة بالإجماع عبر ملاحقة التجار والمهربين ومتابعة الغرباء القادمين للبلدة من الخارج.
وأضاف أن سكان خربة عواد يطمحون لعودة “العلاقات الأخوية” مع الجارة الأردن، خصوصًا مع الصعوبات المفروضة على سكان المنطقة في العمل بالأراضي المتاخمة للحدود، نظرًا للحساسية الأمنية للمنطقة.
معضلة تسليم المهربين
تسلم “حركة رجال الكرامة” المقبوض عليهم من التجار والمهربين للضابطة العدلية التابعة للقضاء السوري، كونها المنظومة القضائية الوحيد الموجودة في المنطقة، بحسب ما قاله الناطق باسم “رجال الكرامة”، لعنب بلدي.
وتخوفت مصادر محلية من أبناء السويداء، من بينهم الناشطة لبنى الباسط، من تجاهل النظام لمعاقبة الجناة، إذ يتهم النظام بدعم تجار المخدرات، كما أن بعض العاملين في هذا المجال يحملون بطاقات أمنية صادرة عن مؤسسة النظام السوري الأمنية.
وأضافت أن قضاء النظام جهة “غير نزيهة في محاسبة ومعاقبة تجار المخدرات”.
وفي حديث سابق لعنب بلدي، قال الباحث السياسي كمال الشوفي (من سكان السويداء) إن محاربة تجار المخدرات عبر الفصائل حل يمكن تطبيقه، لكن المقبوض عليهم من تجار ومروجي المخدرات يسلمون لإدارة مكافحة المخدرات وللقضاء لدى النظام السوري بهذه القضية.
واعتبر أن هذه إحدى المشكلات التي تواجه المسألة، كون المنظومة الأمنية لدى النظام السوري هي من تحمي وتساند وتدعم تجار المخدرات، فكيف ستحاكم عناصرها بالنهاية.
على مقربة من “التنف”
على بعد بضعة كيلومترات نحو الشمال الشرقي من محافظة السويداء تقع قاعدة “التنف” الأمريكية، التي يتمركز فيها “جيش سوريا الحرة”، وهو فصيل معارض أنشأته الولايات المتحدة لحماية ما يعرف اليوم باسم “منطقة الـ55 كيلومتر” التي تقع فيها قاعدتها.
وفي حديث لوسائل إعلام محلية، قال قائد “جيش سوريا الحرة”، فريد القاسم، إن لفصيله تنسيق مع عمّان في مكافحة المخدرات، ويعمل على تطويره، مشيرًا إلى أن “جيش سوريا” أطلق تنسيقًا أوليًا مع “رجال الكرامة” في السويداء لمحاربة المخدرات.
وتواصلت عنب بلدي مع المكتب الإعلامي لـ”جيش سوريا الحرة” الذي نفى بدوره وجود أي تنسيق بين “جيش سوريا الحرة” و”رجال الكرامة”، مشيرًا إلى تواصل قائم بين “الحركة” وقائد “الجيش” عبر قنوات وأشخاص.
وبالنسبة لـ”جيش سوريا الحرة” المتمركز على المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق، يعتبر مكافحة عمليات تجارة وتهريب المخدرات من مهامه في المنطقة، إذ يعلن بشكل دوري عن ضبط شحنات مخدرات بين الحين والآخر.
وفي 22 من كانون الثاني الماضي، أعلن الفصيل عن إتلافه شحنة من مخدرات كان قد ضبطها في وقت سابق، إذ نشر تسجيلًا مصورًا يظهر كميات من الحبوب المخدرة خلال عملية إتلافها بقاعدة “التنف”.
محاولات سابقة للتعاون مع التحالف
في 23 من شباط 2022، سلّم فصيل محلي في السويداء كان يعرف باسم “قوة مكافحة الإرهاب” من وصفه بـ”عميل الأمن العسكري” جودت حمزة، للقاعدة العسكرية الأمريكية في منطقة التنف، شرقي محافظة حمص، لضلوعه بالعمل لمصلحة “حزب الله” اللبناني في نقل وترويج المخدرات داخل محافظة السويداء جنوبي سوريا.
وقالت صفحة “السويداء ANS” المحلية عبر “فيس بوك” حينها، والمُقربة من الفصيل المحلي، إن جودت حمزة اعترف خلال التحقيق معه عن خطوط التهريب في السويداء، وكيفية حصولهم على الشحنات من قبل “حزب الله”، وطرق وصولها إلى السويداء، ومن ثم نقلها نحو الأردن، وتوزيع قسم منها على أبناء المحافظة في المدارس.
وبحسب الصفحة، فإن حمزة اعترف بضلوع أسماء وشخصيات من أبناء المحافظة في تجارة وتهريب المخدرات، إضافة إلى ضلوع “الأمن العسكري” التابع لقوات النظام في السويداء بعمليات تجارة المخدرات في المنطقة.
وعقب أيام نشر “مغاوير الثورة” صورًا جديدة للمتعاون مع “حزب الله” اللبناني، الذي تسلمته قواته من محافظة السويداء، وقال الفصيل المتمركز في قاعدة “التنف” العسكرية إلى جانب القوات الأمريكية، إن التحقيقات مع جودت حمزة، المُتهم بعمليات تهريب المخدرات إلى الأردن بالتعاون مع النظام السوري وحلفائه، لا تزال مستمرة.
التنسيق مع “التنف” كلّف مجموعة “مكافحة الإرهاب” الكثير، إذ حاصرت مجموعات موالية لإيران وقوات “الأمن العسكري”، في 9 من حزيران 2022، الفصيل في بلدة خازمة بريف السويداء الجنوبي الشرقي، واشتبكت مع أفرادها.
واستمرت الاشتباكات في البلدة التي كان يتمركز فيها مقاتلو المجموعة لعدة ساعات، استُخدمت فيها أسلحة متوسطة وثقيلة، وانتهت بمقتل قائد المجموعة، سامر الحكيم، وانسحاب بقية عناصرها باتجاه بادية السويداء في محاولة للوصول إلى قاعدة “التنف”، لكن اتضح لاحقًا أن النظام السوري اعتقل جزءًا منهم، ثم أفرج عنهم لاحقًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :