في 9 من شباط الحالي، حددت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، موعد تقديم كندا وهولندا المذكرتين القانونيتين المتعلقتين بانتهاكات سوريا لاتفاقية مناهضة التعذيب، في 3 من شباط 2025، وموعد تسليم سوريا لمذكرتها المضادة للشكوى في 3 من شباط 2026.
تحديد الموعد النهائي من “العدل الدولية”، جاء بناء على طلب مشترك قدمته كل من كندا وهولندا إلى محكمة، في 8 من حزيران 2023، لإقامة دعوى ضد النظام السوري، ويتعلق الطلب بالمسؤولية الدولية للنظام بسبب فشله “الجسيم والمنهجي” في الوفاء بالتزامات سوريا المتعلقة بمنع التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية واللاإنسانية والانتهاكات العديدة لأحكام اتفاقية مناهضة التعذيب.
كما طلبت كل من كندا وهولندا من المحكمة أن تأمر باتخاذ “تدابير مؤقتة”، وفقًا للمادة “41” من نظام المحكمة، لوقف التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة من قبل حكومة النظام، ريثما يتم البت في القضية.
وبناء على ذلك، حددت المحكمة، تاريخ أول جلسة للاستماع، في 19 من تموز 2023، قبل قرار التأجيل، الذي جاء بناءً على طلب من حكومة النظام السوري، إلى 10 و11 من تشرين الأول 2023.
وقالت المحكمة حينها، التي تعد الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، أنها قد توصلت إلى قرارها بعد أن نظرت في “آراء وحجج الطرفين عقب طلب سوريا التأجيل”.
وعقب الموعد المحدد للجلسة الأولى في 10 من تشرين الأول، تغيب النظام عن الجلسة الأولى ولم يرسل وفدًا يمثله للبحث بالدعوى، ما أدى لإلغاء جلسة الاستماع الثانية التي كان من المقرر عقدها في 11 من تشرين الأول 2023.
ورجح محامون وناشطون حقوقيون أن السبب وراء تغيب الحكومة السورية عن جلسات المحكمة هو ارتباكها وعدم معرفتها بالتعامل مع قرار العدل الدولية.
وفي حديث سابق لمدير “المركز السوري للعدالة والمسائلة”، محمد العبد الله، إلى عنب بلدي، قال “إن ارتباك النظام السوري وعدم معرفته بالتعامل مع قرار المحكمة يعزز أن الحكومة السورية هي من ارتكبت هذه الانتهاكات ويدينها”.
وخلال جلسة الاستماع الأولى، قال رئيس الفريق القانوني الكندي، آلان كيسيل، للقضاة، إن “قرار سوريا بعدم المشاركة في إجراءات اليوم لا يحميها من توجيهات المحكمة”.
وأضاف أن “كندا وهولندا تريان أن على حكومة الأسد الرد ووقف التعذيب المتفشي في البلاد”.
ما المنتظر ؟
المختص في القانون الجنائي الدولي المعتصم الكيلاني، قال لعنب بلدي، إن الجدوى المنتظرة هي إصدار حكم من محكمة العدل الدولية بتجريم الحكومة السورية بأنها تقوم بارتكاب فعل التعذيب، وبالتالي إثبات أن سوريا تنتهك اتفاقية “مناهضة التعذيب” وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وأضاف أن الحكم بكل تأكيد سيكون تاريخيًا من أعلى محاكم الأمم المتحدة، كما ستكون له آثار قانونية مهمة من حيث تبعيات ذلك الانتهاك، وكونه سبق قضائي سيتم الاعتماد عليه في المحاكمات الجارية والمستقبلية ضد الحكومة السورية، وأيضًا آثار سياسية لاحقة في الوقوف بوجه التطبيع مع نظام يعذب ويرتكب انتهاكات فظيعة بوجه معارضيه.
الكيلاني أوضح أن الفترة الطويلة للإجراءات هي 18 شهرًا التي طلبتها الحكومة السورية للرد على المذكرة القانونية لهولندا وكندا، وهذا سلوك مماطلة اعتاد عليه النظام السوري.
رغم تلك الفترة الطويلة التي طلبها النظام السوري، أشعر بالتفائل لأنه لا مفر لذلك النظام من العقاب على الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري.
المعتصم الكيلاني، مختص في القانون الجنائي الدولي. |
ماذا يحضر النظام؟
يرجح الصحفي والحقوقي السوري منصور العمري، أن تستحدم سوريا قانون “تجريم التعذيب” وإلغاء “المحاكم الميدانية العسكرية” كسلاح “قانوني” في محكمة العدل الدولية، للقول إنها تفي بالتزاماتها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لدحض اتهامات مقدمي الطلبات، بحسب ما نشرته مجلة “كامبريدج للقانون والسياسة والفنون” للصحفي في تشرين الأول 2023.
ويرى العمري أن الدعوى المرفوعة أمام الحكمة الدولية ضد النظام ترتبط بإصداره القانون رقم “16” لعام 2022، بتجريم التعذيب وقانون إلغاء المحاكم الميدانية.
وبرر هذا الترابط بوجود مفاوضات بين حكومتي كندا وهولندا وحكومة النظام، قبل إعلان المحكمة الدولية عن الدعوى المرفوعة ضده.
في حزيران 2023، نشرت محكمة العدل الدولية وثيقة الطلب المشترك الهولندي- الكندي الذي أقام إجراءات بشأن انتهاكات اتفاقية مناهضة التعذيب.
وتفصّل وثيقة الطلب عملية المفاوضات مع الحكومة السورية، بما في ذلك مواعيد المراسلات والاجتماعات والطلبات المقدمة من هولندا وكندا.
العمري قال عبر حسابه في منصة “إكس” اليوم، الثلاثاء 13 من شباط، إن الإطار الزمني المحدد بسنتين من العدل الدولية، هو أكثر من كافٍ لكي يتمكن النظام السوري من مسح جميع الأدلة التي يمكنه الوصول إليها، بما في ذلك إبادة المعتقلين ويشمل ذلك تكثيف عمليات الإعدام.
بالإضافة إلى التلاعب بالأدلة أو إتلافها ويشمل هدم المقابر الجماعية، والتلاعب أو التغيير أو إتلاف التقارير الطبية والسجلات المدنية وأرشيفات المحاكم.
وتخويف أو عزل الموظفين الرئيسيين، وقد يشمل ذلك استهداف مسؤولين لهم صلات مباشرة بأعلى سلسلة قيادة النظام السوري، من خلال الاعتقالات أو التهديدات أو حتى الاغتيالات.
كما سيعمل على إصدار قرارات عفو مضللة وقوانين غير قابلة للتنفيذ، بحسب العمري، منوهًا إلى أن المحكمة لم تطلب من الحكومة السورية تقديم تقرير عن تنفيذها “للتدابير المؤقتة”.
وختم العمري أنه يمكن لمجموعات حقوق الإنسان السورية والدولية أن تلعب دورًا حيويًا في المراقبة الدقيقة للإجراءات ذات الصلة التي تتخذها الحكومة السورية وتوثيقها.
أمر إجرائي
محمد العبد الله قال لعنب بلدي إن ما حصل أمر إجرائي، وهو أصول المحاكمات أمام العدل الدولية، وكل طرف له مهلة ليقدم الالتماس الخاص به.
وباعتبارها مقاضاة بين دول فمهلة الالتماس سنة، إذ “منحت كل كندا وهولندا سنة لتقديم الالتماس ومنحت سوريا سنة لتقديم التماسها أيضًا والرد على الطلب الهولندي”.
“ما حصل هو أننا لم نعد أمام الإجراءات المؤقتة بل أمام صلب الدعوى، وهذه الإجراءات للنظر بصلب القضية، ما إذا كانت سوريا انتهكت التزاماتها وفق اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب”، أضاف العبد الله.
وفي 16 من تشرين الثاني 2023، أصدرت المحكمة قرارها بشأن “التدابير المؤقتة” ونص القرار على أن تقوم سوريا، وفقًا لالتزاماتها بموجب اتفاقية “مناهضة التعذيب” الذي صادقت عليها عام 2004، باتخاذ “جميع التدابير لمنع أعمال التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وضمان عدم ارتكاب مسؤوليها أو المنظمات أو الأشخاص من الخاضعين لسيطرتها للتعذيب”.
وأكدت المحكمة مقتل عشرات الآلاف خلال الثورة السورية، وأمرت النظام السوري أن “يتخذ إجراءات فعالة لمنع إتلاف الأدلة المتعلقة بأعمال التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وضمان الحفاظ عليها”.
واعتمدت المحكمة الإجراءات السابقة بواقع تصويت 13 صوتًا مؤيدًا للقرار وصوتين ضد القرار، حيث صوت كل من القاضي كيريل جيفورجيان، من روسيا والقاضية جويه هانكن، من الصين ضد قرار اتخاذ “التدابير المؤقتة”.
وحظي القرار بترحيب دولي وحقوقي، ووصفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” القرار بـ”التاريخي”، وبأنه خطوة فارقة نحو حماية المدنيين في البلاد.
وقالت المديرة المساعدة في أحد برامج المنظمة، بلقيس جرّاح، إنه مع استمرار التعذيب المنهجي والواسع في سوريا، سيكون تنفيذ هذا الحكم مسألة حياة أو موت بالنسبة لكثير من السوريين في مراكز الاحتجاز.
من جهتها، رحبت لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا بقرار المحكمة الذي يأمر النظام باتخاذ جميع التدابير لمنع التعذيب في سجونه ووقفه.